إلى أبواقِ التناقضِ والصراخِ الفارغ..

الخميس 02 أكتوبر 2025 - الساعة 06:50 مساءً

 

كل يومٍ تتكرر نفسُ المسرحية: أصواتٌ مرتفعة، اتهاماتٌ مُستنسخة، ونبراتُ تخوينٍ تستهدفُ من يملكُ صوتًا حرًّا أو ذاكرةً تاريخية. تُعلنون أنَّ «الناصري» جماعةٌ من سبعة أَشخاص، وأنَّ «المؤتمر» انتهى وتمزق بين هنا وهناك—ثمَّ في اليوم التالي تَنهمكون في ملاحقتهما وكيل الاتهامات والوشاية والتشويه. هل هذا منطقُ من يدَّعونَ أنهم على ثقةٍ تامةٍ بأنفسهم وسياساتهم؟ بل على العكس: هذه هي لغةُ الخوف.

 

لو كان الطرفانُ عديمَي الوزنِ كما تُصرحون، لما استنفَرتم كلّ هذه الطاقات لمراقبةِ أقلامٍ صحفيةٍ، أو لتشويهِ بيانٍ سياسيٍ، أو للتحسُّسِ من أي قيادي يتسنَّمُ منصبًا إداريًا حتى وإن كان مكتبهُ بلا ميزانيّةٍ ولا سلطة فعلية. الخوف لا يُلغى بالكلام؛ الخوف يُكشفُ بالفعل. وهذه الأفعالُ تُثبتُ أنكم تدركون في قرارةِ أنفسكم أنَّ وجودَ المؤتمر والناصري ليس مجرّد ظلٍّ، بل هو واقعٌ له امتداداتُه الشعبية والفكرية والإعلامية.

 

أنتم من تملكون السلاحَ والمواردَ والوزاراتَ والإيراداتَ، ومن يدّعي النفوذَ في مفاصلِ الدولة. ومع ذلك ترتجفون من اعتصامٍ سلميٍّ يطالبُ بالعدالةِ، من مطالبةٍ تُطالبُ بمحاسبةِ قتلةٍ، ومن مدافعين عن الحقوقِ المدنية. وصفُ الاعتصامِ بالاستغلال السياسي محاولةٌ فجةٌ لتقزيمِ حقٍ مقدَّس: الحق في العدالةِ والمساءلةِ. إنَّ إخافة الناس وتطويعَ الرأي العام عبرَ الشعارِ والتشهيرِ لا يغطيانَ على عجزٍ أعمق: عجز عن بناءِ شرعيةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ، وعن احتواءِ مطالبِ الناسِ المشروعة.

 

أما الذين تُعيّرونهم بأنهم «سبعة نفرٍ» أو حزبٌ منقرضٌ، فهم يتواجدون في الساحات، يرفعون صرخاتِ الغيورين، ويحملون قضايا الناس على منابرٍ لا تختفي. وجودهم الجماهيري في القرى والمدُن، وقدرتهم على كشفِ التناقضاتِ وإحراجِ السلطةِ أمامَ جمهورٍ لم يعد سعيدًا بالتصريحاتِ الجوفاء، كلُّ ذلك يجعلهم خطرًا حقيقيًا في عيون من تقصّدوا أن يجعلوا من الوجودِ مؤقتًا ومن النفوذِ قوةً لا تُستندُ إلى إرادةِ الناس.

 

الواقعُ البسيطُ والمُحرجُ لكم: من يصرخُ كثيرًا ويكذبُ صباحًا ومساءً يخسرُ مصداقيتَه. الجماهيرُ ليست ساذجةً؛ هي تلاحظُ، تُفكّر، وتستنتج. كلَّ مرةٍ تصرخونَ فيها على «السبعة النفر» أو تُنافقونَ في وصفِ المؤتمرِ بأنه انتهى، أنتم في الحقيقة تخترقونَ جوهرَ حقيقتين: أولًا أنَّ وجودَ بدائلٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ لا يزولُ بمجردِ ترديدِ شعارات؛ وثانيًا أنَّ شرعيتكم مؤقتةٌ ما دامت قائمةً على القوةِ لا على قبولِ الناس.

 

إنّ السرَّ في السياسةِ ليس في نداءاتِ الصوتِ العالي، بل في قدرةِ الأطرافِ على الاستجابةِ لآلامِ الجمهور، والالتزامِ بالمساءلةِ، واحترامِ الحرياتِ. من يريدُ أنْ يصمدَ طويلًا، عليه أنْ يبنيَ ثقةً لا يخيفُها قلمٌ، ولا يزعزعها اعتصامٌ سلميٌّ يطالبُ بالحقّ.

 

ختامًا: الأبواقُ التي تتناقضُ قولا وفعلًا هي نفسهاُ التي تذوي قاعدتَها الجماهيرية يومًا بعد يوم. والناصري المؤتمر وبقية والقوى الوطنية برغمَ ما تعرّضا له من ضرباتٍ واندثارٍ ظاهريٍّ، يظلانَ قوةً لا تُستهان—ليس لأنهما يحتفظانَ بالسلاحِ وحده، بل لأنَّهما يملكانَ ذاكرةَ ناسٍ لم تُمحَ بعدُ، وإرادةَ احتجاجٍ تذكّرُ من ينسونَ بأنَّ السلطةَ الحقيقيةَ تُولَدُ من رحمِ الشارعِ لا من غرفِ القرارِات المغلقة.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس