الجنوب ورحلة الاعتراف الدولي… حين يرفع الانتقالي علم الدولة وتمسك السعودية ختم الدولة
الاثنين 08 ديسمبر 2025 - الساعة 11:44 مساءً
في اليمن، الطريق إلى الدولة لا يمر من بوابة معاشيق، بل من البوابة 15 في مطار نيويورك حيث يجلس مجلس الأمن. الانتقالي يحلم بـ"البيان رقم 1"، بينما السعودية تعمل على مسودة بيان رقم 2216 — نسخة معدّلة تشرح للعالم كيف يمكن أن يولد الجنوب دون أن يموت القانون الدولي.
والحوثي؟ الوحيد الذي اكتشف أن الصمت ليس ذهباً فقط، بل فرصة ذهبية.
أولاً: سياسة الملعب الكبير — من المسؤول؟
السعودية: المتولي الرسمي للملف
السعودية لا تدير اليمن كجار فقط، بل كمنظومة متكاملة:
قرار أممي (2216)
تحالف دولي
شبكة مصالح مع واشنطن ولندن
قيادة عسكرية للتحالف
اتفاقيات وتفاهمات خلف الكواليس
وبالتالي، لا يمكنها أن تقول للعالم:
"أطلقنا عاصفة الحزم لإعادة الوحدة… والآن ندعم الانفصال".
تخيل المشهد في قاعة مجلس الأمن!
المندوب السعودي سيحتاج خمس شاشات و50 سطر توضيح ليشرح أن الموضوع “انتقال منظم وليس تمزيق”.
السعودية ليست ضد الجنوب — لكنها ضد الخطأ في التوقيت.
في السياسة الدولية، الساعة أخطر من القرار نفسه.
ثانياً: الاقتصاد العالمي vs الحلم الداخلي
الانتقالي يملك أرضاً…
والسعودية تملك اعترافاً
كل دولة جديدة تحتاج:
فتح نظام سويفت
اعتراف بنكي عالمي
مكاتب دبلوماسية
عقود مع الشركات النفطية
حماية ممرات الملاحة
عضوية في المنظمات
هذا لا يحدث بـ“بيان عاجل” بل بـ“اتفاق طويل”.
الاقتصاد لا يعرف كلمة “إعلان”، يعرف كلمة “اتفاقية”.
الميناء بدون تأمين دولي = مستودع.
العملة بدون البنك الدولي = ورق جميل.
النفط بدون شركات = حفرة مكلفة.
وهنا يأتي دور السعودية التي تستطيع أن تقول للعالم:
“هذا ليس تمرداً… هذا انتقال مُدار دولياً”.
ثالثاً: التحليل العسكري — أين القوة؟
الانتقالي يملك الجندي… والسعودية تملك وقف إطلاق النار في اليمن، القاعدة العسكرية هي: الذي يملك الهواء أقوى من الذي يملك الأرض.
عندما تُصدر الرياض بياناً بالتنسيق مع واشنطن ولندن:“وقف فوري لإطلاق النار”،
يتحوّل أي تحرك على الأرض إلى “خرق أممي”.
وهنا، القوة لا تُقاس بالسلاح فقط، بل بمن يستطيع:
تغيير خطوط الجبهات بالهاتف
إيقاف معركة ببيان
تمويل 10 آلاف جندي بتوقيع واحد ..
في 2022، دُمرت ألوية كاملة في شبوة…
وفي 2023، انتهت الحرب في الرياض على الطاولة.
هذه هي الواقعية القاسية.
رابعاً: الدبلوماسية السعودية — عقل طويل النفس ..
السعودية اليوم تمارس ما يسمى في العلاقات الدولية:
Strategic Patience – الصبر الاستراتيجي.
هي تعرف أن: سقوط صنعاء لم يسقط وحدة اليمن دولياً.
إعلان عدن لن يسقطها أيضاً.
السعودية تريد:
1. عملية انتقال تدريجي.
2. إشراك أمريكا وبريطانيا.
3. ضمان أن إيران لا تستخدم الانفصال ضدها.
4. صياغة جديدة لـ“اليمنين” دون ضجيج إعلامي.
وهي تخشى فقط أمر واحد:
خطأ يُقدم الحوثي بطلاً للوحدة.
خامساً: لماذا يصمت الحوثي؟
الانتقالي يسأل: لماذا الحوثي ساكت؟
الجواب: لأنه ينتظر الشرفة المناسبة.
أكبر انقلاب في الرواية الدبلوماسية الممكنة:
الحوثي الذي أسقط الدولة يظهر فجأة في الأمم المتحدة قائلاً: “نحن المدافعون عن وحدة اليمن ضد السعودية”.
وستأتي قنوات إيران تقول :
التحالف العربي يمزق اليمن.
هل تتخيل حجم الهدية لإيران؟
عمل 10 سنوات يتحقق في 10 دقائق.
لهذا، السعودية تقول: “اهدؤوا الآن… أنتم على وشك الفوز، لا تحولوه إلى هزيمة”.
سادساً: موقف الولايات المتحدة —
اليمن ملف أمن قومي ..
واشنطن ترى اليمن عبر ثلاث عدسات:
1. الأمن البحري والتحكم في الملاحة الدولية(باب المندب قناة السويس خليج عدن)..
2. الأمن الطاقي (مصادر الطاقة العالمية والبدائل)..
3. التنافس مع الصين وروسيا وإيران
بالنسبة لواشنطن، جنوب مستقل ليس مشكلة…
المشكلة هي لحظة الإعلان:
إذا جاء بدون ترتيبات:
يمنح إيران هدية
يخلق فوضى بحرية
يضعف السعودية
يزيد نشاط الإرهاب
لهذا، واشنطن تريد: دولة جنوبية مسالمة – تعلن من نيويورك لا من المعلا.
هي ليست رومانسية، واشنطن براغماتية جداً: المصالح أولاً، ثم الأعلام لاحقاً.
سابعاً: بريطانيا —
الذاكرة التاريخية الطويلة ..
لندن تعرف الجنوب أكثر من أي عاصمة على الأرض.. قرأت ملف عدن قبل أن يولد نصف السياسيين اليوم.
تفهم طبيعة: المجتمع-القبائل-الميناء-
باب المندب -المخزون الجغرافي -
النفط والغاز ..
بريطانيا تدعم أي حل:
يحمي الملاحة
يحمي مصالحها مع السعودية
يمنع الفوضى
لا يعطي إيران نصراً مجانياً
ولذلك، هي تُهمس للجميع: “افعلوا ما تريدون… ولكن بهدوء، ووفق القانون الدولي”.
هي لن تدعم انفصال بلا مظلة أممية…
لكنها قد تكون أول من يفتح سفارتها في عدن إذا تم بطريقة صحيحة.
ثامناً: الإمارات الشريك الذي يفهم الجنوب :
الإمارات هي الدولة الوحيدة في التحالف التي:
بنت قوات جنوبية
استثمرت في عدن
دعمت الموانئ
فهمت عقلية الجنوب
بنت علاقة مع القبائل
درّبت آلاف المقاتلين
الإماراتياً، جنوب مستقر =
ميناء ناجح
اقتصاد واعد
بوابة بحرية
أمن بحري مشترك
تجارة تربط آسيا بأوروبا
لكن الإمارات أيضاً لديها تحالف استراتيجي مع السعودية. لا يمكنها القفز فوقه، لأنها تعرف أن أي إعلان بلا السعودية = إعلان بلا غطاء.
الإمارات قد تكون العجلة المحركة لكنها ليست القيادة السياسية للسيارة.
الخاتمة النارية :
كيف ينتصر الجنوب؟
الانتصار ليس في:علم فوق قصر معاشيق.
بل في: توقيع في نيويورك ..
ليس في: مهرجان خطابي.
بل في: بيان دولي
ليس في: مدرعة جديدة.
بل في: اعتراف جديد.
الجنوب اليوم يملك أكبر فرصة تاريخية منذ 1994، لكنه أمام فخ واحد قاتل:
أن يتحول من “مشروع دولة” إلى “حركة متمردة”.
لا تسمحوا للحوثي أن يلبس ثوب “المدافع عن الوحدة”.. ولا تسمحوا لإيران أن تحول نضال الجنوب إلى مادة دعائية.
دعوا السعودية تكمل اللعبة الدولية بذكاء… وستحصلون على الدولة بالتصفيق لا بالرصاص.
الدولة لا تأتي بالصوت العالي…
بل تأتي بصوت الدبلوماسي الخافت وهو يهمس في قاعة مجلس الأمن:
“نقترح تعديل الوضع في اليمن احتراماً لتطلعات الشعب الجنوبي”.
هذا هو النصر الحقيقي:
أن تصبح دولة لا حدث صاخب.













