حين تغيب الموضوعية: نقابة الصحفيين بين الدفاع الانتقائي وتجاهل التضليل
الجمعه 21 نوفمبر 2025 - الساعة 08:17 مساءً
في القضايا الإعلامية الحساسة، لا يُقاس دور نقابات الصحفيين بمدى صوتها المرتفع، بل بميزان عدلها المهني، وقدرتها على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع: السلطة والإعلام معاً. إلا أن الموقف الأخير لنقابة الصحفيين اليمنيين تجاه ما جرى بين السلطة المحلية في تعز وقناة "يمن شباب" يفتح تساؤلات مشروعة حول مدى التزامها بالموضوعية التي يفترض أن تكون حجر الأساس في خطابها.
لقد سارعت النقابة إلى إصدار بيان ينتقد رد فعل السلطة المحلية، معتبرةً استدعاء الأجهزة الأمنية تجاوزاً لحرية الصحافة، وهو موقف يمكن تفهّمه من زاوية الدفاع عن الصحفيين ورفض تسييس العمل الأمني ضد الإعلام. غير أن الإشكالية لا تكمن هنا، بل في الصمت المطبق تجاه جوهر القضية: التضليل الإعلامي الذي مارسته القناة عندما حرّفت مضمون التقرير ونسبت إليه اتهامات لم ترد فيه، وزجّت باسم محافظ تعز في سياق لم يكن موجوداً أصلاً.
هذا التجاهل لمشكلة التزييف، والتركيز الحصري على إدانة بيان السلطة المحلية، يُظهر خللاً واضحاً في بوصلة النقابة، ويحوّلها – عن قصد أو غير قصد – إلى طرف في معركة إعلامية، بدلاً من أن تكون حكماً مهنياً نزيهاً يدين الخطأ أينما كان.
فحرية الصحافة لا تعني حرية اختلاق الوقائع أو تحريف السياق، كما أن حماية الصحفيين لا تبرر الصمت عن تزوير المضمون والتلاعب بالرأي العام. وإذا كانت النقابة ترى أن استدعاء الأجهزة الأمنية سلوك مرفوض، فمن باب أولى أن تُدين بوضوح السلوك الإعلامي الذي فجّر الأزمة من الأساس.
إن خطورة هذا النهج تكمن في تكريس صورة مزدوجة المعايير:
معيار صارم ضد السلطة، ومعيار متساهل مع وسائل إعلام تمارس التضليل. وهو ما يُفقد النقابة دورها الأخلاقي ويقوّض ثقة المجتمع بها كجهة تمثل الضمير المهني للصحافة اليمنية.
المطلوب اليوم ليس اصطفافاً سياسياً ولا دفاعاً أعمى عن أي طرف، بل موقفاً متوازناً يقول بوضوح:
نعم، نرفض التهديد والضغط الأمني على الإعلام، لكننا في الوقت نفسه نرفض وبحزم تزييف الحقيقة وتشويه الوقائع.
فحين تُدان السلطة وحدها، ويُترك الإعلام المضلِّل بلا مساءلة أخلاقية، تصبح الحقيقة هي الضحية الأولى، ويخسر المجتمع حقه في إعلام مسؤول وشفاف.
إن النقابة، إن أرادت الحفاظ على مصداقيتها، مطالَبة بمراجعة خطابها، والعودة إلى دورها الطبيعي كحَكَم مهني لا كلاعب في ساحة الاستقطاب، لأن المعركة الحقيقية ليست بين قناة وسلطة، بل بين الحقيقة والتضليل.
















