رؤية أمريكية للإرهاب في اليمن
الجمعه 14 ابريل 2017 - الساعة 09:05 مساءً
عبدالباري طاهر
مقالات للكاتب
بعد تهاوي جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي تبنى الأمريكان سياسة محاربة الإرهاب. وضعت الإدارة الأمريكية المنتصرة عدواً بديلاً: «الإسلام». وجرى ويجري خلط عامد بين الإسلام (الدين) وبين الإسلام السياسي كحركة سياسية (لها وعليها). الرؤية الأمريكية يرصدها بتتبع وعمق الباحث الأمريكي غريغوري د. جونسن، في رسالته للدكتوراه بعنوان «اليمن والقاعدة: الحرب الأمريكية في جزيرة العرب»، ترجمة الطيب الحصني. ميزة الباحث أنه قد نزل إلى المجتمع اليمني، والتقى عدداً لا بأس به من الباحثين والمهتمين، ورصد نشأة وتطور الاتجاهات الإسلاموية ومناهجها ومنابتها الحقيقية، وتابع خط سيرها الطويل والمتعرج.
معروف أن الأمريكان والبريطانيين أساساً هم من دعم الإتجاهات التقليدية والمحافظة، كأنظمة وكإتجاهات في مواجهة الاتحاد السوفيتي وحركات التحرر الوطني. دعمت أمريكا، وقبلها بريطانيا، الإتجاهات الإسلامية المحافظة في المنطقة العربية، لمواجهة الأفكار القومية واليسارية، سواء في مصر أو غيرها. كانت النقلة الكبيرة الحرب الأفغانية. لا شك أن البعد الوطني الأفغاني هو الأساس، لكن أمريكا وحلفاءها دخلوا على الخط، ليتحول الصراع إلى صراع دولي. أراد الأمريكان وحلفاؤهم أن يجعلوا من أفغانستان «فيتنام روسيا وحلفائها»، وهو ما كان. هذا الصراع الدولي من حول أفغانستان وظف الطابع الديني للصراع. لكأن الصراع محصور في البعد العقائدي بين الإسلام والشيوعية. وقفت غالبية البلدان الإسلامية ضد التدخل الروسي، وجرى ما يشبه تقسيم العمل؛ ففي حين قام الأمريكان بدعم «المجاهدين الأفغان» بالمال والسلاح والتغطية الإعلامية، تولت بعض البلدان العربية التمويل، وبعضها التجنيد.
اليمن - كبلد محارب وفقير- انخرط المئات والآلاف من أبنائه في هذه الحرب، وقامت السعودية وبعض دول الخليج بالدعم والتمويل، ولعبت المساجد خصوصاً في اليمن (الشمال) والسعودية دوراً مشهوداً في جميع التبرعات وتجهيز المقاتلين.
بانسحاب الروس من أفغانستان وجد «المجاهدون العرب»، وهم مئات وآلاف، أنفسهم خارج اللعبة، وعاطلين عن العمل. كان اليمن المجنِّد الأكبر والضحية الأكبر أيضاً؛ فابن لادن، وهو ثري سعودي أصوله، بل أبوه يمني، وسكرتيره وحراسه وسائقه كلهم يمنيون. واليمنيون موزعون على كل الجبهات. المجاهدون الأفغان المنتصرون لم يقبلوا ببعضهم البعض، فكيف يقبلون بالعرب؟
بعد استيلاء «طالبان» على الحكم والتدخل الأمريكي ضد «طالبان» بعد تدمير برجي التوأم 2001 خرج العرب من أفغانستان. بعد قيام «القاعدة» بضرب برجي التوأم وجهت أمريكا ضربة قاصمة الظهر لـ«طالبان» و«القاعدة» في 7 أكتوبر 2001. خرجت «القاعدة» من أفغانستان. وقع الغالبية في الأسر ورحلوا إلى معتقل جوانتانامو في كوبا، وجلهم يمنيون وسعوديون. عاد البعض إلى بلدانهم كـ«أبطال مجاهدين إسلاميين»، ليجدوا أنفسهم إما في السجون أو أوراقاً سياسية في لعب الصراع، أو عاطلين. كانت اليمن في الثمانينات نقطة عبور من وإلى أفغانستان، ومركز جذب واستقطاب بسبب الصراعات داخلها، ووجود سلطتين مختلفتين ومتصارعتين: يمين يمني متحالف مع أمريكا، وكان الشمال موئلاً للإرهابيين، ويسار قومي ماركسي متحالف مع الروس في الجنوب.
وجود الإسلام السياسي مبكر في اليمن، ويعود إلى الأربعينات؛ فقد شارك «الإخوان» في حركة 48، وكان لهم وجود في الجنوب والشمال منذ تأسيس الحركة الوطنية في الشمال والجنوب. ومنذ ثورة 26 سبتمبر 62، وأكتوبر 63، صنفوا ضمن تيار الثورة المضادة.
منذ انقلاب 5 نوفمبر 67، سيطروا على التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، وكونوا المعاهد الدينية التي بلغ خريجوها 60 ألفاً، إضافة إلى سيطرتهم على المناهج والتعليم الحكومي في المراحل المختلفة.
كان كفاح التيار الإسلامي في العديد من البلدان العربية والإسلامية كتيار محافظ موجه بالأساس ضد العلمنة والتحديث، وضد الحركات الثورية: القومية اليسارية.
في اليمن ارتبط الإسلام السياسي منذ البداية، أو تحالف، مع التيارات الأكثر محافظة في الحركة الوطنية الأم: حركة الأحرار في الشمال، ورابطة أبناء الجنوب في الجنوب، بل إن الرابطة ورثت الجمعية الإسلامية الكبرى التي أسسها عبد الله المحامي وكبار المشايخ (الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في الشمال).
صراع الثورة والثورة المضادة، صراع اليمين واليسار، والشمال والجنوب، والنفوذ السعودي في اليمن، كلها وضعت الاتجاه الإسلامي في المواجهة.
كتاب «اليمن والقاعدة: الحرب الأمريكية في جزيرة العرب» للباحث الأمريكي غريغوري د. جونسن، يدرس الحرب الأمريكية في جزيرة العرب، وتحديداً في اليمن؛ فالأمريكان الذين كانوا حلفاء لابن لادن وداعمين للتيار الجهادي في أفغانستان أصبحوا في مواجهة، بل في حرب، مع هذا التيار، ومثلت أفغانستان، ثم اليمن، مركزي المواجهة؛ فبعد انسحاب الروس من أفغانستان والتحضير الأمريكي للحرب ضد العراق والموقف السعودي وجد ابن لادن نفسه إما في مواجهة مع الأمريكان أو في مواجهة أنظمة متحالفة معهم، ووجد الأمريكان أيضاً بعد سقوط الإتحاد السوفيتي أنهم بحاجة إلى عدو؛ فكان الإسلام السياسي في موقف الإدارة الأمريكية الأكثر اعتدالاً هو العدو.
يتخذ الكتاب شكل السرد الروائي. يحدد الشخوص الرئيسية: محمد الأهدل، وكيل «القاعدة» مسؤول مالي. عبد الله بن حسين الأحمر، كبير مشايخ حاشد. علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع. محمد الآنسي، مخبر يمني. عبد الله العسيري، مواطن سعودي. إبراهيم العسيري، مواطن سعودي. أنور العولقي، رجل دين أمريكي من أصول يمنية. جابر البنا، مواطن أمريكي. طارق الفضلي، وكيل أسامة بن لادن. أبو علي الحارثي، عرَّاب «القاعدة». عبد السلام الحيلة، منظمة الأمن السياسي. صالح الخنبشي، يمني من أصل صومالي. محمد المؤيد، رجل دين يمني. عمر الفاروق عبد المطلب طالب نيجيري. محمد بن نايف، أمير سعودي. غالب القمش، رئيس الإستخبارات اليمنية. فهد القصع، مصوّر. فواز الربيعي، مقاتل يمني. قاسم الريمي، مقاتل يمني. علي عبد الله صالح، رئيس اليمن. عبد الإله حيدر، صحافي يمني. سعيد الشهري، سجين سابق في جوانتانامو (سعودي). علي صوفان، مكتب التحقيقات الفدرالية. ناصر الوحيشي، سكرتير أسامة بن لادن. غالب الزايدي، قبيلي يمني. عبد المجيد الزنداني، رجل دين يمني.
في الإستهلال، يشير بأسلوب قصصي سردي إلى هجرة الرسول إلى المدينة، مركزاً على مركزية حديث «إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن». والحديث المشار إليه مثَّل الأرضية المشتركة لالتقاء التنظيمين: «الجهاد الإسلامي» - أيمن الظواهري، و«القاعدة» - أسامة بن لادن.
التوحد بين «الجهاد» و«القاعدة» تم لصالح تغليب رؤية «القاعدة»: «أَخرجوا المشركين من جزيرة العرب». التوحد نجم عنه تصدع «الجهاد الإسلامي»؛ فالمصريون المنتسبون لـ«الجهاد» لا علاقة لهم بقضية «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» بالأساس؛ فمصر شيء، وجزيرة العرب أو شبه جزير ة العرب شيء آخر وجغرافية أخرى. ثم إن «الجهاد»، وهم تلاميذ لسيد قطب، يرون معركتهم مع النظام المصري وليس مع الأمريكان، بينما ابن لادن و«القاعدة» طرحوا أولوية المواجهة مع الأمريكان.
تغلب هذه الرؤية التي يتبناها فقهاء السعودية، هي الممتدة جرائمها منذ المهدي أحمد بن الحسن في اليمن (ت1092هـ)، وما حدث ليهود آل سالم في صعدة، ويحدث في مصر وسوريا والعراق ثمرة كريهة لهذه الرؤية. تمتلك المذاهب الإسلامية اعتقادات تتعلق بزمن الظهور لدى الشيعة، وزمن التمكين لدى الاتجاهات الإخوانية السلفية. حديث «أخرجوا المشركين» موضوع حسب نقد بعض علماء الجرح والتعديل، ومنهم أحمد بن تيمية الحراني، أحد أهم مراجع السلف، وابن حجر العسقلاني شارح البخاري.
يتابع غريغوري سرده الأقرب للعمل الروائي برسم صورة هشام الديلمي، وهو ابن الزعيم الإخواني عبد الوهاب الديلمي، عضو مجلس شورى «التجمع اليمني للإصلاح»، وصاحب الفتوى الشهيرة إلى جانب زميله عبد المجيد الزنداني بجواز قتل المدنيين الجنوبيين الذين يتمترس بهم الملاحدة الشيوعيين.
يحدد ثلاث قنوات للتجنيد: صالح الذي يلتقي الشباب المجندين في القصر. البنية القبلية التي تتصرف كدول مستقلة. القناة الثالثة: خطباء المساجد، ويذكر الزنداني والديلمي. والواقع أن المناهج التربوية، والإتجاهات السياسية الإسلامية، ودور العربية السعودية، والأخطر الأزمة المجتمعية الشاملة، وفساد النظام واستبداده، والتبعية لأمريكا.
حالة الفقر الواصل حدود المجاعة والأمية الأبجدية المتجاوزة الـ 60%، والمعرفية الأعلى من ذلك بكثير. ويقيناً فإن الصراع الدولي أثره بالغ على هذا التحشيد للحرب الأفغانية ولاعب فيه دور بطولة.
يرى الباحث أن الوحدة اليمنية معطى من معطيات نهاية الحرب الباردة وأزمة النظامين في الشمال والجنوب. ويرى في صالح شيخ قبيلة وليس رئيس دولة، مؤكداً على تلاعبه بالتناقضات، وخلق الصراعات، وهو ما يسميه صالح نفسه «الرقص على رؤوس الثعابين»، وهم ليسوا إلا شعبه أو على الأقل الخصوم السياسيون. أعاد قبلنة الجنوب، وتواصل مع الفضلي الذي يخطط للجهاد ضد الجنوب مع أسامة بن لادن في السعودية.
المجاهدون العرب غير المرحب بهم في أوطانهم وسعتهم اليمن، ذلك ما أراده صالح لحاجة في نفس يعقوب، وبرز ذلك جلياً في حرب 94، وفي الإغتيالات التي سبقتها.
يترصد الباحث قضايا تفجير المدمرة «كول»، وإعادة بناء «القاعدة» داخل السجون وقصص هروبهم من المعتقلات، ودور صالح في التلاعب بهم، وابتزازهم والابتزاز بهم.
الكتاب سجل فاجع ورهيب، يوثق جرائم الإرهاب، وجرائم صالح وكبار مسؤوليه وبعض زعماء «الإصلاح» والأمريكان، في الإتجار بالإرهاب، وتوظيفه خدمة لمصالحهم؛ وقد أدى كل ذلك إلى خروج اليمن من أنموذج الديمقراطيات الناشئة، ومن برنامج الألفية وصولاً إلى الحالة الكارثية التي نعيشها اليوم.
بعد تهاوي جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي تبنى الأمريكان سياسة محاربة الإرهاب. وضعت الإدارة الأمريكية المنتصرة عدواً بديلاً: «الإسلام». وجرى ويجري خلط عامد بين الإسلام (الدين) وبين الإسلام السياسي كحركة سياسية (لها وعليها). الرؤية الأمريكية يرصدها بتتبع وعمق الباحث الأمريكي غريغوري د. جونسن، في رسالته للدكتوراه بعنوان «اليمن والقاعدة: الحرب الأمريكية في جزيرة العرب»، ترجمة الطيب الحصني. ميزة الباحث أنه قد نزل إلى المجتمع اليمني، والتقى عدداً لا بأس به من الباحثين والمهتمين، ورصد نشأة وتطور الاتجاهات الإسلاموية ومناهجها ومنابتها الحقيقية، وتابع خط سيرها الطويل والمتعرج.
معروف أن الأمريكان والبريطانيين أساساً هم من دعم الإتجاهات التقليدية والمحافظة، كأنظمة وكإتجاهات في مواجهة الاتحاد السوفيتي وحركات التحرر الوطني. دعمت أمريكا، وقبلها بريطانيا، الإتجاهات الإسلامية المحافظة في المنطقة العربية، لمواجهة الأفكار القومية واليسارية، سواء في مصر أو غيرها. كانت النقلة الكبيرة الحرب الأفغانية. لا شك أن البعد الوطني الأفغاني هو الأساس، لكن أمريكا وحلفاءها دخلوا على الخط، ليتحول الصراع إلى صراع دولي. أراد الأمريكان وحلفاؤهم أن يجعلوا من أفغانستان «فيتنام روسيا وحلفائها»، وهو ما كان. هذا الصراع الدولي من حول أفغانستان وظف الطابع الديني للصراع. لكأن الصراع محصور في البعد العقائدي بين الإسلام والشيوعية. وقفت غالبية البلدان الإسلامية ضد التدخل الروسي، وجرى ما يشبه تقسيم العمل؛ ففي حين قام الأمريكان بدعم «المجاهدين الأفغان» بالمال والسلاح والتغطية الإعلامية، تولت بعض البلدان العربية التمويل، وبعضها التجنيد.
اليمن - كبلد محارب وفقير- انخرط المئات والآلاف من أبنائه في هذه الحرب، وقامت السعودية وبعض دول الخليج بالدعم والتمويل، ولعبت المساجد خصوصاً في اليمن (الشمال) والسعودية دوراً مشهوداً في جميع التبرعات وتجهيز المقاتلين.
بانسحاب الروس من أفغانستان وجد «المجاهدون العرب»، وهم مئات وآلاف، أنفسهم خارج اللعبة، وعاطلين عن العمل. كان اليمن المجنِّد الأكبر والضحية الأكبر أيضاً؛ فابن لادن، وهو ثري سعودي أصوله، بل أبوه يمني، وسكرتيره وحراسه وسائقه كلهم يمنيون. واليمنيون موزعون على كل الجبهات. المجاهدون الأفغان المنتصرون لم يقبلوا ببعضهم البعض، فكيف يقبلون بالعرب؟
بعد استيلاء «طالبان» على الحكم والتدخل الأمريكي ضد «طالبان» بعد تدمير برجي التوأم 2001 خرج العرب من أفغانستان. بعد قيام «القاعدة» بضرب برجي التوأم وجهت أمريكا ضربة قاصمة الظهر لـ«طالبان» و«القاعدة» في 7 أكتوبر 2001. خرجت «القاعدة» من أفغانستان. وقع الغالبية في الأسر ورحلوا إلى معتقل جوانتانامو في كوبا، وجلهم يمنيون وسعوديون. عاد البعض إلى بلدانهم كـ«أبطال مجاهدين إسلاميين»، ليجدوا أنفسهم إما في السجون أو أوراقاً سياسية في لعب الصراع، أو عاطلين. كانت اليمن في الثمانينات نقطة عبور من وإلى أفغانستان، ومركز جذب واستقطاب بسبب الصراعات داخلها، ووجود سلطتين مختلفتين ومتصارعتين: يمين يمني متحالف مع أمريكا، وكان الشمال موئلاً للإرهابيين، ويسار قومي ماركسي متحالف مع الروس في الجنوب.
وجود الإسلام السياسي مبكر في اليمن، ويعود إلى الأربعينات؛ فقد شارك «الإخوان» في حركة 48، وكان لهم وجود في الجنوب والشمال منذ تأسيس الحركة الوطنية في الشمال والجنوب. ومنذ ثورة 26 سبتمبر 62، وأكتوبر 63، صنفوا ضمن تيار الثورة المضادة.
منذ انقلاب 5 نوفمبر 67، سيطروا على التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، وكونوا المعاهد الدينية التي بلغ خريجوها 60 ألفاً، إضافة إلى سيطرتهم على المناهج والتعليم الحكومي في المراحل المختلفة.
كان كفاح التيار الإسلامي في العديد من البلدان العربية والإسلامية كتيار محافظ موجه بالأساس ضد العلمنة والتحديث، وضد الحركات الثورية: القومية اليسارية.
في اليمن ارتبط الإسلام السياسي منذ البداية، أو تحالف، مع التيارات الأكثر محافظة في الحركة الوطنية الأم: حركة الأحرار في الشمال، ورابطة أبناء الجنوب في الجنوب، بل إن الرابطة ورثت الجمعية الإسلامية الكبرى التي أسسها عبد الله المحامي وكبار المشايخ (الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في الشمال).
صراع الثورة والثورة المضادة، صراع اليمين واليسار، والشمال والجنوب، والنفوذ السعودي في اليمن، كلها وضعت الاتجاه الإسلامي في المواجهة.
كتاب «اليمن والقاعدة: الحرب الأمريكية في جزيرة العرب» للباحث الأمريكي غريغوري د. جونسن، يدرس الحرب الأمريكية في جزيرة العرب، وتحديداً في اليمن؛ فالأمريكان الذين كانوا حلفاء لابن لادن وداعمين للتيار الجهادي في أفغانستان أصبحوا في مواجهة، بل في حرب، مع هذا التيار، ومثلت أفغانستان، ثم اليمن، مركزي المواجهة؛ فبعد انسحاب الروس من أفغانستان والتحضير الأمريكي للحرب ضد العراق والموقف السعودي وجد ابن لادن نفسه إما في مواجهة مع الأمريكان أو في مواجهة أنظمة متحالفة معهم، ووجد الأمريكان أيضاً بعد سقوط الإتحاد السوفيتي أنهم بحاجة إلى عدو؛ فكان الإسلام السياسي في موقف الإدارة الأمريكية الأكثر اعتدالاً هو العدو.
يتخذ الكتاب شكل السرد الروائي. يحدد الشخوص الرئيسية: محمد الأهدل، وكيل «القاعدة» مسؤول مالي. عبد الله بن حسين الأحمر، كبير مشايخ حاشد. علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع. محمد الآنسي، مخبر يمني. عبد الله العسيري، مواطن سعودي. إبراهيم العسيري، مواطن سعودي. أنور العولقي، رجل دين أمريكي من أصول يمنية. جابر البنا، مواطن أمريكي. طارق الفضلي، وكيل أسامة بن لادن. أبو علي الحارثي، عرَّاب «القاعدة». عبد السلام الحيلة، منظمة الأمن السياسي. صالح الخنبشي، يمني من أصل صومالي. محمد المؤيد، رجل دين يمني. عمر الفاروق عبد المطلب طالب نيجيري. محمد بن نايف، أمير سعودي. غالب القمش، رئيس الإستخبارات اليمنية. فهد القصع، مصوّر. فواز الربيعي، مقاتل يمني. قاسم الريمي، مقاتل يمني. علي عبد الله صالح، رئيس اليمن. عبد الإله حيدر، صحافي يمني. سعيد الشهري، سجين سابق في جوانتانامو (سعودي). علي صوفان، مكتب التحقيقات الفدرالية. ناصر الوحيشي، سكرتير أسامة بن لادن. غالب الزايدي، قبيلي يمني. عبد المجيد الزنداني، رجل دين يمني.
في الإستهلال، يشير بأسلوب قصصي سردي إلى هجرة الرسول إلى المدينة، مركزاً على مركزية حديث «إذا هاجت الفتن فعليكم باليمن». والحديث المشار إليه مثَّل الأرضية المشتركة لالتقاء التنظيمين: «الجهاد الإسلامي» - أيمن الظواهري، و«القاعدة» - أسامة بن لادن.
التوحد بين «الجهاد» و«القاعدة» تم لصالح تغليب رؤية «القاعدة»: «أَخرجوا المشركين من جزيرة العرب». التوحد نجم عنه تصدع «الجهاد الإسلامي»؛ فالمصريون المنتسبون لـ«الجهاد» لا علاقة لهم بقضية «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» بالأساس؛ فمصر شيء، وجزيرة العرب أو شبه جزير ة العرب شيء آخر وجغرافية أخرى. ثم إن «الجهاد»، وهم تلاميذ لسيد قطب، يرون معركتهم مع النظام المصري وليس مع الأمريكان، بينما ابن لادن و«القاعدة» طرحوا أولوية المواجهة مع الأمريكان.
تغلب هذه الرؤية التي يتبناها فقهاء السعودية، هي الممتدة جرائمها منذ المهدي أحمد بن الحسن في اليمن (ت1092هـ)، وما حدث ليهود آل سالم في صعدة، ويحدث في مصر وسوريا والعراق ثمرة كريهة لهذه الرؤية. تمتلك المذاهب الإسلامية اعتقادات تتعلق بزمن الظهور لدى الشيعة، وزمن التمكين لدى الاتجاهات الإخوانية السلفية. حديث «أخرجوا المشركين» موضوع حسب نقد بعض علماء الجرح والتعديل، ومنهم أحمد بن تيمية الحراني، أحد أهم مراجع السلف، وابن حجر العسقلاني شارح البخاري.
يتابع غريغوري سرده الأقرب للعمل الروائي برسم صورة هشام الديلمي، وهو ابن الزعيم الإخواني عبد الوهاب الديلمي، عضو مجلس شورى «التجمع اليمني للإصلاح»، وصاحب الفتوى الشهيرة إلى جانب زميله عبد المجيد الزنداني بجواز قتل المدنيين الجنوبيين الذين يتمترس بهم الملاحدة الشيوعيين.
يحدد ثلاث قنوات للتجنيد: صالح الذي يلتقي الشباب المجندين في القصر. البنية القبلية التي تتصرف كدول مستقلة. القناة الثالثة: خطباء المساجد، ويذكر الزنداني والديلمي. والواقع أن المناهج التربوية، والإتجاهات السياسية الإسلامية، ودور العربية السعودية، والأخطر الأزمة المجتمعية الشاملة، وفساد النظام واستبداده، والتبعية لأمريكا.
حالة الفقر الواصل حدود المجاعة والأمية الأبجدية المتجاوزة الـ 60%، والمعرفية الأعلى من ذلك بكثير. ويقيناً فإن الصراع الدولي أثره بالغ على هذا التحشيد للحرب الأفغانية ولاعب فيه دور بطولة.
يرى الباحث أن الوحدة اليمنية معطى من معطيات نهاية الحرب الباردة وأزمة النظامين في الشمال والجنوب. ويرى في صالح شيخ قبيلة وليس رئيس دولة، مؤكداً على تلاعبه بالتناقضات، وخلق الصراعات، وهو ما يسميه صالح نفسه «الرقص على رؤوس الثعابين»، وهم ليسوا إلا شعبه أو على الأقل الخصوم السياسيون. أعاد قبلنة الجنوب، وتواصل مع الفضلي الذي يخطط للجهاد ضد الجنوب مع أسامة بن لادن في السعودية.
المجاهدون العرب غير المرحب بهم في أوطانهم وسعتهم اليمن، ذلك ما أراده صالح لحاجة في نفس يعقوب، وبرز ذلك جلياً في حرب 94، وفي الإغتيالات التي سبقتها.
يترصد الباحث قضايا تفجير المدمرة «كول»، وإعادة بناء «القاعدة» داخل السجون وقصص هروبهم من المعتقلات، ودور صالح في التلاعب بهم، وابتزازهم والابتزاز بهم.
الكتاب سجل فاجع ورهيب، يوثق جرائم الإرهاب، وجرائم صالح وكبار مسؤوليه وبعض زعماء «الإصلاح» والأمريكان، في الإتجار بالإرهاب، وتوظيفه خدمة لمصالحهم؛ وقد أدى كل ذلك إلى خروج اليمن من أنموذج الديمقراطيات الناشئة، ومن برنامج الألفية وصولاً إلى الحالة الكارثية التي نعيشها اليوم.
فهد خالد
2020-February-03مرحب