تواطؤ الرئاسة: كيف حوّل رشاد العليمي الدولة إلى ساحة نفوذ للإصلاح؟

السبت 27 ديسمبر 2025 - الساعة 12:16 صباحاً

 

من الواضح أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، يتعامل مع تغلغل حزب الإصلاح في مؤسسات الدولة الحساسة بصمتٍ يقترب من التواطؤ أكثر مما يقترب من الحياد. فبدلًا من اتخاذ موقف واضح تجاه هذا النفوذ الذي يُضعف ما تبقى من هيبة الأجهزة الأمنية والعسكرية، يفضّل العليمي الوقوف في موقع المتفرج، في لحظة تتطلب قيادة حقيقية ورؤية وطنية لا تخضع لحسابات سياسية ضيقة.

 

يحيى كزمان: نموذج فاضح للتساهل الرئاسي..

 

تظهر حالة يحيى كزمان كواحدة من أبرز الأمثلة على هذا التواطؤ الصامت. فالرجل، الذي لا يمتلك أي مؤهل علمي أو أمني معلوم، ينتمي إلى تيار إصلاحي متداخل مع السلاليين، ويتنقل بين الولاءات كمن يعيد تشكيل خريطة النفوذ الأمني بإرادته.

 

كزمان، الذي شغل سابقًا منصب مدير مديرية العدين، كان من أبرز داعمي تنظيم القاعدة حتى عام 2016م. وحين اعتقله الحوثيون ثم أفرجوا عنه، انخرط معهم في مهام ميدانية غامضة. لاحقًا أسنده علي محسن الأحمر لإدارة جهاز الأمن السياسي في إب، حيث بنى شبكة علاقات مثيرة للريبة، من بينها ارتباطه بمحمد سالم بن عبود المحسوب على التيار الإصلاحي المتطرف.

 

ورغم خطورة هذا السجل، لم يتخذ رشاد العليمي أي خطوة لوقف نفوذ كزمان، مما يطرح سؤالًا واضحًا: هل هو إهمال أم تواطؤ سياسي محسوب؟.

 

تحذيرات أمريكية… ورئيس غائب

 

مصادر مطّلعة تؤكد أن الولايات المتحدة تمتلك معلومات كافية عن ارتباط كزمان بعناصر القاعدة في مأرب والجوف. وتعيين شخصية كهذه في جهاز حساس يمثل تهديدًا مباشرًا للمصالح الدولية وصورة الحكومة الشرعية. ومع ذلك، يواصل العليمي تجاهله، وكأن الأمر لا يعنيه، أو كأن الثمن السياسي لقطع نفوذ الإصلاح أعلى من الثمن الوطني لاستمرار مخاطر كهذه.

 

تعز: جيش تحت عباءة الإصلاح..

 

الوضع العسكري في تعز يمثل مثالًا آخر على فشل القيادة الرئاسية في ضبط النفوذ الحزبي. تحوّل ما يسمى بالجيش الوطني إلى واجهة شكلية لمجاميع حزبية تديرها شخصيات محسوبة على الإصلاح. أبرز هذه التشكيلات "لواء النصر" المنبثق عن معسكر الحشد الشعبي الإخواني في يفرس، والذي تمت إعادة تدويره تحت أسماء مختلفة لإخفاء النفوذ الحقيقي للجماعة.

 

أما اتفاق الأحزاب في تعز حول تغيير القيادات العسكرية، فقد تم تجاهله بالكامل من العليمي، في موقف لا يمكن تفسيره إلا باللامبالاة… أو بالتواطؤ.

 

هيجة العبد: التضليل كأداة سياسية..

 

في هذا السياق، جاءت محاولة الإصلاح استثمار أحداث هيجة العبد لتضليل الرأي العام.. فقد كشف مستشار محافظ تعز أن ما حدث في هيجة العبد لم يكن محاولة اغتيال للمحافظ نبيل شمسان كما روّجت الوسائل المحسوبة على الإصلاح، بل اشتباكاً نشب بين أطقم اللواء الرابع مشاة جبلي وأهالي المقاطرة الغاضبين بعد مقتل أحد أبنائهم على يد شقيق قائد اللواء الرابع.

 

بدلًا من مواجهة الحقيقة، حاول حزب الإصلاح صناعة رواية “استهداف المحافظ” لتغطية الانتهاكات المتصاعدة في المقاطرة. الممارسات التي ينتهجها اللواء الرابع أصبحت تأخذ طابعًا مليشياويًا واضحًا: ترهيب المدنيين، اقتحام المناطق، وإقحام الأهالي في صراعات مفتعلة. هذه الأفعال تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بينما يواصل الإصلاح حماية المتورطين بدلًا من إخضاعهم للمحاسبة.

 

هكذا يصبح التضليل الإعلامي جزءًا من استراتيجية سياسية تهدف إلى إخفاء الفوضى والانتهاكات، في ظل صمت رئاسي يثير أكثر من علامة استفهام. 

 

إصرار حزب الإصلاح على الدفع بشخصيات مثيرة للجدل نحو مواقع حساسة يكشف عن مشروع واضح لإعادة إنتاج منظومة النفوذ التي دمّرت الدولة سابقًا. ومع صمت العليمي على هذا التمدد، تصبح الشرعية نفسها جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحل.

 

لقد أثبتت تجربة العقدين الماضيين أن التحالف بين النفوذ الديني والسياسي كان من أهم أسباب انهيار الدولة اليمنية. وعودة هذه القوى اليوم تحت مظلة الشرعية تعني استمرار الحلقة نفسها: فساد، ولاءات حزبية، وتهميش للكفاءات.

 

بصفته رئيس مجلس القيادة الرئاسي، يتحمل رشاد العليمي مسؤولية مباشرة في حماية مؤسسات الدولة من الاختراق الحزبي. تجاهله لخطورة تغلغل الإصلاح لن يُفهم إلا باعتباره تواطؤًا بالصمت أو محاولة لتثبيت تحالفات تمنحه البقاء في السلطة على حساب الأمن الوطني.

 

إن هيبة المؤسسات الأمنية ليست ملفًا يمكن المساومة عليه. ما لم يتم وضع حدّ واضح لنفوذ القوى الحزبية داخل مؤسسات الدولة، ستظل اليمن أسيرة لدوامة الفساد والانقسام.

 

ويبقى العليمي أمام امتحان وطني حاسم للمرة الأخيرة .. ما أن ينحاز للدولة… أو يواصل التواطؤ الذي يدفع البلاد نحو الهاوية .

 

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس