تضحية نقية.. لم تُعرض في مزادات السياسة

الجمعه 21 نوفمبر 2025 - الساعة 08:06 مساءً

 

لا يتحدث عن نفسه، ولا يطلب رتبة عسكرية، فمكانه ليس في طابور الامتيازات، بل معلّم في الصف، أمام الطلبة.

 

وهكذا هم القادة الناصريون حين يقدمون تضحياتهم؛ لا يحولونها إلى منابر، ولا يضعونها في سوق المزايدات. يتركون الصمت يتكلم عنهم، لأن قيمتهم تُقاس بما يُفعل بصدق لا بما يُقال.

 

(طه حسن الشرعبي)، معلّم قبل الحرب، ومقاتل حين احتاجه الوطن، وجريح لم يسمح لجراحه أن تسلب دوره الأصيل: العودة إلى مدرسته ليعلّم.

 

في جبهة مقبنة بتعز، قبل حوالي تسعة أشهر، انفجر به لغم زرعته جماعة تمتهن تحويل الحياة إلى موت. كان يتقدم الصفوف أمام رفاقه، كما كان يقف أمام طلابه؛ في المقدمة.

 

فقد (طه) كلتا قدميه وتضررت إحدى يديه وفقد جزءًا من بصره، ومع ذلك بقيت روحه ثابتة لا تنكسر. وقبل ذلك، كانت الميليشيا قد فجّرت منزله أيضًا.

 

ومثلما قاوم الألغام، قاوم أيضًا إغراء الازدواج الوظيفي، ورفض أن يتم ترقيمه في الجيش خلافًا لما يفعله كثيرون. كان واضحًا مع نفسه كما هو واضح مع وطنه.

 

في أول أيام عيد الفطر، ذهبت لزيارته في المستشفى. توقعت أن أراه منهزمًا أمام جراحه، فوجدت معنوياته عالية وحديثه هادئًا يطمئن من حوله بدل أن ينتظر من يواسيه.

وسمعت ممن زاروه خلال خضوعه لعشرات العمليات أنه كان يفكر في شيء واحد: العودة إلى عمله.

 

مرّت الشهور حتى ظهرت صورته في مدرسته داخل الصف بين طلابه، يجلس على كرسي متحرك بالكاد يوازن ما تبقى من جسده فوقه ليبدأ من جديد، وكأن التعليم بالنسبة إليه شكل آخر من المقاومة.

 

وفي الصف، بين دفاتر صغيرة وأحلام أكبر من الحرب، يدرّس طلابًا قد لا يعرفون ماذا فقد معلمهم، لكنهم يعرفون جيدًا ماذا يعطي.

 

هؤلاء الأطفال لن يتذكروا أسماء السياسيين، لكنهم سيتذكرون المعلم الجريح الذي جاء إلى الفصل رغم إصاباته، في صورة تجيب عن سؤال واضح: كيف يُصاب الجسد وتنتصر الروح؟

 

(طه الشرعبي) شهادة إنسانية تقول إن جبهات القتال ليست المكان الوحيد الذي يعيد الوطن، فالوطن يُعاد أيضًا من صف مزدحم، وطباشير تنكسر لكنها تكتب حتى آخر ما تبقى منها.

 

ولأننا نحن الناصريين لا نتاجر بقضايا الجرحى، لم تُعرف قصته كما كثير من رفاقه الناصريين. لكن قصة (طه) ستروى اليوم كما هي، بصدق لا بهدف الدعاية، بل وفاءً لرجل جعل من الصمت شهادة، ومن التعليم مقاومة تستحق أن تُروى.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس