عندما تُغتال الدولة قبل أن إغتيال النساء في تعز
الجمعه 19 سبتمبر 2025 - الساعة 10:04 مساءً
اغتيال الأستاذة افتهان المشهري مدير صندوق النظافة والتحسين بتعز لا يمكن النظر إليه كجريمة منفصلة، بل كمرآة تعكس الوضع المأساوي الذي تعيشه النساء في اليمن منذ اندلاع الحرب. ما حدث في تعز كشف أن المرأة أصبحت الحلقة الأضعف في دائرة العنف، وأن من يفترض أن تكون حمايتها واجبًا دينيًا وأخلاقيًا ومجتمعيًا، صارت اليوم هدفًا للرصاص ورسائل الانتقام.
أفتهان لم تكن تحمل سلاحًا ولم تكن جزءًا من صراع سياسي، كانت امرأة تعمل في خدمة مدينتها، تحاول أن تبقيها نظيفة من تراكمات الفوضى والفساد، لكن يد الغدر اختارتها رمزًا لتصفية حسابات أو لإرسال رسالة بأن لا أحد محمي حتى في وضح النهار. هذا يضعنا أمام سؤال جوهري: إذا كانت امرأة بمكانة اجتماعية مرموقة قد قُتلت بدم بارد، فما الذي تواجهه آلاف النساء اللواتي يعشن في الظل بلا اسم ولا حماية؟
الحرب لم تفتح باب الجوع والتشريد فقط، بل كسرت كل الحواجز التي كانت تحمي المرأة من الاعتداء المباشر. في السجون الحوثية تتعرض النساء للتعذيب والإذلال، وفي الشوارع المنفلتة أمنيًا يواجهن خطر الاغتيال والاختطاف، وفي البيوت يواجهن العنف الأسري المضاعف بفعل الضغط الاقتصادي والاجتماعي. أفنان المشهري لم تسقط وحدها، بل سقط معها جزء من الأمان الاجتماعي الذي كان يفترض أن يبقى خطًا أحمر مهما كانت ظروف الحرب.
المجتمع الذي يصمت على قتل النساء يفقد توازنه الأخلاقي، ويمنح المجرمين تصريحًا مفتوحًا لممارسة بطشهم بلا رادع. حماية المرأة اليوم لم تعد مجرد مسألة حقوق إنسان، بل صارت معيارًا حقيقيًا لوجود الدولة، واختبارًا لرجولة المجتمع. إما أن ينتصر الناس لدماء أفنان ولكرامة النساء جميعًا، أو أن تستمر الفوضى في ابتلاع ما تبقى من قيم، حتى يصبح القتل مشهدًا عاديًا لا يثير الغضب ولا يستدعي المحاسبة.
إن ما لم يتم الحسم فيه اليوم سيولد كوارث أكبر غدًا، وإذا لم تُستعاد الدولة وتُستعاد مؤسسة العدالة بسرعة وحزم، فستتحول استثناءات العنف إلى قاعدة حاضنة للفوضى، وستصبح جرائم الاغتيال والابتزاز والاعتداء على النساء مشاهد روتينية تُطبع على وجه المدن والأجيال. دم أفنان المشهري يجب أن لا يمرّ دون ثمن؛ لا يمكنك أن تتحدث عن قيادة ومسؤولية وتترك الشوارع للحوافر والرصاص. المطلوب قرار سياسي وأمني فوري: اعتقال الجناة، محاكمات علنية، حماية فعلية للمدن، وإصلاح مؤسسي حقيقي يسبق أي تفاوض أو صفقة سياسية. وإلا فالعواقب ستكون أكبر — ليس فقط خسارة للمكانة الثقافية لتعز، بل كارثة اجتماعية ستمزق النسيج الوطني وتفرّغ المجتمع من كرامته وضميره.
رسالة إلى الشرعية والقوى المسيطرة عليها:
أوقفوا تسويق الفوضى كأداة نفوذ.
اعملوا فورًا على استرداد دور الدولة وسيادة القانون.
أمنوا المواطنات والمواطنين ولا تتركوا المدن للمجرمين.
إما محاسبة صارمة وعودة مؤسسية، أو مسؤولية كاملة عن الكارثة الآتية
▪︎اكاديمية ودبلوماسية سابقا