غاب وانقطعت أخباره منذ 75 يومًا، وبالتزامن مع بداية الإجراءات الحكومية والإصلاحات الاقتصادية والمالية، وظهور بوادر التعافي النسبي للعملة الوطنية وتراجع الريال السعودي والدولار، وما يقال ونسمع عنه من انخفاض للأسعار، يظهر عليه الشحوب والجفاف والهزال الشديد، مصاب بنوع من التقزم، ويعاني من ضعف المناعة وقصور في الوظائف الشرائية ونقص كبير في الفيتامينات والمعادن والبروتينات. وتنتابه حالة مزمنة من فوبيا ورهاب البقالات ومحلات الجزارة والأسماك والمحلات التجارية والأسواق. تعرض لإهمال وتجاهل حكومي وخذلان نقابي وذاتي.

غاب وغيب بين دهاليز وزارة المالية والبنك المركزي والحكومة، ويقال إن وراء غيابه وتغيبه قضية خطيرة وأسرار وملفات سرية، وصراعات بين الحيتان والقطط السمان والأشباح الخفية، وفشل وفساد واختلالات إدارية ومالية، وعبث بالإيرادات وثقوب سوداء وخزانة خاوية.

وفي رواية أخرى، يقال إن الغياب والتغييب يعود إلى خلافات محتدمة بين محافظ الخزينة المركزية ورئيس الحكومة، وأن خلافات "الثمانية" قد تطيل غياب الغائب وتزيد الطين بلة. وفي قول آخر، إن وراء غيابه وتغيبه أهداف سامية ومصلحة وطنية وضرورة حتمية لنجاح الإجراءات الحكومية والإصلاحات الاقتصادية والحفاظ على انخفاض الأسعار وتعافي العملة الوطنية، وأن عودة وصرف المرتب الهزيل حاليًا قد يعرقل الإصلاحات الاقتصادية ويؤدي إلى "تضخم" كبير لا يحمد عقباه.

وهناك من ينظر للأمر من زاوية أخرى ويفسر الغياب والتغييب من منظور آخر، ويرى أن الحكومة تتعامل مع القضية باستخدام سياسة: "فجعه بالموت يرضى بالحمى"، فبعد استمرار الإضراب والاحتجاجات السلمية للمعلمين والتربويين لشهور طويلة للمطالبة بحقوقهم المشروعة وبزيادة المرتب وتحسينه، وبدلًا من الاستجابة، وحتى بالحد الأدنى وبصورة نسبية، تم إخفاء وتغييب الراتب نفسه.

وفي ظل هذا الغياب، تترقب "الغائب" بشوق ولهفة وقلق شديد، بطون خاوية وجيوب خالية وبيوت فارغة، وبقالات وإيجارات ومحلات متلهفة، والتزامات وديون متراكمة، ومطالب أسرية واحتياجات معيشية، ومتطلبات دراسية وجامعية وصحية.

إن هل هلاله وظهر الغائب وعاد بعد طول تغييب وغياب، فلن تطفئ عودته نار الشوق ولهفة المشتاقين إليه، ولن تكون عودته نهاية للمشكلة، بل قد تكون بداية لمعضلة ومشكلة أخرى معقدة، وسنجد أنفسنا أمام اختبار صعب ومعادلة حسابية عصية ومستعصية الحل، ويقف أمامها أهل الحساب والاقتصاد وأكبر المحاسبين والمتخصصين حائرين وعاجزين...!

#الراتب_حياة_و_الصمت_عار