سالمين.. ونوبل للسلام
الجمعه 12 ديسمبر 2025 - الساعة 06:18 مساءً
في تاريخ الشرق الأوسط، حيث تتزاحم الصراعات وتغيب أحياناً نماذج الحكم العادل، يبرز اسم الشهيد سالم ربيع علي (سالمين)، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كأحد القادة الذين حاولوا في ظروف سياسية معقدة أن يقدموا نموذجاً مختلفاً في القيادة والتنمية والعدالة الاجتماعية. ورغم أنّ اسمه لا يحضر دائماً في النقاشات المحلية والدولية، ورغم أنه من أكثر رؤساء الشرق الأوسط الذين لم تُمنح تجربتهم قراءة موضوعية منصفة حول السلام والإنصاف الاجتماعي والبناء، إلا أنّ تجربة حكمه القصيرة كانت مليئة بالإشارات التي تدفع البعض اليوم للقول إنه لو وُضع على لجنة جائزة نوبل للسلام لاستحقها دون منافس.
عدالة اجتماعية نادرة في المنطقة
أحد أبرز ما ميّز تجربة سالم ربيع علي هو السعي للمساواة بين طبقات المجتمع، في زمنٍ كان فيه الانقسام الاجتماعي حاداً بين طبقات نافذة وأخرى مهمشة. جاء مشروعه ليضع الأساس لعدالة اقتصادية واجتماعية حقيقية.
فقد شهد الجنوب في تلك المرحلة:
• فتح أبواب التعليم العام أمام أبناء الفقراء دون تمييز.
• تأميمات هدفت، وفق قراءة ذلك الزمن، إلى إعادة توزيع الثروة وتقليص سلطة الطبقات الإقطاعية.
• سياسات إسكان وخدمات مكنت شرائح كانت في قاع المجتمع من العيش بكرامة.
ورغم الجدل الواسع حول تلك السياسات اليوم، إلا أن أثرها الاجتماعي كان واضحاً؛ وللمرة الأولى شعر كثير من الناس بأنّ الدولة تقف إلى جانبهم، وأن قيمة الإنسان لا تُقاس بثروته بل بإنسانيته.
ورث سالمين دولة حديثة الولادة بموارد محدودة، لكنه ترك خلفه مصانع ومشاريع تنموية تشهد على رؤية اقتصادية مبكرة تسعى لبناء قاعدة إنتاجية في بيئة فقيرة ومحاصرة سياسياً. ومن بين تلك المشاريع:
• تطوير منشآت صناعية صغيرة ومتوسطة.
• تعزيز قطاعي الزراعة والصيد البحري.
• توسيع البنية التحتية الخدمية بما فيها الطرق والمدارس والمراكز الصحية.
هذه المشاريع لم تكن ضخمة بمعايير اليوم، لكنها كانت حجر الأساس لبناء دولة مستقلة اقتصادياً، ومتماسكة أمام النفوذ والأنانية الإنسانية.
لم يكن سالم ربيع علي قائداً سياسياً فحسب، بل إن شهادات كثيرة تؤكد أنه كان قريباً من الناس، يعيش ببساطة ملفتة، ويعامل المواطنين بروح من التواضع والإنصات. هذا النمط من القيادة لم يكن مألوفاً في محيطٍ سياسي عربي اعتاد على فوارق واسعة بين الحاكم والمحكوم، وبينما كانت المنطقة تُدار غالباً بأنظمة تعتمد القوة والهيبة الصارمة، كان سالمين يقدم نموذجاً آخر؛ قائدٌ لا يخشى أن يكون قريباً من عامة الناس.
إنّ تجربة سالم ربيع علي تحتوي في مضمونها على كل عناصر البناء والمساواة والعدالة. فسلامٌ لسالمين، وسلامٌ للأرض التي أنتجت أمثاله.
تجربة سالم ربيع علي ليست مجرد فصلٍ سياسي في تاريخ الجنوب، بل هي شهادة على إمكانية ظهور قادة يحملون فكراً إنسانياً في مناطق مزقتها السياسات التقليدية والانقسامات. وحين يستحضر الناس سيرته اليوم، فإنهم لا يستحضرون فقط ماضياً، بل حنيناً لنموذج قيادي كان يمكن أن يغيّر الكثير لو امتد به العمر.
وسلامٌ للأرض والبيئة التي تستطيع –رغم الألم– أن تُنجب رجالاً من طين العدالة والإنسانية.















