من شوقي الى شمسان .. قصة ابتزاز الإصلاح لمحافظي تعز
الجمعه 09 أكتوبر 2020 - الساعة 10:14 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
" حملة المليون توقيع لمطالبة رئيس الجمهورية اقالة محافظ تعز المغترب " ، بهذه اللافتة المنصوبة في ساحة الحرية بتعز يدون الإصلاح فصلاً جديداً من فصول صراعه العبثي مع محافظ تعز.
صراع دشنه من ذات الساحة مع أول محافظ عُين لتعز بعد ثورة 2011م ، وهو المحافظ شوقي احمد هائل منتصف ابريل من عام 2012م ، خلفا لحمود خالد الصوفي.
ففي ذات المكان الذي رفعت فيه لافتة توقيعات اقالة شمسان ، رفعت فيه قبل 8 سنوات لافتة كتب عليها ان منتجات بيت هائل سعيد التي ينتمي لها شوقي "ملوثة " في تجسيد لما وصل اليه صراع الإصلاح مع الرجل.
يرى الإصلاح "الفرع المحلي لجماعة الاخوان المسلمين في اليمن" أن تعز معقلا هاما وخزان بشري للكوادر ، وأي تفريط به قد يمثل تهديدا لبقائه على الخارطة السياسية وهو ما أدركه في 2011م وما اثبتته احداث ما بعد 2015م ، فلم يبقى له من ثقل حقيقي على الأرض الا في تعز .
لذا كانت مسألة السيطرة على هذه المحافظة بالنسبة له مسألة حياة أو موت ، وأحد اهم ركائز هذه السيطرة هي منصب المحافظ رأس السلطة التنفيذية والمدخل الى التوغل في مؤسسات الدولة بالمحافظة.
سيطرة الإصلاح على منصب المحافظ لا تعني ترشيح أحد اعضاءه لهذا المنصب ، فالحزب يهوي حصد المكاسب عبر شخصيات من خارج حزبه وينفذ من خلالها أهدافه ، وهذا ديدن الجماعة في تعز وعموم اليمن.
كما يدفع الإصلاح دائما على ان تكون هذه الشخصيات بدون ثقل سياسي او ترتكز الى مؤسسة حزبية تملك حضور جماهيري كالناصري او الاشتراكي ، ليسهل عليه ابتزازها وتقديم نفسه كغطاء سياسي للمحافظ مقابل الانصياع له ، فجاء شوقي هائل وعلي المعمري وامين محمود ونبيل شمسان.
الاثنين الماضي كان النائب الإصلاحي البارز شوقي القاضي يستعيد ذكرياته بنشر صورته مع محافظ تعز الأسبق شوقي هائل ، زاعما بان حزبه هو من رشحه لهذا المنصب.
هذا الاستذكار جاء كمحاولة لمحو الصورة السلبية التي طبعها صراع الإصلاح مع المحافظ شوقي ووصلت حد الاسفاف بشكل لم يشهده أي صراع سياسي في اليمن ، اسفاف وصل حد ان يحشد الإصلاح جماهيره في مظاهر ضد شوقي تهتف باسم والدته وزوجته.
مزاعم القاضي بان الإصلاح قام بترشيح شوقي لهذا المنصب الى الرئيس هادي تكذبها تصريحات قيادات الحزب في ذلك الوقت ، ومنها تصريح للقيادي البارز في الحزب الشيخ حمود سعيد المخلافي مطلع يناير 2013م ، بان تعيين شوقي في منصب محافظ تعز جاء من صالح وليس من هادي.
المخلافي كشف يومها بكل وضوح عن أسباب الخلاف مع شوقي في رده على سؤال حول حملة "عائدون للتغيير" التي شكلها الإصلاح لتحريك الشارع ضد شوقي حينها والمطالبة برحيله ، حيث قال المخلافي بان "المطلوب من المحافظ الآن ابعاد من تلطخت أيديهم بدماء الشباب والفاسدين من مناصبهم".
وهو ما يؤكده منسق الحملة القيادي الإصلاحي البارز في تعز ضياء الحق الأهدل ، عبر تصريح له لصحيفة " اخبار اليوم " التابعة للجنرال علي محسن منتصف نوفمبر 2013م ، اتهم فيها شوقي هائل بأنه يقوده " ثورة مضادة بالمحافظة".
هذه الثورة المضادة حسب تفسير بأنها " رفض شوقي للتغيير في مؤسسة الكهرباء والتربية وغيرها من المكاتب " مؤكداً أن رفض المحافظ لتعيينات من الوسط الثوري لا تعني سوى ثورة مضادة".
أي ان شوقي رفض معادلة الابتزاز السياسي التي يقدمها حزب الإصلاح للمحافظ ، بتمكينه من مؤسسات الدولة مقابل السماح له بالحكم ، فكانت المواجهة مع الحزب التي لم تنتهي الا مع تفجر الحرب في مارس 2015م ، ليغادر شوقي المحافظة بعد ان وصلت قذائف الحرب الى منزله ويقدم بعدها باسابيع استقالته من المنصب.
جاءت الاستقالة بعد حملة شرسة من نشطاء الإصلاح اتهموا فيها شوقي بالخيانة والتواطئ مع مليشيات الحوثي ، رد عليها شوقي ببيان مطول أشار فيه بوضوح الى تعرضه لأقسى أنواع الابتزاز من قبل البعض ( لم يسمي منهم ) مقابل أن يعلن دعمه لهم.
ظل منصب المحافظ شاغرا لأشهر الى ان جاء قرار تعيين علي المعمري محافظا لتعز منتصف يناير من عام 2016م ، وهنا اختلفت الصورة تماما بعد ان رضخ المعمري بشكل تام لما رفضه بشكل تام خلفه السابق.
ففي عهد المعمري الذي استمر في المنصب لعامين لم يعد مطلوبا من المحافظ الحضور او التواجد ،ولا شأن له بالمعارك العسكرية ، واختفت مطالب الشارع ، واختفى جرحى الثورة ، واختفت مطالب التغيير واقالة الفاسدين ، واختفت كل الشعارات والقضايا التي رفعت في وجه من سبقه.
فالمحافظ الذي تواجد في تعز أقل من شهر طلية العامين التي ظل فيها بمنصبه ، اصبح في نظر الإصلاح من انجح المحافظين لتعز ويقوم بدوره على أكمل وجه من فنادق القاهرة وعبر " الوتس آب "، طالما وختم المحافظة بعهد الإصلاح في تعز ، كحال ختم الرئاسة المحفوظ في عهده عبدالله العليمي فليس مطلوبا من هادي او المعمري التواجد في الداخل.
مثلت فترة المعمري الفترة الذهبية للإصلاح في تعز ، نجح فيها في استصدار مئات القرارات لتمكين عناصره في مفاصل الدولة ، بالتزامن مع تعيين خالد فاضل قائد لمحور تعز وتتم عبره السيطرة على المؤسسة العسكرية.
حمى الإصلاح المعمري سياسيا من اي محاولة للإطاحة به طيلة عامين، الا ان تصاعد الفشل والفوضى في تعز بسبب غيابه ، نجحت في الإطاحة به أواخر 2017م ، بصدور قرار جمهوري وتعيين امين محمود محافظا لتعز.
تغير المشهد تماما ، لتعود قصة شوقي هائل من جديد عبر أمين محمود الذي كان واضحا منذ البداية برفضه الخضوع لمعادلة الابتزاز من قبل الإصلاح.
هنا عادت مطالب الشارع وظهر جرحى الثورة واضيف لهم جرحى الحرب ، ومثلت ملف الجرحى ابشع أوراق الابتزاز السياسي التي استخدمها الإصلاح ضد المحافظ امين محمود ، رغم نجاحه في تحريك الجمود في مدينة تعز التي شهدت في عهده تنفيذ عدد من مشاريع البنية التحتية لأول مرة منذ بداية الحرب.
بل نجح امين محمود في اهم ملف فشل فيه المعمري ، وهو ملف المرتبات ، وصرفها لموظفي المحافظة بالكامل وانتظام صرفها لأشهر ، كما حرك محمود الجمود العسكري بوصوله عبر الاتفاق على تحريك الجبهات مع الحكومة والتحالف ، الا أن قيادات الجيش الخاضعة للحزب افشلت ذلك عبر تبديد الأموال التي خصصت لذلك.
خاض امين محمود صراعا مريرا مع حزب الإصلاح وأدواته في تعز ، وصلت حد اقتحام مبنى المحافظة والتمرد على قراراته من قبل قوات الجيش والأمن الخاضعة لسيطرة الحزب.
ولم ينتهي الصراع مع امين محمود حتى بعد اقالته أواخر 2018م ، بل تعرض منزله في المسراخ الى الاقتحام والحرق من قبل مليشيات الحزب التي يقودها المدعو يحيى إسماعيل في مايو 2019م.
كان الإصلاح يأمل عبر قدوم نبيل شمسان محافظا لتعز ، باسترجاع الفترة الذهبية له مع المعمري ، وتنفيذ مخططاته بالسيطرة على تعز عبر المحافظ الجديد.
ورغم ان المحافظ الحالي حاول مهادنة الإصلاح و عدم ابداء مقاومة ورفض صريحا لرغبات الحزب كحال شوقي ومحمود ، الا أنه لم يستطع على تنفيذها بالكامل كما فعل المعمري.
فكانت المواجهة الأولى بالحملة العسكرية ضد كتائب ابي العباس في المدينة القديمة في مارس الماضي والتي سجلت تمردا على قراره بإيقاف الهجوم من قبل قيادات الموالية للإصلاح ، كان لتبعات هذا التمرد مغادرة شمسان للمحافظة والبقاء خارج اليمن لأشهر.
لم يتوقف الصدام بين المحافظ والإصلاح رغم ما كان يبديه من مهادنة ورضوخ لبعض من مطالبه ، فلم يحميه ذلك من قتل افراد حراسة منزله في مدينة التربة في أكتوبر الماضي ، مع تحريك الشارع ضده تحت لافتة الجرحى بعد عودته الى المدينة ومحاولة اقتحام مبنى المحافظة وسكن المحافظ ، ليغادر المدينة مرة أخرى دون عودة الى اليوم.
واليوم افصح الحزب رسميا عن نواياه في اقالة شمسان من منصب المحافظ ، عبر تدشين عناصره في ساحة الحرية لحملة تواقيع مليونية للمطالبة الرئيس هادي بإقالته ووصفه بالمحافظ المغترب
فالإصلاح يرى في ان دور شمسان قد انتهى بنجاحه في فرض سيطرته على ريف تعز الحجرية وعلى قيادة اللواء 35 مدرع ، وبات اليوم بحاجة الى شخصية اكثر خضوعا له على رأس السلطة المحلية ، ليكمل قبضته على تعز كدويلة خاصة به.