دعوه للنصر..
الاحد 21 ديسمبر 2025 - الساعة 08:27 مساءً
تتحمل محافظات الحديدة وتعز وإب والبيضاء ومأرب على امتداد التاريخ السياسي الحديث لليمن العبء الأكبر من كلفة الأزمات المتراكمة والقرارات المرتجلة والمخاضات السياسية العنيفة وتعقيدات الصراع بمختلف مراحله وتحولاته ولا يعود هذا العبء الاستثنائي إلى الصدفة أو إلى ضعف بنيوي بقدر ما يرتبط بعاملين حاسمين الموقع الجغرافي الوسيط وطبيعة التركيبة السكانية..
وضعت القدر هذه المحافظات في قلب تقاطع المصالح الوطنية والإقليمية وفي مساحة تماس مباشر بين مشاريع النفوذ المتنافسة ما جعلها ساحة مفتوحة لتزاحم الولاءات وضغوط العصبيات المذهبية والمناطقية القادمة من الشمال والجنوب معا فهي ليست جزءًا من المركز التقليدي للقوة في الشمال ولا تنتمي إلى السردية السياسية الصلبة للجنوب أمر جعل موقعها السياسي ملتبسا ومكلفا في آن واحد..
من منظور بعض قوى الشمال تصنّف هذه المحافظات باعتبارها الجنوب المختلف أو الكتلة السكانية غير المضمونة الولاء بينما ينظر إليها قطاع من الخطاب الجنوبي بوصفها الشمال المرفوض أو الامتداد الديمغرافي الذي لا ينسجم مع مشروعهم أو هويتهم الصلبة وبين هذين التصورين المتناقضين يجد أبناء هذه المحافظات أنفسهم خارج معادلة الانتماءات الحادة التي تضمن الحماية السياسية وتُوفر مظلة النفوذ وتطيل أعمار الفاسدين قبل الأكفاء منهم ..
ورغم أن هذه المحافظات تمثل الكتلة البشرية الأكبر في اليمن وتشكل العمود الفقري للاقتصاد والخدمة العامة والتعليم والوظيفة المدنية فإنها بقيت الأقل تاثير في مراكز القرار والأكثر تعرضا للتهميش والتنميط والتنمر السياسي والاجتماعي والاقتصادي ويعود ذلك في جوهره إلى غياب التكتل العصبي الحاد الذي تتغذى عليه أنماط السلطة التقليدية في البلد..
يتميّز أبناء هذه المناطق بولاء عام لفكرة الدولة والقانون وبنزعة مدنية رافضة للعصبية والعنصرية بكافة أشكالها وهذه السمة التي يفترض أن تكون مصدر قوة استراتيجية في أي دولة حديثة تحولت في السياق اليمني المختل إلى نقطة ضعف سياسية فالدولة الغائبة لا تحمي أنصارها والسلطة القائمة تكافئ من يمتلك أدوات الضغط لا من يلتزم بالقانون..
وهكذا وجد أبناء هذه المحافظات أنفسهم يتحملون أعباء القهر والتشريد والحروب والانهيار الاقتصادي دون امتلاك أدوات الحماية أو الردع التي تمتلكها الكيانات الأكثر تماسكًا عصبيًا..
وأمام هذا الواقع يبرز سؤال جوهري ظل مطروحا منذ سنوات..
إلى متى ستظل هذه المحافظات وأبناؤها يدفعون ثمن موقعهم ودورهم الوطني..
وإلى أي مدى يمكن لصبرهم وهو صبر القادر لا صبر العاجز أن يستمر في مواجهة خطاب الوصاية والتعالي والمنّ السياسي القادم من الشمال والجنوب معًا..
إن الدعوة إلى توحّد هذه المحافظات ضمن إطار وطني جامع سياسيا ومصلحيا لا ينبغي فهمها بوصفها عصبية مضادة أو مشروعا انقساميا جديدا بل باعتبارها تكتلا مدنيا عقلانيا يهدف إلى إعادة التوازن في المعادلة الوطنية واستعادة الوزن السياسي المتناسب مع الثقل الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمثله هذه المناطق
فالجغرافيا تفرض المصالح والسياسة هي الأداة الوحيدة لإدارتها ومن دون إدراك واع لهذه الحقيقة ستظل هذه المحافظات تدفع ثمن موقعها المركزي لا لذنب ارتكبته بل لأنها تمثل قلب اليمن الإنساني والديمغرافي والجسر الذي حاول الجميع العبو فوقه دون الاعتراف بحقه في الشراكة والعدالة والتمثيل.
















