الرباعية الدولية وتصلّب الإخوان في تعز: معركة الإيرادات تكشف جوهر الأزمة
الاربعاء 19 نوفمبر 2025 - الساعة 10:08 مساءً
توجّه الرباعية الدولية نحو اتخاذ إجراءات عقابية بحق الأطراف التي تعرقل مسار الإصلاحات في اليمن ليس حدثًا عابرًا، بل نتيجة تراكم طويل لسلوكيات سلطات محلية وحزبية استنزفت الدولة وعطّلت قدرتها على إدارة مواردها. وفي قلب هذه الإشكالية تقف تعز؛ المحافظة التي تحولت فيها المالية العامة إلى ساحة صراع سياسي بامتياز، وبرز فيها رفض الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) لقرار رئيس الوزراء ومحافظ المحافظة القاضي برفع يد محور تعز العسكري عن الإيرادات وإلزام الجميع بالتوريد للبنك المركزي.
أولًا: لماذا تحركت الرباعية الآن؟
الرباعية باتت تدرك أن الأزمة الاقتصادية اليمنية ليست مجرد نتيجة للحرب، بل أيضاً لتفكك السلطة المالية واحتجاز الإيرادات في المحافظات من قبل أطراف نافذة. ولأن الدعم الدولي مشروط بالإصلاح، أصبح لزامًا على الأطراف المانحة أن تستخدم أدوات الضغط، بعد أن فشلت التفاهمات والوعود.
هذا التوجّه يعني ببساطة:
لم يعد مسموحًا لأي محافظة أو أي حزب أن يتعامل مع الإيرادات كغنيمة أو أداة نفوذ خارج سلطة الدولة.
ثانيًا: معركة تعز… حين تتقاطع الأجندة الحزبية مع المال العام
في تعز، تتجلى المشكلة بشكل فاضح. فقرار رئيس الوزراء ومحافظ المحافظة بإخضاع الإيرادات للنظام المالي الرسمي أثار غضب القوى المسيطرة على الملفات المالية والعسكرية، وعلى رأسها جناح الإخوان المهيمن على مفاصل محور تعز وذراعه المالي والإداري.
رفض هذا القرار لم يكن رفضًا إداريًا أو اعتراضًا على آلية التنفيذ… بل كان تمرّدًا كاملًا على سلطة الدولة، لأن هذا القرار يضرب مباشرة شبكة مصالح مالية راكمت نفوذًا واسعًا تحت شعار “دعم الجبهات”.
وبدلاً من التجاوب مع قرار حكومي يهدف لضبط الفوضى المالية، اختارت هذه القوى التصعيد السياسي والإعلامي، ومحاولة تصوير الخطوة على أنها “استهداف للجيش” أو “قطع لمخصصات الجرحى” — رغم أن الحقيقة الواضحة هي أن من يحتجز الإيرادات هو ذاته من يعرقل انتظام الرواتب وصرف مستحقات الجرحى.
ثالثًا: الرباعية ترى الصورة بوضوح… وتعز واحدة من العقد
عندما تتحدث الرباعية عن “معرقلين للإصلاحات” فهي لا تتحدث عن كيانات متمرّدة فقط، بل أيضاً عن أطراف داخل مؤسسات الشرعية نفسها تتحول إلى “دولة داخل الدولة”.
وتعز نموذج صارخ لذلك:
• إيرادات كبيرة لا تُورَّد للبنك المركزي.
• سلطة مالية مشتتة بين المحور ووحدات عسكرية أخرى.
• إدارة حزبية مغلفة بغطاء “المقاومة” لتبرير كل تجاوز.
• ورفض صريح للقرارات الحكومية بمجرد أن تلامس مصادر النفوذ.
ولهذا، فإن الربط بين إجراءات الرباعية وبين سلوك الإخوان في تعز ليس اجتهادًا، بل قراءة واقعية:
تعز واحدة من أهم نقاط الاختبار لمدى قدرة الحكومة على فرض الإصلاحات، ومدى استعداد المجتمع الدولي لدعمها في ذلك.
رابعًا: لماذا يصر الإخوان في تعز على الاحتفاظ بالإيرادات؟
لأن السيطرة على المال تعني السيطرة على القرار.
ولأن الإيرادات هي مصدر النفوذ الحقيقي، وورقة ضغط تُستخدم ضد السلطة المحلية وضد الحكومة وحتى ضد خصومهم السياسيين.
ولأن رفع يد المحور يعني:
• تجفيف مصادر التمويل غير الرسمية.
• ضبط الصرف.
• إنهاء دوائر فساد محمية بشعارات “النضال”.
• وتحويل تعز من ساحة نفوذ حزبي إلى محافظة تخضع لقوانين الدولة.
وهذا ما لا يرغبون فيه.
خامسًا: ما الذي يعنيه هذا للمشهد القادم؟
إذا مضت الرباعية في إجراءاتها، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التعامل دوليًا مع معرقلي الإصلاحات داخل الشرعية ليس فقط مع الحوثيين.
وهذا سيضع الإخوان في تعز أمام خيارين:
1. الانصياع لقرارات الدولة وتسليم الإيرادات للبنك المركزي.
2. تحمل كلفة المواجهة الدولية التي قد تشمل تجميد أصول، منع سفر، وتقييد التعامل المالي مع أشخاص ومؤسسات.
وفي الحالتين، فإن معركة تعز المالية ستتحول إلى نقطة تحول في مسار الإصلاحات على مستوى اليمن.
خلاصة
خطوة الرباعية ليست مجرد “تحذير خارجي”، بل ضوء كاشف لما يجري في الداخل.
وما يحدث في تعز من رفض لقرارات رئيس الوزراء والمحافظ هو واحد من أبرز الأمثلة على أن الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق ما دامت بعض القوى – وعلى رأسها الإخوان – تعتبر الإيرادات ملكية خاصة، وليست مالًا عامًا تديره الدولة.














