في ليلة خميس يمنية.. "هكذا تكلم زرادشت"..!
الجمعه 05 ديسمبر 2025 - الساعة 12:58 صباحاً
سألني: لماذا يزعجك الحديث عن الوحدة؟ ورماني بهذه التهمة الجاهزة: أنت انفصالي أكثر من الانفصاليين.
أجبته: يا صديقي، هذا السؤال زايد به على مجتمع عاطفي، مجتمع تعود أن يخزن اليوم وهو يفكر بقات بكره، حتى تعلّم كيف يجهل قراءة ماضيه، ويعيش على القش، أما أنا فأدرك أن العواطف لا تصنع تاريخ ولا تطعم جائع، بقدر ما أعلم قوتها في تصنيع إرهابي أو انتحاري.. وهو ما تُجيدونه.
بهذا السؤال وأشباهه، حولتم الوحدة إلى مطب تاريخي وأوقفتم عنده الشمال ومعركة الشمال، حتى نسى الناس هناك أنهم ليسوا جمهوريين بعد... حتى يكونوا وحدوين.
سأجيبك: أنا مش منزعج، ومع هذا أتفهم أنه من الصعب على سلفي غير صالح أن يرى خلاف ما يعتقده، فهذه السلفية السياسية هي من أوجدت كل هذه الاعتقادات الجاهزة والمغلقة، لهذا لا أمانع من أن نتفق أولا على كوني منزعج، غير أن ما تراه انزعاجا، ليس نابعا من معرفتي بمزايداتكم، وقد حولتم بلاد كاملة إلى بازار سياسي مفتوح.
أنا مش منزعج، أنا فقط أحترم الوحدة أكثر منك، ولأنني احترمها فأنا أنتظر أن نصبح جمهورية أولا، أن نصبح مواطنين، أن يخرج أهلك وأهلي، بيتك وبيتي، من عباءة سيدي ومولاي.
لماذا تتحدثون عن الوحدة كمفردة جهادية، لا كفكرة، كدواسة لغم، لا كرافعة وطنية؟ ألا يستحق هذا أن يُثير ازعاج حتى الموتى؟ لا أريدك أن تفهم، لأنك مش مستعد للفهم، ولن تفعل ذلك أبدا دون أمر تنظيمي، غير أنني سأكمل هذه المحادثة، في منشور عام، علنى أجد هناك من هو مستعد للفهم.
يا أيها الناس...
قبل أن تسمعوا قولي هذا، دعونا نتخلى عن كوننا أبرياء حد السذاجة، وسذج جد الجريمة ...
لن أقول لكم فرطوا بوحدتكم، وقد فرطتم بجمهوريتكم من قبل، لكنني أقول، أن لكم إخوة في الجنوب، وهم كُثر، مشكلتهم ليست مع الوحدة، وإنما مع التوقيت...
يا أبرياء.. لا يجرمنكم شنآن قوم على احراق المسافات الضوئية والقفز فوق المراحل، فوق الوقائع والواقع، فوق المعايير الموضوعية لفكفكة عقدنا، فقط لأن تجارتهم بائرة عند الجمهورية ورائجة عند الوحدة.
تصالحوا مع واقعكم وثوروا عليه، تصالحوا مع فكرة أننا جميعا عالقين الآن عند العام الذي يسبق عام 1962 بعقد كامل!
انتفضوا على هذا التوقيت الغُباري، قبل أن تلقوا أنفسكم في العام 1990، وقد أحالوه في مهده إلى "هولوكوست آخر" رمدوا به كل معنى للوحدة ولم يبقوا لنا منها سوى قطعة قماش يلقونها على وجوهكم لترتدوا عميانا عن واقعكم.
صدقوني، إن لم نشد الرحال إلى استعادة الجمهورية، فنحن بحاجة لـ 29 عاما ضوئيا من النضال والبناء حتى نبلغ عتبة ذلك العام.
لنفق حول هذا، ولو سألوكم: ألا يُثير حميتكم الوطنية أن ينداس علم الوحدة في حضرموت... ؟
قولوا لهم: دعونا نوسع الكادر قليلا لنرى المشهد كاملا. ماذا عن أعلام لا تُحصى، استقامت في شوراع عدن، والجنوب عموماً؟ ماذا عن علم يرفرف فوق رؤوس بشر، ويغطي توابيت شهداء، ويزين صدور شباب..
اسألوهم، لماذا ترفرف تلك الأعلام هناك؟ وأنتم أعلم منهم بالإجابة، وتساءلوا، هل تستحق أن "تنداس" كرامة أصحابها لأجل وحدة قاتلوا هم من أجلها بصدق، بينما كانوا هم مشغولين بحساب الغنائم؟
لا تصدقوا من يقتلون القتيل، ثم يمشون في جنازته، ويشتمونه لأنه لم يحيّهم!
أعيدوا قراءة التاريخ، وهو ليس ببعيد، لتعرفوا أن أهلنا قي الجنوب هم من حملوا الوحدة مشروع وحلم، بينما حولها الحاكمين باسمنا اليوم، إلى ساطور تصفيات، قتل.. تهميش... سحقوا الحلم بالدبابة، وأمطروا الجغرافيا بالذباب، وجعلوا من الانفصال قضية مصيرية لدى من قاتلوا لوحدتنا.
إن هذا الواقع البائس هو صنيعتهم، واليوم ينظرون إليه باستعلاء، وهم على ثقة أنكم جاهزين لأن تكونوا وقودا جديدا لمعاركهم.
يا أصدقائي الطيبين
لا خيارات أمامكم، هذا هو الواقع، فإما أن تقعوا إماميين وتقاتلوا الجنوب باسم الوحدة، وهو ما يُراد لكم، أو أن تكونوا مع إخوتكم في الجنوب، جمهوريين للعظم، وتقاتلوا لتحرير جغرافيتكم وانتزاع جمهوريتكم.. وهو ما يفرضه أي منطق عاقل...
قبل أن تختاروا.. أخبروني، ما قيمة الجغرافيا المحكومة بالحوثي؟! ما قيمة وحدة الأرض لمن تنتهك أعراضهم؟ لن أسألكم عن قيمتكم أنتم هناك، لأنني أكتب الآن وفي داخلي يزاحمني رجاء، يتجه ناحية إخوتنا في الجنوب وهو ما سأكمل به زرادشتيتي هذه..
يا إخوتنا هناك.. إن من يهاجمونكم اليوم ويزايدون على الشمال باسم الوحدة، هم من تبنوا مظلومية الحوثي لسنوات حتى أوصلوه إلى عقر دارنا ودارهم وولّوا هاربين...
لهذا، وبقدر ثقتنا باختلافكم، نبرأ إليكم من إن يصيبنا المصير ذاته..
وقوموا إلى صلاتكم!














