قراءة تحليلية في ديناميات الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي

الجمعه 12 سبتمبر 2025 - الساعة 07:25 مساءً

 

مقدمة:

يحلّل هذا المقال موقع العميد طارق محمد عبد الله صالح داخل منظومة السلطة اليمنية، بوصفه فاعلاً عسكريًا وسياسيًا ونائبًا لرئيس مجلس القيادة الرئاسي. ويركّز على دوره في تكريس أو تفكيك التوازنات الداخلية للمجلس، مستعرضًا بياناته ومواقف مكتبه السياسي خلال عامي 2024–2025، ولا سيما خطاباته التي انتقدت إدارة المجلس للأزمة الاقتصادية وآلية صناعة القرار. كما يناقش المقال العوامل البنيوية المؤدية إلى الانقسامات، ويقف عند انعكاساتها على المسار المؤسسي والوطني، قبل أن يقدّم مقترحات عملية للحد من التأزم.

 

أولًا: السياق العام وتشكيل المجلس

 

تأسس مجلس القيادة الرئاسي كصيغة مؤقتة لتجميع الفاعلين العسكريين والسياسيين وتحويل الساحة اليمنية إلى مسار تفاوضي يتيح إعادة بناء مؤسسات الدولة. غير أن البنية التعددية للمجلس، التي ضمّت قوى شمالية وجنوبية وأخرى محلية ذات مرجعيات عسكرية وإقليمية متباينة، جعلته هشًا أمام تضارب المصالح. ومع مرور الوقت، برزت إشكالات مرتبطة بتوزيع الصلاحيات، وآلية اتخاذ القرار، وغياب ميثاق ملزم يضمن التوافق.

 

ثانيًا: موقع العميد طارق صالح

 

طارق صالح، المنحدر من عائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، راكم خبرة عسكرية واسعة في الحرس الجمهوري والحرس الرئاسي قبل 2011، وبعد انقلاب مليشيات الحوثي  انتقل من المربع الأول إلى المربع الثاني وأصبح قائدًا لـ«المقاومة الوطنية». نفوذه اليوم لا يقوم على القوة العسكرية فقط، بل يتعزز عبر مشاريع محلية في مجالات البنية التحتية والخدمات في الساحل الغربي، ما جعله يحظى بصورة «الفاعل التنفيذي» أكثر من مجرد قائد عسكري. خارجيًا، يحافظ على تواصل مع دبلوماسيين وسفراء إقليميين ودوليين، ما يوسع من هامش تحركه السياسي ويمنحه وزنًا إضافيًا داخل المجلس.

 

ثالثًا: مظاهر الانقسام داخل المجلس

 

خلال 2025، شهد المجلس تصاعدًا في التوترات السياسية والإجرائية، تمثل في:

 

إصدار قرارات وتعيينات أحادية من بعض الأعضاء، خاصةً من جانب قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، ما أثار جدلاً حول شرعية هذه الخطوات.

 

بيانات صادرة عن مكتب طارق صالح، أبرزها في يونيو 2025، انتقدت «تفرد الرئاسة بالقرار» وعجز المجلس عن معالجة الأوضاع الاقتصادية.

 

تباين في أولويات الأعضاء بين مواجهة الحوثيين، إعادة بناء مؤسسات الدولة، أو تعزيز النفوذ المحلي والإقليمي.

 

هذه الوقائع كشفت عن فجوة بين خطاب «الوحدة المؤسسية» وممارسات الأعضاء، ورسّخت صورة المجلس كجسم متنازع داخليًا أكثر منه سلطة توافقية.

 

رابعًا: العوامل البنيوية للأزمة

 

يمكن ردّ أسباب الانقسام إلى أربعة محددات رئيسة:

 

1. تباين المصالح المحلية والإقليمية: كل عضو يمثل قاعدة نفوذ خاصة، ما يجعل قرارات المجلس انعكاسًا لتوازنات متناقضة.

 

2. التنافس على الموارد والتعيينات: غياب معايير شفافة للتوزيع يحوّل التعيينات إلى أداة للصراع.

 

3. التأثير الخارجي: الرعاة الإقليميون والدوليون يعززون مواقف أطراف بعينها، مما يعقّد التوافق الداخلي.

 

4. ضعف آليات الحوكمة: المجلس يفتقر إلى بروتوكول مؤسسي لإدارة الخلافات، ما يفتح الباب أمام المناورات الفردية.

 

خامسًا: خطاب طارق صالح ودلالاته

 

خطاب طارق السياسي في منتصف 2025 ركّز على محورين:

 

العجز الاقتصادي: تحميل الرئاسة مسؤولية فشل المجلس في معالجة الأزمة المعيشية.

 

تفرد القرار: اتهام القيادة بتغييب مبدأ التوافق والإقصاء المؤسسي.

 

هذا الخطاب يعكس سعي طارق إلى شرعنة موقفه أمام قواعده، وإلى فرض نفسه كـ«شريك لا يمكن تجاوزه» في القرار الوطني. وفي الوقت ذاته، يتيح له تحسين صورته أمام المجتمع الدولي باعتباره مدافعًا عن الشراكة المؤسسية.

 

سادسًا: التلميحات إلى التناوب وإعادة هيكلة الرئاسة

 

أشارت تقارير سياسية إلى مقترحات داخل المجلس تتعلق بآلية لتناوب رئاسة المجلس بين الأعضاء، ومن بينهم طارق صالح وعيدروس الزبيدي. ورغم أن هذه المقترحات لم تتحول إلى اتفاق رسمي، إلا أنها تكشف عن إدراك متنامٍ لدى بعض الأعضاء بضرورة تقليص هيمنة الرئاسة الحالية وإعادة توزيع السلطة بشكل أكثر توازناً. غير أن مثل هذه الترتيبات قد تُفسَّر من أطراف أخرى كمحاولة لإعادة هندسة مركز القوة في لحظة هشّة، ما قد يفتح الباب أمام مزيد من الانقسام.

 

سابعًا: الانعكاسات المحتملة

 

تعطيل الإصلاحات الاقتصادية: استمرار الانقسامات يربك إدارة الملفات المالية والخدمية.

 

تآكل الثقة المؤسسية: غياب التوافق يقلل من قدرة المجلس على تمثيل اليمن كسلطة شرعية أمام المجتمع الدولي.

 

مخاطر التصعيد الأمني: احتمال انزلاق الخلافات السياسية إلى مواجهات عسكرية محلية في مناطق التداخل الجغرافي.

 

ثامنًا: توصيات عملية

 

1. صياغة ميثاق داخلي ملزم ينظم إصدار القرارات والتعيينات.

 

2. ربط الدعم الدولي بآليات مؤسسية لا بشخصيات منفردة.

 

3. إنشاء لجنة فضّ نزاعات بمشاركة شخصيات وطنية مستقلة.

 

4. وضع خطة إصلاحات اقتصادية زمنية وقابلة للقياس.

 

5. إشراك ممثلين محليين ومجتمع مدني في بلورة السياسات، لتوسيع قاعدة الشرعية وتقليل منطق الإقصاء.

 

الخاتمة

 

يشكّل العميد طارق صالح لاعبًا محوريًا في معادلة السلطة اليمنية؛ فهو يوازن بين رصيده العسكري ومشاريعه المحلية وصلاته الخارجية. غير أن خطابه النقدي للرئاسة يعكس أكثر من مجرد خلاف شخصي، بل يفضح إشكالات بنيوية في طريقة إدارة المجلس. إن استمرار غياب آليات مؤسسية للتوافق قد يقود إلى مزيد من التآكل في شرعية المجلس، بينما يمكن لإصلاحات تقنية وإجرائية أن تحوّل هذا التباين إلى مصدر قوة تفاوضية بدلًا من أن يكون بوابة لانهيار مؤسسي جديد.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس