قراءة تحليلية في تصريحات عيدروس الزبيدي حول مستقبل الدولة اليمنية

الجمعه 10 أكتوبر 2025 - الساعة 07:24 مساءً

 

تمثل تصريحات نائب رئيس مجلس القيادة عيدروس الزبيدي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بشأن إمكانية انضمام محافظتي تعز ومأرب إلى دولة الجنوب، محطة جديدة في النقاش المتعلق بشكل الدولة اليمنية ومستقبلها السياسي. 

 

ورغم ما تحمله هذه التصريحات من دلالات حساسة في السياق الوطني، فإنها تفتح أفقًا تحليليًا لفهم التحولات المحتملة في الخطاب الجنوبي، وعلاقته بمشروع الدولة الاتحادية الذي تعثّر منذ اندلاع الحرب عام 2015.

 

أولاً: السياق السياسي للتصريحات

 

تأتي هذه التصريحات في ظل استمرار حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين القوى اليمنية، حيث ما تزال العاصمة صنعاء تحت سيطرة جماعة الحوثي، فيما تتوزع بقية المحافظات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي وقوى محلية أخرى.

من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى حديث الزبيدي بوصفه تعبيرًا عن إعادة تموضع سياسي يهدف إلى استيعاب الواقع القائم بدلًا من الاصطدام به، عبر طرح تصورات بديلة لإعادة بناء السلطة في المناطق الخاضعة للشرعية، حتى وإن جاءت بصيغ مختلفة عن مفهوم "الوحدة المركزية" التقليدي.

 

ثانيًا: القراءة السياسية للتصريحات

 

يمكن تفسير تصريحات الزبيدي من زاويتين أساسيتين:

 

1. زاوية براغماتية:

يُفهم من حديثه أن المجلس الانتقالي يدرك صعوبة استعادة العاصمة صنعاء في المدى المنظور، وهو ما يدفعه للتفكير في نموذج بديل يُعيد صياغة الدولة ضمن نطاق جغرافي يضم المحافظات الخارجة عن سيطرة الحوثيين.

 

وبهذا المعنى، تُقرأ دعوته كجزء من محاولة لبناء كتلة شرعية موحدة تضم الجنوب وتعز ومأرب، تمثل قاعدة للدولة القادمة، سواء كانت اتحادية أو ذات طابع فيدرالي خاص.

 

2. زاوية اتحادية:

تُبرز التصريحات كذلك مرونة في موقف الزبيدي تجاه فكرة اليمن الاتحادي، إذ أن الحديث عن إمكانية انضمام محافظات شمالية إلى دولة الجنوب يتقاطع ضمنيًا مع مبدأ الأقاليم المتعددة الذي نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لا مع الانفصال التام.

 

هذا الخطاب قد يُفهم على أنه تراجع تكتيكي عن مطلب الانفصال الحاد، لصالح رؤية اتحادية قابلة للتفاوض.

 

ثالثًا: الدلالات السياسية والفكرية

 

تُظهر تصريحات الزبيدي تحولًا في الخطاب السياسي الجنوبي من خطاب الهوية والانفصال إلى خطاب الدولة وإعادة التأسيس.

فهي تعكس انتقالًا تدريجيًا من التركيز على الماضي (قضية الجنوب التاريخية) إلى الانفتاح على المستقبل (بناء دولة قابلة للحياة في حدود الممكن السياسي).

 

كما تعبّر عن نضج نسبي في الوعي السياسي الجنوبي، يتمثل في إدراك أن الصراع في اليمن لم يعد صراع حدود أو هوية فحسب، بل هو صراع حول صيغة الدولة وشرعية تمثيلها لمواطنيها.

 

رابعًا: في قراءة النصف الممتلئ من الكوب

 

رغم ما قد تثيره هذه التصريحات من تخوفات في أوساط القوى الشمالية أو داخل معسكر الشرعية، إلا أنها تحمل في جوهرها مؤشرات إيجابية تستحق القراءة المتأنية.

فهي تعبّر عن استعداد طرف فاعل في المشهد اليمني لتبنّي خطاب واقعي وتوافقي، يفتح الباب أمام نقاش وطني حول شكل الدولة القادمة، بدل الاستمرار في الانقسام الخطابي بين "وحدة قسرية" و"انفصال مطلق".

 

ومن هذا المنطلق، فإن تصريحات الزبيدي تمثل — في أحد وجوهها — دعوة لإعادة التفكير في المشروع الوطني على أسس جديدة تستند إلى الواقعية السياسية لا إلى الشعارات التاريخية.

 

في المحصلة، يمكن القول إن تصريحات عيدروس الزبيدي حول تعز ومأرب لا يمكن قراءتها بوصفها تهديدًا لوحدة الدولة فحسب، بل أيضًا كمدخل لإعادة صياغة الوعي السياسي اليمني في ضوء التحولات الميدانية والواقعية.

 

إن النظر إلى "النصف الآخر من الكوب" في هذه التصريحات يسمح بفهمها كجزء من تطور في الخطاب السياسي الجنوبي نحو منطق الدولة لا منطق الصراع، ونحو البحث عن حلول عملية تحفظ ما تبقّى من فكرة اليمن الاتحادي بوصفها الإطار الأنسب للتعايش والتوازن بين مكونات البلاد.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس