حزب الإصلاح وثقافة القطيع: أولوية الخارج على الداخل
الخميس 14 أغسطس 2025 - الساعة 08:10 مساءً
يُعد حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد أبرز القوى السياسية المؤثرة في الساحة اليمنية، إلا أن مواقفه الأخيرة تكشف عن إشكالية عميقة في سلم أولوياته السياسية والاجتماعية. ففي الوقت الذي تعيش فيه المدن اليمنية أزمات خانقة تمس حياة المواطنين مباشرة—من انقطاع المياه، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، واستمرار استنزاف الدخل اليومي عبر ممارسات تجارية احتكارية—لم يظهر للحزب أي حضور فاعل أو تحرك جاد لمساندة هذه القضايا. بل ظل صامتاً إزاء إجراءات البنك المركزي ورئيس الوزراء الرامية إلى ضبط سوق النقد الأجنبي وتحسين قيمة العملة الوطنية، وكأنه خارج المشهد المحلي تماماً.
هذا الغياب اللافت يتناقض بحدة مع النشاط الحزبي المكثف في قضايا خارج حدود البلاد، حيث لم يتردد الحزب في حشد الحشود ورفع الشعارات في قضايا سياسية خارجية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ورغم أن التضامن مع الشعوب المظلومة قيمة إنسانية لا جدال فيها، فإن استخدام هذه القضايا لتعبئة الشارع سياسياً، في الوقت الذي يُترك فيه المواطن اليمني فريسة للفساد وغياب الرقابة، يثير تساؤلات جدية حول أولويات الحزب وأهدافه الحقيقية.
ما جرى في الأسابيع الأخيرة يقدّم مثالاً صارخاً: أزمة عطش خانقة اجتاحت بعض المدن، بالتزامن مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي أرهق المواطنين ودفع قلة منهم للاحتجاج أمام مباني السلطات المحلية. هذه الوقفات سرعان ما خبت تحت ضغط التجاهل الرسمي وانعدام التضامن السياسي، خصوصاً من الحزب الذي يمتلك حضوراً تنظيمياً واسعاً في تلك المناطق. وفي المقابل، حين دعت قيادة الحزب أو أذرعه الإعلامية للتحرك في قضايا خارجية، امتلأت الساحات فجأة بجموع ضخمة، في مشهد يكشف عن هيمنة "ثقافة القطيع" على المشهد الجماهيري.
إن هذا النمط من التفاعل الشعبي، المغذى بخطاب حزبي انتقائي، يخلق بيئة مثالية لاستمرار الفساد الداخلي دون مساءلة. فالمجتمع الذي لا ينهض لوجعه الداخلي يفتقد المصداقية في ادعاء النهوض لوجع الآخرين، والحزب الذي يتبنى خطاب العدالة في الخارج ويتجاهل المظالم في الداخل إنما يشارك بشكل مباشر في تكريس واقع الظلم.
تجاوز هذه الإشكالية يتطلب إعادة صياغة سلم الأولويات السياسية والشعبية، بحيث يُدرك المواطن أن العدالة لا تتجزأ، وأن الدفاع عن الحقوق يبدأ من مواجهة الفساد والاحتكار وغياب الخدمات في محيطه المباشر، قبل أن يمتد إلى التضامن مع المظلوم البعيد. أما استمرار هذا النمط من السلوك الحزبي والشعبي، فسيُبقي اليمن حبيسة دائرة الشعارات والانفعالات العاطفية، بينما تتجذر الأزمات الحقيقية بلا حلول.
الخاتمة
إن قراءة سلوك حزب التجمع اليمني للإصلاح في ضوء الأزمات الداخلية تكشف عن فجوة حقيقية بين الخطاب والممارسة، وعن أولويات مختلة تقدم القضايا الخارجية على حساب الحقوق المباشرة للمواطن اليمني. هذا النمط من العمل السياسي لا يعكس فقط قصوراً في الرؤية، بل يساهم في استمرار بيئة الفساد، ويضعف قدرة المجتمع على ممارسة الضغط الفعّال لتحقيق إصلاحات حقيقية. وإذا لم يُعاد النظر في هذه الأولويات، فإن ثقافة القطيع ستظل تتحكم في المزاج الجماهيري، وستبقى الأزمات المحلية تتفاقم بلا معالجة جذرية.
التوصيات
1. إعادة ترتيب سلم الأولويات الحزبية بحيث يتصدر الدفاع عن القضايا المعيشية والخدمات الأساسية للمواطن قائمة العمل السياسي.
2. تبني استراتيجية ضغط شعبي منظم لمساءلة السلطات المحلية والوطنية عن سياسات الأسعار، وتوفير المياه، وضبط الأسواق.
3. دمج الخطاب التضامني الخارجي بالداخلي على أساس أن العدالة واحدة، وعدم الفصل بين نصرة المظلوم البعيد ومساندة المظلوم القريب.
4. رفع مستوى الوعي النقدي لدى الجمهور عبر برامج تثقيفية وإعلامية تركز على خطورة الانجرار وراء حشود موجهة تخدم أهدافاً سياسية ضيقة.
5. تعزيز الشفافية والمساءلة داخل الحزب لضمان أن يكون الحشد الجماهيري أداة لمواجهة الفساد الداخلي لا لتغطية فشله.