علمانيون وقرآنيون ونصوصيون
السبت 01 ديسمبر 2018 - الساعة 06:38 صباحاً
حسين الوادعي
مقالات للكاتب
يدور الجدل الحالي حول "السنة والأحاديث" بين ثلاث تيارات أو فرق.
الفريق الأول هو القرآنيون وهم تيار اسلامي يرون أن القرآن مصدر فهمنا للاسلام سواء تعلق ذلك بالعقيدة أو بالتشريعات. ولا يعترفون بالنسخ في القران ولا بعصمة النبي خارج إطار الوحي، كما لا يعترف اغلبهم بعصمة الصحابة.
الفريق الثاني هم العلمانيون الذين يؤمنون بفصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن الدولة وبان التدين أمر شخصي يجب ان يترك للاشخاص وان لا يكون للدولة سلطان على الإيمان.
الفريق الثالث هم النصوصيون وهم الطيف الواسع من الإسلاميين الذين يرون ان النصوص قد احتوت كل شيء، وان دور العقل محدود جدا ما دامت النصوص موجودة وشاملة. النصوص عند هذا الفريق تتعدى القران الكريم والاحاديث لتضم اجتهادات الفقهاء وائمة المذاهب وفتاواهم قديما وحديثا مع الاختلاف في درجة التقديس من نص الى آخر.
الجدل يدور إذا بين فريقين اسلاميين وفريق علماني، إلا إن القرآنيين والعلمانيين يقفون صفا واحدا ضد النصوصيين ويتفقون في أغلب النقاط المتعلقة برفض حجية الأحاديث ومصداقيتها.
من متابعتي للجدل الدائر في السنوات الاخيرة وجدت ان النصوصيين قد تراجعوا خطوتين الى الوراء، في مقابل تقدم القرآنيين والعلمانيين خطوة الى الامام.
فنتيجة للنقد الشامل والمنظم والمستمر لعملية جمع الاحاديث ومصداقية الرواة ونقد مضمون الاحاديث بما احتوته من مضامين غريبة وشاذة وخرافية وجد النصوصيون أنفسهم مضطرين إلى الانتقال من خانة الهجوم الى خانة الدفاع، والتراجع قليلا عن بعض المسلمات التي كانوا يدافعون عنها.
عل سبيل المثال، تراجع بعض النصوصيين عن إدعاء ان البخاري ومسلم اصح كتابين بعد كتاب الله وبدؤوا يعترفون بوجود احاديث موضوعة ومرفوعة وضعيفة داخلهما. كما اعترف البعض بالثغرات في علم الحديث وبضرورة عرض الأحاديث على القران ورفض اي حديث يتعارض معه. كما تراجع البعض عن حجية الاحاديث وصلاحيتها لكل زمان ومكان وان بعضها كان مرتبطا بزمن معين ولم يعد يصلح لزماننا.
لا شك ان قسما كبيرا من النصوصيين لا يزال على رأيه السابق لكنهم يقفون عاجزين عن تقديم تبريرات علمية لكل التناقضات العلمية والتاريخية والدينية في كتب الاحاديث، وتبقى وسيلة الدفاع الاخيرة لدي بعضهم هي اللجوء الى التكفير والاتهام بمعاداة الاسلام وهي وسيلة لم تعد مجدية بعد ان وصل النقاش حول السنة والاحاديث الى مستويات عالية من الحرية والشجاعة.
واذا استمر النقد العلمي المنهجي للاحاديث على هذه الوتيرة لا استبعد ان يراجع أغلب النصوصيين افكارهم الرئيسية عن حجية الحديث ومصداقيته ورواته، لكن هذا يعتمد على عوامل اخرى من ضمنها موقف المؤسسات الدينية الرسمية ونجاح القرآنيين والعلمانيين في نشر الوعي الجديد.
اما التحالف القرآني العلماني فهو تحالف مؤقت رغم اهميته، فرضه الاتفاق على الخصم رغم اختلاف المنطلقات.
والحقيقة ان القرآنيين والنصوصيين ينطلقون من نفس المنطلق وهو "سلطة النص" حتى ولو كانوا يقفون في جبهات مختلفة في المعركة الحالية. فالنصوصيون ينطلقون من سلطة النص الحديثي الي يجب ان نُخضع كل جوانب الحياة لتعليماته من دخول الحمام حتى الاقتصاد والسياسة. والقرآنيون ينطلقون من سلطة النص القرآني الذي يجب ان يحكم منطلقاتنا التشريعية والعقيدية والحياتية.
من هذه الزاوية فالقرآنيون نصوصيون ايضا لكن ضمن حرية اكبر للعقل والتفكير.
والحقيقة ان الجانب المهم الذي يعطيه القرآنيون للعقل ينطلق من طبيعة النص الذي يستندون اليه. فالخطاب القرآنى خطاب عام ومتشابه، عكس الخطاب الحديثي المباشر والمحدد، مما يعطي القرآنيين فرصة واسعة لاعادة تفسيرالآيات بما يتناسب مع افكارهم الخاصة، بينما يعجز النصوصيون عن تأويل الاحاديث لان خطابها المباشر الصريح غير قابل للتأويل.
على العكس من ذلك ينطلق العلمانيون من اهمية التحرر من سلطة كل النصوص وتأسيس سلطة العقل الانساني والعلم كمرجعية للنقاش والاختلاف.
ويرون ان التخلص من سلطة الاحاديث من اجل تكريس سلطة القرآن (في امور الحياة الدنيا) لن يغير من جوهر المعضلة ما دامت النصوص ستخضع للتأويل وسيدعى المؤولون ان تفسيرهم للقرآن هو القرآن ذاته، وان فهمهم للاسلام هو الاسلام ذاته، وهي نفس المعضلة التي يقع فيها النصوصيون الحديثيون.
لهذا يسيطر على القرآنيين "التفسير النفعي" للقرآن حسب تعبير الدكتور نصر ابو زيد، بمعنى تفسير الآيات لتخدم الفكرة الموجودة مسبقا في عقولهم حتى ولو تعارض ذلك مع قواعد اللغة (تاويل آيات قطع اليد على سبيل المثال).
أما العلمانيون فأمامهم طريق طويل لتطوير خطاب شعبي مبسط يستطيع الوصول الى اكبر فئة ممكنة دون الاصطدام المحتوم بالمشاعر الدينية، مع ضرورة وجود تحدٍ مستمر للافكار الدينية الشائعة، لأنه بغير استفزاز وتثوير العقول لا يمكن ان يكون هناك تنوير ولا إصلاح.
متفائل جدا بهذا النقاش الصحي بين الفرق الثلاثة، ومنبع تفاؤلي انه سيكون مقدمة لإنجاز الفريضة الغائبة عند المسلمين، فريضة الإصلاح الديني واعادة تأصيل الأصول، هذه الفريضه التي نجح فيها إخواننا التوحيدون (المسيحيون واليهود) قبل 5 قرون بينما تراجعنا نحن الى التعصب والعنف والارهاب.