اليمن وخيارات النكد التاريخي ...!
الاحد 02 ديسمبر 2018 - الساعة 02:22 صباحاً
منصور السروري
مقالات للكاتب
كلما أراد اليمنيون خاصة في تعز التغيير من واقع الحال التعيس الذي يعيشونه يجدوا أنفسهم أمام واحد من ثلاثة خيارات مدمرة تتبادل فيما بينها الحكم والسيادة على البلاد والعباد.
أعجبني أحد اﻷصدقاء حين حددها بثلاث خيارات مطلقا عليها خيارات النكد التاريخي وهي:
- خيار العسكرة: وهي أن نكون عساكرا عند الفندم.
- خيار القبيلة بتسكين الباء "على وزن الفعللة" : وهي أن نكون قبائلا ورعية عند الشيخ.
- خيار الزنبلة: وهي أن نكون زنابيلا عند السيد أو آل البيت.
وطبعا ظهرت خيارات أخرى غيرها بعضها حديثة كخيار اﻷشركة، وبعضها جديدة قديمة كخيار اﻷسلمة السياسية العسقبائلية الفاشستية والفارق بينها والخيارات الثلاثة أعلاه أن تلك الثلاث تكاد تكون خيارات النكد التاريخي التي تطارد اليمنيين، والعلاقة المشتركة بين جميع تلك الخيارات أنها دائما تفشل فشلا ذريعا.
***
الأسئلة التي تطرح نفسها هنا:
- لماذا كلما ثرنا على واحدة من تلك الخيارات النكدية أو عليها جميعا لنغير من واقع الحال التعيس نجد أنفسنا أمامها من جديد..؟.
- طالما وقد جربنا كل الخيارات وكانت النتيجة الدائمة هي الفشل الذي يعقبه ثورات وهرج ومرج وفوضى واقتتالات وحروب فلماذا إذن لا نجرب خيارا جديدا هو خيار المدننة الوطنية.؟.
- لماذا الاصرار على تجريب المجرب.؟
- لماذا يصر - ليس الحوثي كونه يحمل مشروع الهاشمية السياسية وجنديا من جنود مشروع تحقيق الثورة الاسلامية الايرانية في الشرق الأوسط، وانما الذين يدعمونه ويتبنون مشروعه من اليمنيين - فلماذا يصرون على اعادة انتاج المجرب الهاشمي السياسي الذي فشل طيلة قرون حكمه لليمن في أن يؤسس لدولة حقيقية.؟.
- لماذا الاصرار على إعادة انتاج خيار العسكرة وحكم الفندم بنقله من حكم العكفي علي عفاش لحكم الفندم علي محسن.؟
- لماذا اﻹصرار على قبيلة بلاد كانت صرحا من صروح الحضارة الانسانية ومهدا مبكرا لقيام الدويلات قبل آلاف السنين، وضرب ذلك الإرث الحضاري بقبيلة البلاد والعباد وخاصة تعمد قبيلة المجتمع التعزي والعدني اللذان كانا قد قطعا شوطا جديرا بالتقدير في مدننة الحياة فيهما ... فلماذا الاصرار على تطبيعهما بالقبيلة بتسكين الباء في زمن لا يمكن أن تعيشه غير بشروط العالم اليوم..؟.
لماذا الاصرار على التبعية السياسية العمياء لأحزاب لا ترتهن نفسها فحسب بل وترهن البلاد والعباد للأخر تحت مبررات وهمية تارة بحجة واحدية الايديولوجية والاهداف المشتركة لاعادة واقامة دولة الخلافة الراشدة او امبراطورية ولاية فقيه أحد البطنين.... أحزاب احلت هوية الولاء العابر للوطن إلى الولاء لأنقرة والدوحة وطهران محل الهوية الوطنية. .. فلماذا الاصرار حد العجرفة المقيتة على التبعية العمياء لهكذا أحزاب وجماعات.؟
أسئلة غيرها كثيرة إن تملينا فيها لا شك انه ستيقظ داخل القلوب الصدئة النزعة الوطنية.
***
من الواضح جدا أنه لم يحدث على اﻷقل خلال الزمن المنظور أن اليمنيين فكروا في أن يجربوا العيش كمواطنين يمنيين بدولة واحدة.
بل كلما ظهرت فكرة التجريب متبلورة في مشروع جديد سرعان ما يوءد أو يجهض في مهده.
***
ثورة 26 سبتمبر كانت مشروعا عظيما.
ثورة لا يجب أن نركز عند اعادة تقييمها ونقدها عند من قاموا بها ولا لبيت حميد الدين وفلولها ﻷن اﻷخيرين كانوا يحاولوا استعادة حكمهم، وانما التمعن فيمن تآلبوا وتكالبوا على الثورة من داخلها ودفعوا بمساراتها الى مصالحة جدة 1970 مع الملكيين فأعادوهم لجسم الدولة وجيشها ومؤسساتها بحيث لم يتبقى من الجمهورية والثورة الا الاسم والشعار والعلم والنشيد الوطني أما المضامين فقد صارت دولة جملكية وعسقبائلية.
إن من يتقن فن قراءة التاريخ سيجد أن الذين دفعوا لتلك المصالحة ممن كانوا محسوبين على الجمهورية قد ظهروا بوقت لاحق كمؤسسين وقادة في حزب تجمع الاصلاح وفي مقدمتهم الشيخ الأحمر وكل من سار على ركابه من الجنرالات والمشائخ والتجار ورجال الاستخبارات بعد ذلك.
***
ثورة 14 أكتوبر فدولة الاستقلال كانت ثورة عظيمة الاهداف، نبيلة الغايات لكنها غلفت من ناحية بغلاف ايديولوجي طارئ هو غلاف اشركة المحتمع دون تقدير لابعاد فشله داخيا كونه اطارا جديدا غير مألوف ناهيك عن كونه اعتمد ما يعرف بصدمة المحتمع في انفتاحه والاساءة لمعتقداته، ومن ناحية اخرى تغافل قاداتها ان خيارهم سيجابه من المحيط الدولي.
لقد رفض خيار الاشركة لغرابته الفكرية والثقافية داخليا، وتم التأمر عليه بإيعاز من الدوائر الرأسمالية العالمية واعوانها واياديها بالمنطقة بحربه وافشاله عبر دفع النظام وجره إلى خوض سلسلة صراعات لا تتوقف حلقاتها غير بكوارث ومآسي دموية فكانت النتيجة أن فشلت آشركة المجتمع الجنوبي فلا اشتراكية تحققت ولا وطنية تخلقت بدليل ما يشهده الجنوب اليوم.
***
اعلان دولة الوحدة في 22 مايو 1990 كانت أعظم مشروع يمني وطني على الاطلاق... ومثلت ﻷول مرة في التاريخ بعد ما يقارب خمس عشرة قرنا ﻷن يعيش اليمنيون كمواطنين داخل دولة واحدة لكن سرعان ما تؤمر ضد هذا المشروع.
لقد تأمر ضده الشيخ والفندم او القبيلة والعسكر " العسقبائلية" حد ما اصطلحه الكاتب عبد الرحيم محسن لوصف عملية التأمر تلك.
ودخل الجديد القديم بعملية التأمر لضرب المشروع هذه المرة واقصد به الفاشست الاسلاموي المعقد التركيب من القبيلة والعسكر والاستخبارات والتجار الجدد وتجار الحروب والمجاهدين الافاغنة الجميع تحالف تحت مبرر ضرب الملاحدة والانفصاليين ووووووو واعتمدوا لغة خلاصتها أن اليمن ستكون جنة طيبة بالقضاء على الاشتراكي.
لم يكن يدرك طرفي تحالف الحرب ضد الجنوب 1994 انهما لن يصفيا او يطمسا الحزب الاشتراكي من الوجود فالحزب رغم سلبياته التي رافقت سيرته الوطنية الا أنه الحزب الوحيد الذي تجاوز التبوتق الايديولوجي، وتوطننت منهجيته الفكرية وهويته السياسية، وصار أكثر الاحزاب تماسا مع طموحات اليمينيين، ومشروعهم التاريخي في قيام دولة اتحادية وطنية مدنية حديثة، وانه من هذه الصيرورة يستمد بقاءه واستمراريته وامكانية استعادة شعبيته وجماهيرته باي وقت ستتسم مناخات الدولة فيها بسلامة بناء سلطاتها، واداراتها الدستورية والقانونية.
لم يدرك من ظنوا أنهم سيمحوا الحزب الاشتراكي من المشهد الوطني أنهم لن يتمتعوا طويلا بزهو اقصاءه بحرب 1994.
والاخطر ان الكثير من أبناء هذا الشعب لم يدركوا حينها أن تلك الحرب لم تكن من اجل اقصاء الحزب ونهب ثروات الجنوب فحسب، وانما كانت من أجل التخلص من المشروع الوطني الكبير الذي كان فرصة نادرة سنحت ﻷن يعيش اليمنيون ﻷول مرة داخل دولة وطنية.
ولا يجب أن نغفل هنا عن ذكر وثيقة العهد والاتفاق التي مثلت حلا للازمة السياسية التي سبقت الحرب، وكيف أن تحالف الشيخ والفندم والفاشست الديني حينها اطلقوا عليها مسميات رخيصة مزيفة للوعي كوثيقة الردة .... والانفصال.
***
ثورة 11 فبراير 2011 بدورها جاءت كحاجة ملحة للتغيير واقامة دولة وطنية.
وعبرت مترتبات تلك الثورة عن تلك الحاجة من خلال الصيغة النهائية لوثيقة مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
تلك الوثيقة ترجمت ترجمة مكثفة صيغة المشروع الوطني الكبير...لكن......
نعم لكن .... سرعان ما تأمر ضدها الفندم والسيد فجمع الفندم عساكره والسيد زنابيله في تحالف دعا الى النفير العام.
تحالف نتج عنه هذه الحرب التي يحصد الجميع تبعاتها المرعبة على نحو غير مسبوق في تاريخ اليمن.
حرب سنجد ان هدف من فرضها هو أن يبقى اليمنيين زنابيلا عند السيد، وعساكرا عند الفندم.
ولإستحالة تعايش الفندم مع السيد او العكس تصيد السيد الفندم اصطيادا متوقعا فتحالفهما لم يكن الا تحالفا مرحليا ناهيك عن أسباب اخرى ليس هنا محل مناقشتها.
لهذا أقول استقامت هذه الحرب بين السيد والفندم من اجل الاطاحة بمشروع أن يجرب اليمنيون العيش كمواطنين داخل دولة وطنية صحيحة.
***
اليوم من يراقب المشهد سيجد أن الأمور بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر هذه الحرب أنها قد باتت أكثر تعقيدا خاصة بعد أن تخلص السيد من الفندم وصار يمثل وحده الطرف الاول في المعركة.
الطرف الثاني هو الشرعية ممثلة بالقيادة السياسية والاحزاب التي تصطف معها ومختلف القوى الاجتماعية .
داخل الطرف الثاني أحد القوى السياسية امست عبئا كبيرا على الشرعية، واقصد بذلك حزب الاصلاح بما يمثله من تناقضات في تكوينه السياسي حيث الفندم والشيخ والعسقبائلية والاستخباراتية والتجار والجميع تربطهم مصالح سياسية بحته وتجارية ضخمة.
ناهيك عن التطبع بالولاء العابر للخارج تبعا لأهداف واحدية الايديولوجية الفكرية الممزوجة بمصالح دولية بين مثلث تركيا وايران وقطر.
كل ذلك اثر تأثيرا كبيرا على مواقف الحزب التي تحولت من عناصر مهمة في سرعة حسم المعركة مع الحوثيين الى عوامل اعاقة للجيش الوطني في سرعة حسم معاركه مع الميلشيات الانقلابية.
لقد نقل الاصلاح تناقضاته البنيوية الى داخل الدولة والجيش باعتباره المهيمن على أكثر من 70 بالمائة من قوام قوة الجيش واحهزة الأمن المختلفة.
فنجد أن خيار أن نكون عساكرا عند الفندم موجود في الاصلاح.
وخيار ان نكون قبائل عند الشيخ موجود في حزب الاصلاح.
وخيار أن نكون اتباعا عند تيار الاسلام هو الحل أو شعار إن أريد الا الاصلاح....وهو خيار الأصلحة بينما الواقع بعكس كل ذلك.
انه خيار اقامة شرع الله الذي لا نرفضه الا ﻷنه لا يمت بأي صلة لشرع الله ...هذا الخيار موجود عند الاصلاح.
في اليوم الذي نرى حزب الاصلاح يغلب الخيار الوطني على كل الخيارات حينها فقط سوف نحسم هذه المعركة مع الحوثيين في غضون شهر ان لم اقل في غضون اسبوع او اسبوعين.
على حزب تجمع الاصلاح ليدحض ما قلته ليس بالرد والتفنيد النظري لما كتبته هنا، وانما بالبرهان العملي على الواقع، وليبدا برهانه من هنا من تعز بحيث نراه يغلب خيار الوطنية المتمثلة بالعمل مع الجميع لسرعة تحرير محافظة تعز وفك الحصار عنها، وليس بافتعال ما يعوق ذلك، والمقام لا يتسع بهذا المقال لسرد العوائق التي ما فتأ يتسبب بها بين كل ساعة وحين..
سرعة تحرير تعز هي الفيصل فيما قلته بهذه المقالة.
***
ختاما....
لم يتبق أمامنا جميعا من حل وحيد سوى خيارا واحدا، وهو خيار أن نجرب العيش كمواطنيين يمنيين بدولة مدنية.
ذلكم هو الخيار الوحيد... خير سيفرض علينا تغليب الولاء الوطني على مادونه من الولاءات والذي بدوره سيفرض علينا جميعا تقديم الهوية الوطنية على مادونها من الهويات القاتلة (الطائفية/القبلية/ المذهبية الدينية / الحزبية) لاستقرار المجتمعات.
تغليب الهوية الوطنية على غيرها هي ما يولد داخلنا الشعور بضرورة الاعتراف بحقوق التعايش والمساواة وغيرهما من الحقوق المختلفة.
وإذا وحدنا اننا فشلنا في تجريب خيار أن نكون مواطنين في دولة مدنية هنالك فقط كما قال صديقي رضوان الصلوي" يمكننا أن نعود لخيارات النكد التاريخي.