تعز: مدينة الفوضى التي أدارها الإصلاح كفرع عائلي للبلطجة
الاربعاء 24 سبتمبر 2025 - الساعة 09:11 مساءً
حين تفتح ملف الإصلاح في تعز لا تحتاج إلى عدسة مكبّرة، فالفضائح تمشي وحدها في الشوارع متزيّنة بالبزة العسكرية. يكفي أن تفتح النافذة ستطل عليك الجرائم اليومية وتصافحك البنادق بابتسامة واثقة.. من اغتيال الحمادي إلى الحروب الصغيرة التي يخوضها “الصغار” نيابة عن “الكبار”، من عصابات غزوان إلى ألوية خالد فاضل، تحوّلت تعز إلى ما يشبه حقل ألغام عائليًا، فيه الأب قائد، والابن وارث، وابن العم مشغول بالجباية، فيما ابن الخال يعالج فراغه الوجودي عبر الاغتيالات.
في سنوات الاجتياح الحوثي الأولى كان الإصلاح يتقمص دور المتفرج المتذاكي.. المقاومة الشعبية والسلفيون وبعض ضباط الجيش السابقين يتساقطون في المتاريس، بينما الحزب يفضّل تصوير فيديو استعراضي لحمود المخلافي تبثه قناة الجزيرة، أو إصدار بيان دعوي عن “وحدة الصف”.. مشهد يوحي بأن الحزب فهم باكرًا أن الفوز ليس بطرد الغزاة، بل بترتيب الداخل، وأن الكاميرا أهم من البندقية، والصورة أهم من رائحة البارود.
يطل الإصلاح في تعز برأسين: الأول يتغنَّى بالديمقراطية والمواطنة، والثاني غارق حتى أذنيه في الجبايات والاغتيالات.. نسخة محلية من لعبة “وجهان لعملة واحدة”، إلا أن المفارقة أن هذه العملة نفسها مزورة.
المدينة تحولت إلى كوميديا سوداء، منازل المغتربين استولت عليها “البطولات”، الأسواق تئن تحت جبايات الكلاشينكوف، والمطلوبون أمنيًا يتجولون بثقة مفرطة. الإحصائية الأكثر فجاجة تقول إن 90% من المطلوبين وذوي السوابق في تعز يمكن نسبهم إلى شجرة عائلية واحدة: أبناء وأقارب عبدالقوي المخلافي، صادق سرحان، حمود المخلافي، وسالم الدست. أي أن فهم خريطة الجريمة صار يتطلب حفظ سجل عائلة لا أكثر.
أما الثلاثي المقدس: خالد فاضل، سالم الدست، منصور الأكحلي، فقد تحولوا إلى “مثلث برمودا” المحلي، حيث تذوب أية محاولة إصلاح حرفيًا ومجازيًا. هؤلاء لم يديروا تعز بيد من حديد، بل بيد من فوضى. تواطؤ مع القتلة، حماية للمفصعين، استباحة لمكاتب الدولة وبيوت المغتربين، وترك المدينة نهبًا للجبايات.. الإصلاح لم يكتفِ بالدفاع عنهم في زمن هادي أو رشاد العليمي، بل حرص على بقائهم، وكأن الهدف لم يكن إدارة تعز، بل إذلالها بشكل متواصل.
الشبكة الإعلامية الواسعة للحزب لم تقصّر في تغطية هذه الكوارث بعبارات رنّانة.. كل اغتيال يتحول إلى “حادثة غامضة”، كل جباية تُسمى “دعماً للمجهود الحربي”، كل فوضى توصف بأنها “سحابة صيف”.. أما القتلة والمجرمون فيُعاد تدويرهم في الخطاب الحزبي كـ“شباب غاضب يحتاج إلى الاحتواء”.. لعبة لغوية لا تقل ابتذالًا عن اللعبة السياسية نفسها.
الإصلاح اليوم يعيش في تعز مأزقًا وجوديًا، خطابه يرفع راية المدنية، بينما سلوكه يرسف في مليشياوية بلا قاع.. يراهن على ذاكرة قصيرة للناس، على قدرة المدينة على التعايش مع رائحة الدم، وعلى الاعتياد كوسيلة ترويض. لكنه يعرف أن فاتورة حماية شبكته الثلاثية ترتفع يومًا بعد يوم، وأن الكراهية التي يحصدها صارت أكبر من رصيده.
أية مصالح يخفيها الحزب في تعز؟ أي ذهب مخبوء، أية جبايات متدفقة، أية شبكات مالية تجعل التضحية بسمعة الحزب والمدينة معًا خيارًا مقبولًا؟ كل ساكن في تعز يعرف أن بقاء هؤلاء ليس صدفة ولا خطأ إداريًا، بل عقوبة مقصودة للمدينة وأهلها. الإصلاح وحلفاؤه يدركون أنهم يلعبون لعبة قذرة، لكنها اللعبة الوحيدة التي يتقنونها.
تعز التي كانت ذات يوم مدينة الثقافة والفكر، أضحت مختبرًا للفوضى المنظمة.. مدينة القاتل فيها ينام قرير العين، وذوو الضحايا يعرفون أن الإعلام الحزبي سيسجل مصيبتهم كـ“حادثة عرضية”. الإصلاح لم يعد حزبًا، بل وكالة أمنية لحماية المطلوبين وشركة عائلية لإدارة الفوضى.
اليوم حين يُذكر اسم تعز لا يُستحضر كتاب ولا شاعر ولا قاعة ثقافية. بل يُستحضر غزوان وصادق سرحان وسالم الدست وقصص البلاطجة الذين صاروا أوصياء على المدينة. الإصلاح حوّل تعز إلى متحف مفتوح للجريمة، حيث كل رصاصة تحمل توقيعًا حزبيًا غير معلن، وكل اغتيال يجد له تبريرًا، وكل قاتل يجد له وظيفة في جهاز الأمن.
الجمهورية المليشياوية في تعز لم تعد احتمالًا، بل واقعًا يوميًا. والإصلاح بدل أن يكون حزبًا سياسيًا، صار شركة أمنية للعائلة ومؤسسة لتدوير الدم.