المال السائب يدعو إلى السرقة… والدولة الغائبة تدعو إلى الانقلاب
الاحد 28 ديسمبر 2025 - الساعة 07:16 مساءً
كما أن المال السائب يغري بالسرقة، فإن الدولة الغائبة، الرخوة، والمهاجرة تفتح الباب واسعًا أمام الانقلاب. فالدولة لا تُقاس بالشعارات ولا بالبيانات ولا بالمكاتب البعيدة التي تُدار عبر الإنترنت ومنصّات الاتصال، بل تُقاس بحضورها الفعلي في حياة الناس، وبقدرتها الواقعية على فرض القانون وحماية الشرعية وصون النظام العام.
حين تغادر السلطة أرضها، لا تغادر وحدها؛ يرحل معها النظام، ويتآكل الإحساس بالمسؤولية، ويُترك الفراغ ليملأه الأقوى لا الأحق. وفي مثل هذه البيئات، لا يعود الانقلاب فعلًا استثنائيًا أو صدمة طارئة، بل يصبح نتيجة طبيعية لغياب الدولة، حيث يتجرأ كل من يملك نفوذًا أو سلاحًا على فرض أمرٍ واقع، تحت عناوين القوة أو “الضرورة” أو حتى “الإنقاذ”.
التاريخ السياسي يقول بوضوح: أخطر ما يهدد الأوطان ليس الخلاف ولا التعدد ولا المعارضة، بل الفراغ. فالفراغ السياسي لا يبقى فارغًا طويلًا؛ إما أن تملأه دولة حاضرة بقانونها ومؤسساتها، أو تملأه الفوضى بقواعدها الخاصة. وعندما تتراجع الدولة إلى حدود الخطاب، وتتقلص سلطتها إلى بيانات، يصبح المجتمع مكشوفًا أمام مراكز قوى تتنازع الشرعية بالقوة.
ما يشهده اليمن اليوم، في نهاية عام 2025، ليس حدثًا معزولًا عن سياقه، بل تكرارٌ لدرسٍ قاسٍ عاشه اليمنيون من قبل. هو ذات المشهد الذي بدأ في 2015 مع اختلاف الزمان والمكان، لكن بثابتٍ واحد: غياب الدولة يفتح الطريق للانقلاب، وتآكل الشرعية يمهّد للفوضى. ولله في خلقه شؤون؛ فمن استُنصر بالأمس، يُستصرخ اليوم.
الخلاصة ليست دعوة إلى إقصاء أو صراع، بل تذكير بحقيقة سياسية لا تحتمل التأجيل: لا شرعية بلا حضور، ولا نظام بلا دولة، ولا استقرار بلا سلطة قادرة على أن تكون بين الناس، لا فوقهم ولا بعيدًا عنهم. فالدولة، إن لم تكن حاضرة على الأرض، ستُستبدل حتمًا ببدائل لا تعترف إلا بمنطق القوة.















