أين التسامح والصبر في أمة التسامح والصبر؟
الخميس 03 مارس 2016 - الساعة 08:18 صباحاً
دكتور/ عبدالعزيز المقالح
مقالات للكاتب
لأهمية الحكاية التي قرأتها منذ أيام لكاتب لبناني معروف أستسمح القارئ بأن تكون مدخلاً لهذا الحديث لما تحمله، على قصرها، من أمثولة نحن بحاجة إليها في هذا الوقت حيث تتساقط جثث المئات والآلاف من أهلنا وإخواننا في حروب يتحيّر العقل والضمير في فهم معناها ومغزاها. تقول الحكاية: "إن الكاتب طلب ذات مرة من شغالة بوذية تعمل في منزله لمساعدة عائلته أن تقوم برش مبيد للحشرات في وكر للنمل على درج البيت فرفضت: قائلة: حرام مستر" إلى هنا تنتهي الحكاية، امرأة بوذية عاملة في منزل لبناني ترفض أن تبيد مجموعة صغيرة من النمل الموصوفة بالحشرات، وبالقرب منها وعلى مرأى ومسمع تقوم حرب هي الأبشع في تاريخ الإنسانية وتاريخ الإسلام خاصة، لإبادة الآلاف من البشر بمن فيهم نساء وأطفال وشباب في عمر الزهور لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية لا علاقة لها بالمبادئ ولا بالأخلاق ولا بقيم الأرض والسماء.
لقد أثار موقف العاملة البوذية دهشة الكاتب اللبناني ولا بد بالمقابل أن يثير دهشتنا نحن وأن نبدأ في التساؤل، كيف غاب التسامح ومحبّة الناس وهما عنوان الإسلام الذي أوجده خالق الناس أجمعين لتتعايش في ظله كل المذاهب والطوائف والأديان في أمن وسلام، وقد تحقق ذلك بفضله وعلى أيدي العقلاء والعلماء والمخلصين من أتباعه الذين عرفوا أنه دين عظيم يهدي للرشد وإلى إصلاح الكون ومعماره ولم يأتِ لنشر الخلافات وإثارة المنازعات بين أبنائه تحت لافتات مستحدثة تقودها الأنانية وتلقي تشجيعًا مباشرًا أو غير مباشر من القوى المعادية للدين الإسلامي تلك التي تسعى منذ قرون إلى تقديمه لأتباعها وللعالم، بأنه دين عدواني إرهابي يدعو إلى القتل والفتك بالأهل والخصوم على السواء، وهو تصوّر مغلوط للإسلام ولمبادئه التي تقوم على المحبة والعدل والأخوّة والحرية وإصلاح ذات البين والاعتراف بالاختلاف والتنوع الذي من شأنه أن يحفظ التوازن ولا يطيح بالتعايش.
لقد اتسعت دائرة المجازر في الآونة الأخيرة على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي وباتت لا تحصى ولم نسمع سوى أصوات قليلة تكسر طوق الصمت المضروب حول ما يجري، وكأنه أمر طبيعي لا يستحق التنديد والإنكار، وفضح المشروع الصهيو - أمريكي الهادف إلى تمزيق كل أواصر العروبة والإسلام التي تربط أبناء هذه المنطقة بعضهم ببعض وصولاً إلى تسيّد الكيان الصهيوني الذي ازدادت شراسته في السنوات الأخيرة ووصلت ذروتها في هذه الأيام من خلال ذبح العشرات من الفلسطينيين في غزة والضفة. وما كان الجلاَّد نتنياهو ليبدي أنيابه ومخالبه على هذا النحو ويعلن تحديه الصارخ لكل المناشدات والقرارات الدولية لو لم يكن العرب قد منحوه بضعفهم وتمزقهم فرصة العبور إلى أحلامه واستكمال مشروع الاستيطان وتفريغ الضفة بعد السيطرة التامة على القدس ومحاولة تقسيم المسجد الأقصى!!
إن بعضًا من هذه الدماء التي تسيل عبثًا في بلاد العروبة والإسلام كانت كافية لتحرير فلسطين وإعادتها إلى أهلها، كما كانت قادرة على أن تعيد للأمة الممزقة وحدتها وهيبتها واحترامها، ولكن، وآه من لكن: هل ما يزال هناك فسحة من الوقت لدى الإخوة الأعداء للتفكير والتراجع وإظهار الندم على ما يرتكبونه من أخطاء أو بالأصح خطايا؟ إن كل إنسان شريف على وجه الأرض، ولا أقول كل إنسان عربي أو مسلم فقط ما يزال ينتظر هذه اللحظة، وحبذا لو تكون البداية من هنا، من اليمن السعيد، يمن الإيمان والحكمة، يمن التسامح والصبر الجميل.