في مديح ابليس

الثلاثاء 11 ديسمبر 2018 - الساعة 06:30 صباحاً

 

لعل الممثل القدير جميل راتب، اضفى على شخصية ابليس في مسلسل "محمد يا رسول الله" كفانتازية تثير الرعب. الا ان النص الخطابي لا يحمل تلك الانطباعات عن اول شخصية تتمرد في الكون، بحسب الكتب المقدسة. لا انكر ان شخصية ابليس في بعض الجوانب اثارت اعجابي خلال فترة الطفولة.


دون ان تعرف، وضعت النصوص المقدسة ابليس في المخيال كواحد من اكثر الشخصيات اثارة للجدل، فهو ليس فقط روح الشر، بل روح التمرد التي لا تمتثل للخضوع. وفي المحصلة، كان هذا الكيان يعرف عواقب تمرده، بما انه يجابه القدرة الكلية التي يمثلها الرب.


انه ايضاً يمثل ذلك التطلع للحرية، لهذا لم يكن ابليس بالنسبة لي اصل الشر المحض، بل هو قريحة الشعر، او ما يمكن تسميته تمرد الفنان الذي لا يمتثل لأي قيد. لهذا تصالح ابليس مع الروح الجمالية للإنسان. في طفولتنا كان يتم تلقيننا، ونحب شخصية الملائكة الباردة، جبرائيل وميكائيل، شخصياتها المذعنة، بانعدام حواسها، باعتبارها مجرد آلات تمتثل لأوامر فقط.


في قصة ابليس تحضر احياناً جمالية الشر؛ ليس في ابعاده القبيحة، وإنما في مخياله المريع. كنت اقول، كيف يستطيع شخص او كيان، ان يرفض امراً مع انه يدرك عاقبته. في لحظة بطولية شرب سقراط السم، محطماً اغلال العقل، انذاك اقترن بالشيطان ربما.


ليس الأمر بتلك الصورة السطحية، إنما في مجازيته عن حس الإرادة. في الأخير، كان ابليس ايضاً هو الصورة المقابلة للنار التي اوقد بها برومثيوس الإنسان ومنحه ملكة العقل والتفكير. منحه شيئاً من عبق الآلهة. وفي الجنة اشعل ابليس لدى ادم نار الفضول، او المعرفة، فالخطيئة رحم الوجود، باعتبار انها كانت مدفوعة بالإرادة، إرادة ان تعرف ماهية المحضور الإلهي. وبالمعرفة نشأت الخطايا. لكن الصورة الشيطانية تم تمزيقها في الشكل المحض للشر المنفلت، والنابع من اغلال.


إذن، يجب ان يكون هناك فصل بين جمالية ابليس في شطحه المتمرد، في عناده النابع من ارادة ان كينونة. وبين صورته باعتبار انه الجزء الفوضوي ضمن النظام، فالريح والعاصفة والخراب كانت ناشئة من ارواح شريرة في اعتقاد الإنسان، قبل ظهور العلم، بل وقبل ظهور الأديان الموحدة، التي ارجعت كل تلك الظواهر والمخلوقات الى خالق واحد.


ثم هناك الصورة الأخرى والسوداوية لهذا الشيطان الذي يريد ان يسود الشر. 


لكن في مسرحية الإنسان تختلط علينا ملامح الخير والشر؛ إنها ليست فصول منفصلة، بل كامنة وربما مرتبطة ببعضها. فالشر ربما ينبع من المُثل.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس