المطهر رائداً من رواد التعليم والإدارة

الاثنين 21 يناير 2019 - الساعة 02:46 مساءً

 

في بلد لم يع ويدرك ويفقه معظم أبنائه قيمته وموقعه الاستراتيجي, وتاريخه الحضاري الممتد عبر عصوره المتعاقبة, يبرز تجار الحروب وأمرائها في الداخل قبل الخارج ليجعلوها "وقفاً ونذراً" للحروب والاقتتال وعدم الاستقرار, لأن غنائم الحرب بالنسبة لهم هي الغاية, أما مغارمها فهي للتغني بها في وسائل الإعلام والدعاية, ودغدغة لمشاعر الآخرين... ويريدون ترسيخ أن الوطن وجد للحروب والكوارث دون غيرها, وأن السلام محال.

في هذه الأجواء التي لا تنتهي حرب إلا وقد بدأت الأخرى, وفي هذا البلد المنكوب بأيد بعض أبنائه, وأشقائه وأصدقائه... وبحجة وهم الصراع بين السنة والشيعة الممتد عبر العصور, لكن حقيقة الصراع وجوهره غير ذلك تماماً في بلد قبل التعايش بين الجميع. 

في هذه الأجواء الكارثية يقتل أبناء الشعب اليمني من جميع الأطراف, أو يموتون بسبب عوزهم وفقرهم ومرضهم وتشردهم, وقد رحل في هذه المدة عددا من أساتذة الجامعات اليمنية وأعلامها, والقيادات السياسية, والتربوية والتعليمية كمداً وحزناً بسبب ما يعيشونه... ومع إيماننا ويقيننا أن الموت حق, إلا أنه أضحى الإنسان يشاهد بأم عينيه أن ما عمل ونذر حياته من أجله يصبح رماداً تذره الحروب...

ويعد الأستاذ الدكتور محمد بن محمد المطهر واحداً من هؤلاء. فهو المولود في خمسينات القرن العشرين, من أسرة علمية ومكانة اجتماعية, فقد كان والده عالما جليلاً امتاز بالوسطية والاعتدال, أثر ذلك على ابنه محمد المطهر.

وقد كانت ليبيا الحاضنة له في التعليم الجامعي, ثم الولايات المتحدة الأمريكية في شهادتي الماجستير والدكتوراه, ويمتاز المطهر بصفات اخلاقية, وعلمية, وتسامح, والقبول بالآخر... يجيد الإصغاء والهدوء, وإذا اختلف لا يفجر في الخصومة, وكان إذا ما أحتد النقاش معه ينصح قائلاً اذهبوا للوزير... سيرته العلمية والعملية العطرة وظفها لخدمة التعليم العام, والفني والمهني, والتعليم العالي الذي كان له الحظ الأوفر من جهوده, فمشاريع تطوير التعليم العالي وإستراتيجيته, وأبحاثه وتدريسه, وإدارته تظهر قدراته التي كان يتبع القول بالعمل.

المطهر لم يكن يحب الظهور ولا الضجيج الإعلامي, والجامعات اليمنية, وجامعة الإمارات تبرهن على ذلك.

عمل المطهر بحرفية ومهنية دقيقة, دون أن يقحم نفسه بالسياسة, والتعصب الحزبي... ودفع ثمن موقفه المعتدل, فكان موقع نائب وزير كأنه (حكم مؤبد) لأنه كان يتم تناقل معلومات "أنه رجل خطير" أجعلوه نائباً.

وقد كان له -رحمه الله- موقفاً إيجابياً مع النقابات في مبدأ تعديل القانون الذي ينص على انتخاب رؤساء الجامعات بدلاً من التعيين, وكانت آخر المحطات والنقاشات معه ولجنة التعليم العالي, والشباب والرياضة بعد إحالة المشروع من قبل وزارة الشئون القانونية إلى مجلس الوزراء, ومنه إلى البرلمان, في ظل دولة الحكيم باسندوة, فأتت الأحداث وضاع كل شيء... وكان يشدد على استقلالية الجامعات وأرشدنا بالعودة إلى قرار مجلس القيادة لعام 1977م، بشأن قانون جامعة صنعاء الذي نص على استقلالية الجامعة علمياً ومالياً وإدارياً.

وعند انفجار الأحداث الأخيرة لم يساوم أي طرف فلا الزعيم -قبل مصرعه- رضي عنه, ولا سلطة الأمر الواقع قربته, ولا الشرعية قدرت جهوده, ولا من احتضنهم ورعاهم اهتموا به, فآثر الهجرة بصمت إلى ماليزيا التي صعدت فيها روحه الطاهرة  إلى بارئها.

ولسان حال جميع زملائه وأصدقائه وأحبابه يرددون ما كتبه الروائي المبدع محمد عبد الولي (يموتون غرباء).

العزاء لجميع أفراد أسرته ومحبيه... العزاء إلى جميع أسر ألأخوة الأساتذة في جميع الجامعات اليمنية, الذين رحلوا عن هذا الكون... لتبدأ الحياة الأبدية, العزاء للوطن المنكوب الذي فقد رائداً من رواد التعليم والإدارة... وكوكبة من علمائه وأبنائه الشرفاء.

 

 

أسئلة بريئة:

 

دولة الأخ د. المهندس معين عبد الملك، ندرك حجم الصعوبات وطبيعة المرحلة, والملفات المعقدة التي تواجه البلد, وأنت ترى معاناة زملائك من أساتذة الجامعات (معتقلين هنا أو هناك, مهاجرين, غرباء, مفصولين, مرضى, نازحين, جياع) هل يمكن أن تعقلها وتتوكل باتخاذ قرار شجاع "إطلاق الرواتب" لجميع الموظفين والبحث عن حلول ناجعة لمشاكلهم، فالمواطنة لا تتجزأ, وعد إلى كتاب والدك الأستاذ القدير عبد الملك الذي استفاد منه الجميع "العوامل المؤثرة في القرار اليمني" وأجعله ملازماً لك لكي تصنع قرارك على بينة من أمرك.

 

هل يمكن مفاتحة دولة الكويت الشقيقة بتبني موضوع التعليم العالي والجامعات, كما بدأت مع جامعة صنعاء منذ نشأتها, وكذلك موضوع الثقافة... فالكويت من الدول الرائدة في مجال التعليم والثقافة, وقد حملت راية المعرفة والتثقيف المتاح بعد حرب لبنان وتجاوزت العديد من العواصم العربية... وبذلك يكون ملف التعليم والثقافة مدخلان لتسوية سياسية... وهل يمكن مخاطبة سلطنة عمان الشقيقة "ذات القدرات والقوى الناعمة" والدولة المقبولة من الجميع في تحمل أعباء ملف الخدمات العامة,  ودعك من الدول الموغلة في الحرب والقتل.

 

والله من وراء القصد،،

 

أ.د. عبدالله فارع العزعزي

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس