الحجرية..صراع الإخوان مع اللواء 35 مدرع بتعز وحاضنته الجماهيرية "القصة الكاملة"

الاثنين 13 يوليو 2020 - الساعة 11:36 مساءً
المصدر : خاص

 


احتدم الجدل في الآونة الأخيرة، بشأن الاحتقان العسكري الشعبي في مدينة التربة أهم حواضر مديريات الحجرية الإحدى عشر، ورغم انسحاب جزء من قوات الشرطة العسكرية من المنطقة، فإن مصادر عسكرية وأخرى ميدانية رصدت خلال الأيام الثلاثة الماضية عدداً من التسللات الفردية وما قيل أنه تحركات مشبوهة لأفراد يتوقع أنهم مقاتلون تابعون لقوات الحشد الشعبي ومجاميع تابعة لحزب الإصلاح، الذراع العسكري والسياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.

 

إطلالة على التطورات الأخيرة في الحجرية:

 

اشتداد التوتر والاحتقان في الحجرية الأسبوع الماضي، بدأ عقب انطلاق عشرات العربات العسكرية التابعة ظاهرياً للشرطة العسكرية بمحور تعز لما قيل أنه ملاحقة لمطلوب أمني، قبل أن ينكشف الغبار الذي خلفته تلك الحملة عن سيطرة مجاميع تابعة لما يسمى بالحشد الشعبي المدعومة قطرياً المحسوبة على الشيخ حمود المخلافي إضافة إلى مجاميع مسلحة تابعة للواء الرابع مشاه جبلي بالسيطرة على جبل صبران الاستراتيجي، وهو موقع عسكري كان تابعاً للواء 35 مدرع، قبل أن يسلمه الضابط المسؤول مقابل مبلغ من المال.

 

قوات الشرطة العسكرية التي مثلت الغطاء الرسمي لهذه العملية، تعهدت بمغادرة المنطقة بعد انتفاء حجة المطلوب الأمني، والضجة العارمة التي أحدثها هذا الاقتحام غير البريء بقوة عسكرية ضخمة، وقد أسفرت عن صدامات محدودة احتدمت بين الأهالي والقوات الوافدة، التي اطلقت النار بصورة عشوائية استهدفت القرى والمناطق السكنية وأسفرت عن أضرار في المنازل والممتلكات وسقوط عدد من الجرحى أحدهم في حالة خطرة.

 

وسائل إعلام جماعة الإخوان، إضافة إلى تصريحات الجهات الرسمية المحسوبة على الجماعة بمحافظة تعز، إضافة لقيادات سياسية بالتجمع اليمني للإصلاح بتعز، الأداة السياسية والتنظيمية لجماعة الإخوان في اليمن، كلها بررت ما حدث بأنه عمل أمني يهدف إلى تثبيت الأمن والاستقرار في مدينة التربة وريف الحجرية جنوب مدينة تعز.

 

لكن تصاعدت الانتقادات الشعبية والسياسية والإعلامية لجماعة الإخوان، فضلاً عن السخرية والتهكم من تبريراتها وادعاءاتها بخصوص فرض الأمن والاستقرار في ريف الحجرية الجنوبي الذي حظي باستقرار أمني عالٍ مقارنةً بالمدينة، في ظل سيطرة اللواء 35 مدرع، وقوات الأمن العام ولواء القوات الخاصة على المديريات المحررة بالحجرية، فضلاً عن تعجب البعض من حجم القوة العسكرية الكبيرة التي اجتاحت مدينة التربة، بحثاً عن مطلوب أمني بموازاة فشلها وتقاعسها عن ملاحقة عشرات المطلوبين الذين يثيرون الفوضى في مدينة تعز على مدى 5 سنوات مضت.

 

السخط والانتقادات الشعبية اللاذعة لهذه التحركات، جعلت من حجة المطلوب الأمني، غير مقنعة، خصوصاً وأن هناك لواء عسكري ضخم يسيطر على المنطقة هو اللواء 35 مدرع، إضافة إلى لواء امني مجهز تجهيزاً جيداً، هو لواء القوات الخاصة الذي يقوده العميد جميل عقلان، إضافةً إلى قوات الأمن العام، وهو ما يعني أن تجاوز الشرطة العسكرية لصلاحيات الجهات المذكورة، بل وإسناد مجاميع قبلية ومليشاوية غير رسمية لإسقاط مواقع تابعة للواء 35 مدرع، وبسط سيطرة هذه المجاميع على هذه المواقع في جبل صبران والراهش، أمور تنبئ بتجهيزات عسكرية تهدف لخوض معركة عسكرية في المنطقة.

 

إعلاميو الإخوان ونشطاؤهم وذبابهم الإلكتروني في مواقع التواصل لم يجدوا بداً من الكشف عن جزء من الأهداف الحقيقية وراء هذه التحركات، والتي عبر عنها نشطاؤهم بتبرير جديد، وهو إخراج قوات طارق صالح من التربة، الذي يقود ألوية حراس الجمهورية في الساحل الغربي، معتبرين أن هذه التحركات لمواجهة عملاء الإمارات في تعز ومحيطها، وقد جرى تسويق هذه التبريرات على نطاق واسع، لإقناع الرأي العام بوجود انشار عسكري لقوات طارق صالح في مدينة التربة.

 

غير أن المعلومات والمصادر الميدانية تنفي التبريرات الإخوانية، وتنفيها جملةً وتفصيلاً، إذ لا يوجد أي انتشار عسكري لقوات صالح في مدينة التربة، ولكن ثمة عدد من عائلات جنود طارق صالح المنتمين للمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي تقيم في مدينة التربة منذ ثلاثة أعوام بموجب تفاهمات مع إدارة أمن المديرية وقيادة اللواء 35 مدرع، لتنظيم عملية تسكين أسر الجنود في الساحل الغربي، والتي يخشى استهداف أفرادها لابتزاز الجنود والضباط الملتحقين بألوية طارق صالح – وبحسب المصادر – فقد جرى تنظيم عملية الإقامة تلك من قبل قيادة اللواء والإدارة الأمن التي قامت بحصر تلك العائلات ومناطق تواجدها واتخذت كافة الإجراءات الامنية والضمانات المطلوبة لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة.

 

ورغم انكشاف مبررات الإخوان الزائفة، وبطلان حججهم وادعاءاتهم التي ساقوها لفرض هيمنتهم على التربة ومحيطها من المواقع الاستراتيجية التابعة لمديريات الحجرية المحررة فإن اللواء 35 مدرع الذي يسيطر على تلك المواقع، والذي ما يزال بدون قائد حتى اللحظة، يجد نفسه في حالة لا يحسد عليها، بين تسليمها لمليشيات الحشد الشعبي، والقوات المتدثرة بالزي العسكري الرسمي لألوية محور تعز، الذي يتبعه اللواء من الناحية الإدارية، فضلاً عن إخضاع اللواء من الناحية العسكرية، بعد خروج موقع جبل صبران المسيطر نارياً على قيادة اللواء وعدد من مواقعه العسكرية، وبين الرفض الشعبي والمجتمعي المناهض لهذه التحركات، ورفض أفراد اللواء وأنصاره إنهاء تواجد اللواء 35 مدرع، أو تهميشه في المناطق التي حررها بدماء أفراده وتضحيات جنوده خلال السنوات المنصرمة.

 

خلفيات:

ولكي نفهم ما يدور في الحجرية، والأهداف الكامنة خلف هذا الصراع المختبئ خلف أنين مكتوم، لا بد من استعراض خلفيته السياسية والعسكرية خلال السنوات الماضية والتي بدأت مع اندلاع الانقلاب الحوثي على الدولة في اليمن، وما أعقبه من تطورات سيتم إيرادها بإيجاز.

 

في الأسابيع الأولى من الحرب، أعلن العميد الراحل عدنان الحمادي، ولاءه للسلطة الشرعية، ليكون بذلك أول قائدٍ عسكري يمني، يعلن وقوفه في صف الشرعية وتصديه لمليشيات الحوثي، وبتعيينه قائداً للواء 35 مدرع، قاد الحمادي معركة المواجهة مع مليشيات الحوثي بجزء من قوته البشرية، حيث كان غالبية اللواء 35 مدرع، يدين بالولاء لمليشيات الحوثي، وهو ما أسفر في النهاية عن سقوط قيادة اللواء 35 مدرع بيد المليشيات، وخروج الحمادي الذي كان مصاباً وتشتت أغلبية الكتيبة التي صمدت معه حتى اللحظات الأخيرة.

 

خلال فترة مرض العميد الحمادي تأسست معسكرات المتطوعين برعاية قادة سياسيين ووجهاء في تعز عملوا على جمع التبرعات وإنشاء معسكرات المتطوعين التي انظم إليها من بقي من أفراد الكتيبة الأخيرة في اللواء تباعاً، لينضم إليهم الحمادي ويقوم بترتيب الصفوف وتدريب المقاتلين وقيادة المواجهات العسكرية ضد المليشيات الحوثي انطلاقاً من الضباب، ومن ثم تأمين المناطق التي لم يصل إليها الحوثي ومنها الخط الرابط بين الضباب ومدينة التربة ومحيطها من قرى الحجرية.

 

خلال السنوات اللاحقة، ظل الحمادي يقاتل لتحرير المناطق المتاخمة للقرى المحررة، بما فيها مقر قيادة اللواء في المدينة، وفي الوقت الذي كان قادة ألوية آخرون يستلمون مخصصات ضخمة من دول التحالف كدعم لتشكيل ألوية وهمية وتخزين السلاح وتكديس الأموال، كان الحمادي الذي يتم تزويده بالفتات ونهب معظم مستحقاته المالية، يستقبل المتطوعين ويعزز من تواجد اللواء عسكرياً، الأمر الذي جعل اللواء 35 مدرع، يتفوق من حيث القوة البشرية، والاستعداد القتالي والتنظيم على تسعة ألوية عسكريّة وأمنية يسيطر عليها الإخوان المسلمين في تعز، ناهيك عن قيام اللواء 35 مدرع بتحرير ما نسبته 85% من المديريات المحررة في تعز، باستثناء مديريات الساحل الغربي والتي معظمها غير آهل بالسكان.

 

في أبريل عام 2018م، ظهرت برقية عسكرية ممهورة بوقيع وختم قيادة محور تعز، وفيها كشف للألوية التابعة للمحور، إضافة للوائين مستحدثين، هما اللواء الرابع مشاه جبللي، واللواء 145 دفاع ساحلي، دون أي قرار جمهوري بتشكيلهما أو بعيين قيادات لهما، بعد أسابيع قليلة، تم إسقاط 2500 مقاتل من قوام اللواء 35 مدرع، وإلحاقهم باللواء الرابع مشاه جبلي، وألوية أخرى، وبعد أسابيع أخرى، خرجت احتجاجات في مدينة التربة، لرفض تواجد معسكر تدريبي تابع للواء الرابع في أحد المعاهد التعليمية بعزلة الأصابح بمدينة التربة، ورغم الاحتجاجات على عسكرة الأرياف المحررة، أنشأ اللواء الرابع معسكراً آخر في منطقة الجاهلي، واستحدث نقاط أمنية موازية لحواجز التفتيش التابعة للواء 35 مدرع.

 

اشتد الخلاف بين قيادة اللواء 35 مدرع، ممثلة بالعميد عدنان الحمادي، وبين قيادة محور تعز ممثلةً باللواء خالد فاضل، والذي سعى للانتقام من اللواء 35 مدرع بطرق مختلفة، منها حجز نفقاته المالية، وخصم رواتب الأفراد، وسحب أكثر من 900 رقم عسكري من مقاتلين في جبهات اللواء، وقد تم خلال تلك الفترة شراء عدد من مسؤولي المواقع العسكرية التابعين للواء وحثهم على التمرد على قيادة، فضلاً عن نشر عدد من المجاميع المسلحة والأسلحة المتوسطة وتطويق اللواء ابتداءاً من مديرية المسراخ، ونجد قسيم وليس انتهاءً بهيجة العبد والجاهلي، وكانت المعركة على وشك الوقوع.

 

خلال تلك الفترة، كان محافظ تعز، أمين أحمد محمود، قد أوفد لجان التحقيق، والتي تباطأت في الرفع بتقاريرها بسبب حسابات سياسية ومخاوف، وبعد اتضاح الصورة أخيراً، انعقد مؤتمر أبناء مديريات الحجرية وصبر، بعد تنسيق وجهود من أبناء الحجرية كان على رأسهم قائد مقاومة الحجرية، فؤاد الشدادي، والذي عبر بالقطع، رافضاً الاحتراب الأهلي في الحجرية وعسكرة المناطق المحررة، فيما كان المحافظ أمين محمود يجري اتصالاته وجهوده لتدارك الموقف، قبل أن تخرج مظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من أبناء مديريات الحجرية وصبر، رفضوا فيها عسكرة المنطقة والاحتراب الأهلي.

 

نجح أمين محمود في نزع فتيل الاقتتال بعد إقناع المنطقة العسكرية الرابعة بتوضيح موقفها في برقية رسمية لمحور تعز، ناهيك عن كشف العميد عدنان الحمادي لكافة الخطط العسكرية والتحركات التي قامت بها المجاميع المسلحة المحسوبة على الإخوان، فضلاً عن الجاهزية القتالية العالية للواء والتي كانت لتمكنه من حسم المعركة لصالح فيما لو نشبت، وهي أمور بمجملها أفشلت مخطط الإخوان للحسم العسكري والاستيلاء على الحجرية بالقوة.

 

هنا، التجأ التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمون"، إلى تكتيك آخر لحسم المعركة، إذ أن عدم انجرار الحمادي واللواء 35 مدرع، إلى مواجهة عسكرية، كانت تميل لمصلحة الحمادي، قد أفشل خطة إحراق شخصية عدنان الحمادي، واستصدار قرار إقالته الذي كان جاهزاً على مكتب الرئيس هادي، والذي أوقف من قبل نجله جلال وفقاً لما قاله الحمادي شخصياً، فضلاً عن الدور الذي لعبه المحافظ أمين محمود والذي نزع الشرعية كلياً عن ممارسات الإخوان، ووظف علاقاته وإمكاناته السياسية والمادية لنزع فتيل الاقتتال الأهلي بين أبناء الحجرية إضافة إلى مديريات صبر.

 

ومن هنا كان لا بد للإصلاح من العمل على مسارين، الأول: يتركز بقوة في إقالة الدكتور أمين أحمد محمود، الذي نزع المشروعية عن تحركات الإخوان، وتصوير الأمر باعتباره خلاف حاد بين المحافظ وقائد المحور لا يمكن معه سوى استبعاد الاثنين.

 

والثاني: توريط الشهيد عدنان الحمادي في صراع أهلي أو مناطقي، أو شق اللواء ونخره من الداخل، وإدخاله في صراع أهلي أو مناطقي، يمكن بعدها توسيع دائرة هذا الصراع بإدخال مجاميع مسلحة باسم هذا اللواء أو ذاك، لفرض الأمن، وتأجيج الصراع سياسياً وإعلامياً لما يسمح بإحراق شخصية الشهيد الحمادي، وذلك من خلال جرعة تحريض عالية تستهدف سمعة الشهيد الحمادي وتتهمه بالعمالة والارتزاق، بما يسمح من ترقية الفتنة المناطقية لتصبح تعبيراً عن مطلب وطني جامع تستقطب فيه موجة الكراهية الاجتماعية قطاعاً من المحايدين الذين يتأثرون بإمبراطورية الإخوان وقطر الإعلامية من جهة، وبالكراهية الاجتماعية وتشويه سمعة الشهيد من جهة أخرى.

 

نجحت خطة الإخوان في إقصاء الدكتور أمين محمود، بقرار رئاسي قضى بتغييره وهو في طائرته عائد إلى عدن بعد رحلة علاجية دامت أشهر في كندا للتخلص من آثار محاولة الاغتيال التي تعرض لها خريف 2018م، بتفجير عبوة ناسفة استهدفته لدى خروجه من منزل قائد المنطقة العسكرية الرابعة في عدن.

 

غير أن خطة إقصاء الحمادي فشلت، رغم المحاولات المتكررة، بما في ذلك، محاولة الانتشار العسكري كتعزيز لأي اقتتال أهلي متوقع، والتي تكررت لثلاث مرات، آخرها، كان صدور أوامر عسكرية عليا لخروج 50 طقم عسكري لمساندة القوات الحكومية التي كان يقودها وزير الداخلية الميسري في مواجهة قوات المجلس الانتقالي، حيث ربضت تلك الأطقم في مدينة التربة ولم تتقدم عقب هزيمة الميسري، وبعد عدد من المسيرات والاحتجاجات الشعبية عاد بعضها، وبقي البعض الآخر، بانتظار أي مهام قادمة.

 

إضافةً لما سبق، فقد فشلت محاولات تأجيج الفتنة المناطقية بين أبناء الحجرية، رغم عدد من المشكلات والجرائم التي تم افتعالها في المنطقة، وقد كان تنوع انتماءات أفراد اللواء إلى مختلف مناطق الجمهورية الشمالية والجنوبية، أثراً في كبح جماح الصراعات المناطقية، فيما كان الشحن السياسي والتعبئة والتحريض قد بلغ أثره، وأسفر في إحدى تجلياته عن اغتيال اثنين من مرافقي المحافظ نبيل شمسان، ونهب سيارتهم بحجة علاقتهم بطارق عفاش وحراس الجمهورية، وبالطبع فإن كل مشكلة أمنية يتحمل عبئها اللواء وتثير القلاقل لدى حاضنته الجماهيرية، لكن نجاح اللواء في احتواء عشرات المشكلات المثارة من هذا النوع، وتظافر جهود إدارة أمن الشمايتين بقيادة الضابط المخضرم عبد الكريم السامعي وقيادة اللواء 35 مدرع، وتعاون قوات الأمن الخاص بقيادة العميد جميل عقلان، أفشلت كل تلك الرهانات.

 

كما كانت الاتهامات التي تروج لها وسائل إعلام الإصلاح ضد العميد الراحل عدنان الحمادي، بعمالته للإمارات، وعلاقته ببقايا النظام السابق الممثلة بقوات طارق صالح في الساحل الغربي، إحدى وسائل التحريض ضد اللواء 35 مدرع، غير أنها أثبتت فشلها، بالنظر إلى الثقة العالية والتأييد الكبير الذي يحظى به الشهيد الحمادي، حينها لم يعد ثمة بد، من اختراق اللواء 35 مدرع ذاته، وشق صفوف اللواء 35 مدرع، إضافة إلى قوات الأمن الخاص، وقد تحقق بعض النجاح في هذه الجزئية، إذ أدى دس بعض المشكلات والنعرات "المدعاة" إلى خروج موقع جبل صبران، بحجة خلافات شخصية، اتخذت بُعداً مناطقياً، فيما جرى في الحقيقة شراء ذمم بعض الأشخاص والتنسيق معهم للقيام بهذه الأدوار.

 

ورغم الغضب الجارف الذي سببه هذا الاختراق، استطاع الشهيد عدنان الحمادي امتصاص حنق جنوده، في محاولة منه لتهدئة الأوضاع، في انتظار التوقيع على اتفاق الرياض ونجاحه، ليتخلص من العصا الغليظة التي ما زالت مسلطةً عليه، وهو احتكار القرار السياسي، وهو العائق الذي يمنعه من وضع حد للخونة، وإبعادهم من داخل اللواء، وهو الأمر الذي يدرك الحمادي تماماً تبعاته من حيث التحريض الإعلامي والمناطقي والأهلي، وسذاجة وغباء القيادة السياسية التي سيتم استدراجها لإقالة القائد الحمادي بحجة امتصاص هذا الضجيج والنقمة المدعاة.

 

غير أن الشهيد كان بمواجهة قدر لم يعد ممكناً معه أن يكمل مسيرته في بناء قوات عسكرية وطنية، ولا مواصلة طموحه بالعمل لبناء دولة مدنية عادلة لكل اليمنيين، إذ جرى اغتياله في 2 ديسمبر 2019م، في منزله، على هامش استعداداته للسفر إلى القاهرة للعلاج، وهي الرحلة العلاجية التي تأجلت قرابة 5 أشهر عن موعدها بسبب التوترات في المنطقة، وما زالت حادثة اغتياله إلى اليوم، تثير العديد من الاتهامات والإدانات بحق جهات وأطراف لطالما استهدفت الحمادي بشخصه ومشروعه الوطني.

 

وماذا بعد:

مما سبق يتضح لنا أن حياة الحمادي وكفاحه الطويل كانا من أجل مشروع، كما أن عملية اغتياله كانت من أجل مشروع أيضاً، وبالنظر إلى ما كان يمثله الحمادي بالنسبة لكثير من اليمنيين وخصوصاً أبناء محافظة تعز، فقد كان حائط الصد والحامي الذي يتكئ عليه أنصار المشروع المدني الديمقراطي، وكان صمام الأمان الذي يمنع اقتتال الفرقاء العسكريين في إطار الشرعية، وصاحب المشروع الوطني الأول لاستعادة أو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية، وهو المشروع الذي لم يكُن محل إعجاب الكثيرين.

 

لقد استفزت قدرات الشهيد الحمادي السياسية والعسكرية، وذكاءه الاجتماعي والعاطفي، وإمكاناته القيادية والنفسية وثقافته العالية ودهاءه التكتيكي، الكثير من القوى والأشخاص، كما أن مشروعيته المتفردة والتي اكتسبها بشخصه ولشخصه بجهده وتضحيته وشجاعته الاستثنائية، قد جعلته عائقاً وتحدياً أمام كل طالب سلطة، بمن فيهم الرئيس هادي نفسه، والذي كان الحمادي يحظى بتأييد جارف يفوقه، ويكتسب شرعيته من حب الناس وثقتهم به في الوقت الذي دمر هادي، كل فرصة منحه الناس إياها للوثوق به أو المضي وراءه، بما سببه من كوارث وإخفاقات وتدمير ممنهج للدولة والجيش والشرعية التي يتكئ عليها.

 

من هنا، شكلت إزاحة الحمادي، فرصةً سانحة وذهبية لأصحاب المشاريع الصغيرة، خصوصاً بعد النجاح الباهر الذي تحقق في امتصاص وتسكين وتخدير الغضبة الشعبية والجماهيرية التي أعقبت جريمة اغتيال الشهيد الحمادي، ومع تصاعد حدة الصراع بين المجلس الانتقالي من جهة، والحكومة الشرعية من جهة أخرى، فقد استثمر الإخوان، وذراعهم "حزب الإصلاح" ذلك بشدة، للتحريض المستمر ضد الإمارات وحلفائها، غير أن النفاذ الفعلي لقطر وحلفائها في سبيل إبطال المشروع، لن يكون إلا في جغرافية الإخوان، وأي جغرافيا أفضل للإخوان استراتيجياً وعسكرياً من تعز؟!

 

الحجرية: الشريان الأورطي:

 نتيجة لحصار مليشيات الحوثي الانقلابية المطبق على تعز منذ 5 أعوام، فلم يعد ثمة طريق لعبور البضائع والمؤن والتنقل من تعز وإليها، سوى طريق الضباب التربة طور الباحة، وهذا الطريق الإسفلتي، هو شريان الحياة بالنسبة لساكن محافظة تعز، كما أنه شريان البارود والسلاح لما كانت مقاومة شعبية، ثم أصبحت ألوية جيش يهيمن على أغلبها الإخوان، ويتفرع هذا الشريان باتجاه الساحل الغربي لمحافظة تعز من الجهة الجنوبية الغربية، وإلى محافظة لحج من الجهة الجنوبية الشرقية، وقد استطاع الإخوان، وضع أحد ألويتهم، وهو اللواء الرابع مشاه جبلي، في الجهة الجنوبية الشرقية، باستحداث مسرح عمليات يمتد من هيجة العبد بالمقاطرة "وانتشار في مدينة التربة بصورة غير شرعية" وصولاً إلى طور الباحة والمفاليس ومن ثم حيفان.

 

أما الجهة الجنوبية الغربية، فباستثناء بعض نقاط التفتيش، التي يسيطر عليها الإخوان، فلا تواجد سيطرة عسكرية لهم من خلال معسكرات أو انتشار مكثف، وهذا ما يجعل خاصرتهم ضعيفة، خصوصاً مع وجود تمثيل لكتائب أبو العباس في منطقة الكدحة المحاذية لمنطقة البيرين بمديرية المعافر، وعلى الخط الرئيسي لتعز التربة طور الباحة.

 

التطورات الأخيرة، تؤكد بما لا يضع مجالاً للشك، أن الهدف من المغامرات الإخوانية الأخيرة، والتي طال أمدها – ربما هذا ما سبب استياءاً لدى القطريين وجعلهم يشددون على ضرورة حسم هذه المسالة – هو السيطرة على مواقع اللواء 35 مدرع الاستراتيجية، والتي تعطي تفوقاً عسكرياً بحكم طبيعتها الجبلية، ويمكن من خلالها استهداف مناطق في مديريات الساحل الغربي، واستهداف العاصمة المؤقتة عدن، إذا استدعى الأمر، فضلاً عن المواقع العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في لحج.

 

لذا؛ فإن ابتلاع اللواء 35 مدرع، إخضاعه أو حتى تحييده، لم يعد بيت القصيد، إذ لم يعد لواء عسكري بدون قائد، ويجري تفكيكه وتفريغه من قوته وقياداته على قدم وساق، يشكل تحدياً جوهرياً للجماعة، واتضح أن خطتها هو الاتجاه غرباً أو جنوباً لاستهداف القوات المشتركة/ العمالية/ حراس الجمهورية غرباً، أو ألوية المجلس الانتقالي في الشرق.

 

وبالنظر إلى مقامرات الإخوان، وعدم اكتراثهم بتداعيات خططهم ومساراتهم، ونتائجها الكارثية على المواطنين، فإن المتوقع أن تكون الحجرية ومحيطها مسرح عمليات عسكرية لتصفية الحسابات بين الفرقاء العسكريين ضمن معسكر الشرعية، على أن الإخوان يسعون لاستثمار قطع طريق طور الباحة التربة تعز، وبالتالي قطع الإمداد التمويني والدوائي عن تعز مثلاً، أو تهجير أبناء تعز المقيمين في المناطق الجنوبية، للتحريض ضد الإمارات وحلفائها، وبالتالي، تنجح حملات الاستعداء والكراهية والظلم الاجتماعي في تحريض الكثير من أبناء تعز للقتال، تحت طائل الحاجة والغبن الذي قد يطالهم لأسباب لم يكونوا جزءاً منها أو شركاء في ارتكابها.

 

ولا يفوتنا هنا التذكير، بحادثة قطع هذا الشريان الحساس أول مرة، ضمن عملية حصار تعز من قبل المليشيات الحوثية، وذلك عقب نشر وزير الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش ثلاث تدوينات على صفحته في موقع تويتر هاجم فيها الإخوان واتهمهم بالخيانة عام 2015م، وهي التدوينات التي نتج عنها بعد أيام فقط بانسحاب مسؤولي التموين والإمداد في نجد قسيم، ورفض إمداد الجبهة، الأمر الذي تسبب بتقدم المليشيات الحوثية وسيطرتها على الضباب ونجد قسيم، ومن ثم أدى إلى ذلك الحصار الكارثي، والذي استثمره الإخوان ببراعة في التحريض على الإمارات وتخويف الناس منها بحجة أن الإمارات منعت تحرير تعز نكاية في الإخوان وأبناء تعز، وأنها لو أرادت لاستطاعت فك الحصار عن تعز والتخفيف من معاناتها.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس