التحالف التاريخي بين القبيلة والهاشمية السياسية
الاحد 16 ابريل 2017 - الساعة 02:59 صباحاً
د.عبدالصمد الصلاحي
مقالات للكاتب
كنا نتحدث في التسعينيات عن صراع التيار المدني مع تيار القبيلة لكن في الحقيقة لم يكن ذلك إلا مفهوماً سطحياً فالتحالف الذي اظهرته نكبة 21 سبتمبر 2014 بدى أنه يشكل مزيج من القبيلة والهاشمية السياسية وتزاوج للمصالح فيما بينهما غايته الاساسية المحافظة على بقاء سلطة وهيمنة وسيادة جغرافية الهضبة... إن مسألة الصراع هي اعمق من ذلك بكثير ولا بد من اعادة النظر في اطراف ذلك الصراع على ضوء الحقائق وخارطة التحالفات السياسية التي افرزتها تلك النكبة..
في الحقيقة تحالف الهاشمية السياسية مع القبيلة له جذور تاريخية وعلى مر التاريخ مثلت القبيلة للهاشمية السياسية العمق الاستراتيجي الذي يزودها بأسباب الاستمرار وهي الولاء والحماية وعلى مر التاريخ كانت الهاشمية السياسية تغير من تكتيكها للحفاظ على الحكم بعد اسقاط حكمها في ثورة 26 سبتمبر 1962 ولقد تمكنت الهاشمية السياسية من احكام سيطرتها على القبيلة باستراتيجيتين أولها عبر المذهب الزيدي القائم على الولاء لآل البيت مما يجعل الخروج عن هذا الولاء نوعاً من الردة والثانية تتمثل في المحافظة على القبيلة ككيان مقاوماً للحداثة والتحديث.
كحالة استثنائية حاول مثقفو القبيلة على استحياء تقديم نموذج للخروج عن طاعة الهاشمية السياسية عبر تنصيب المشايخ والتحول الى الولاء القائم على عصبية الدم إلا انه كان تكتيك فاشل لم يستطع فصل ولاء القبيلة للهاشمية السياسية فما يزال المذهب يشكل حجر الزاوية لذلك الولاء وفوق ذلك وقعت القبيلة في براثن سيطرة المشايخ الذي بدوره عزز الولاء للهاشمية السياسية عبر توفير اداة جديدة للسيطرة على القبيلة بعد تطبيع العلاقة بين المشايخ والهاشمية السياسية...
ولكي لا اطيل عليكم دعونا نستعرض الاحداث والوقائع التي تشكل الدليل المادي على ملامح ذلك التحالف بين القبيلة والهاشمية السياسية ففي ثورة17 فبراير 1948م خرج الإمام أحمد بيافطة تزويج القرآن بالدستور ليستفز القبيلة فتكالبت القبائل على الثورة وتم احتواء الثورة واستمرت الإمام ..كذلك في ثورة 30 مارس 1955م قام الإمام أحمد بقص ضفائر نساء بلاطه وارسلها للقبائل لنجدة بنات رسول الله فتم احتواء ثورة 1955م.
بعد قيام ثورة 126 سبتمبر 1962 م حشدت الإمامة القبائل ليخوضوا حرباً للإطاحة بالجمهورية الوليدة ولولا دعم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في 5 اكتوبر 1962م لكانت كسابقتها من الثورات وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن في 1967 قامت فلول الملكية بحشد القبائل لحصار صنعاء وانتهى الوضع بحصار صنعاء إلا ان القبيلة سحلت زعيم فك حصار السبعين (عبدالرقيب عبدالوهاب) في شوارع صنعاء و دخلت القبيلة والهاشمية السياسية في الحكم بتزاوج حقيقي إلا أنه في 13 يونيو 1974م صعد الى الحكم الشهيد ابراهيم الحمدي وحاول تفكيك القبيلة إلا انه لم يتنبه لخطورة الهاشمية السياسية وظلت القبيلة والهاشمية السياسية موجودة في تشكيلة مجلس القيادة وحدثت اول انفراجه الا انها لم تستمر طويلا فانقلبت القبيلة وأجهضت مشروع النهضة في اليمن وشهدت الدولة شكل من اشكال الخصصة لصالح القبيلة والهاشمية السياسية خاصة في القوات المسلحة والامن والمناصب السيادية..
في مطلع الثمانينات تم أيضا توظيف القبيلة بالاعتداء على المواطنين في المناطق الوسطى لمقاومة الجبهة التي اتهمت بالشيوعية والتي انتهت بتسوية سياسية صورية في العام 1982م لكن استمرت القبيلة والهاشمية السياسية بمطاردة كل رموز التيار المدني الى ان قامت الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990 لكن حصلت الانتكاسة في حرب صيف 1994م وتم توظيف القبيلة في الاعتداء على اليمنيين في الجنوب اليمني ومارسوا كل اساليب الاعتداء والمصادرة لحقوق الجنوبين وممتلكات الدولة كذلك
في العام 2004 ظهرت الهاشمية السياسية بشكل علني واعلنت حرباً على الدولة وبنفس الطريقة تم توظيف القبيلة في الحروب الستة للهاشمية السياسية ضد الدولة وفي 11 فبرير 2011 عززت الهاشمية السياسية من ظهورها وانخرطت في صفوف الثوار لإسقاط نظام صالح وكذلك فعلت القبيلة وبدى أن القبيلة عبرت عن رفضها للتخلي عن الحكم بشكل منعزل عن الهاشمية إلا أنه كما اشرنا سابقاً لم يكن ذلك الا مجرد انحراف بسيط عن مسار التحالف فالولاء للهاشمية مزروع في نفوس افراد القبيلة بحكم المذهب
رفضت الهاشمية السياسية التسوية التي اعلنتها المبادرة الخليجية وفي نفس الوقت انخرطت في مؤتمر الحوار الوطني وفي الوقت ذاته كانت تحشد كل امكاناتها وطاقتها لتأسيس نقطة انطلاق فانفردت بمحافظة صعدة وقادت تحالفات مع القبائل وكان ما حصل في عمران قبيل غزو صنعاء إلا التجلي الابرز لذلك التحالف ثم حشدن القبائل حول العاصمة الى ان تم اجتياحها في ال 21 من سبتمبر 2014م.
بعد اجتياح العاصمة ظهر تحالف القبيلة والهاشمية السياسية بشكل سافر واتضحت حقيقة ان فخامة الرئيس عبدربه كان لا مجرد من كل صلاحية مقابل تحالف هاشمي مسيطر على المؤسسة العسكرية بل حتى على منظمات المجتمع المدني حتى ان الحراسة التي يفترض بها حماية الرئيس كانت هي اول من قام باحتجازه.
قام الإنقلابيون بانقلابهم ولكنه لم يكن انقلاباً تقليدياً للإطاحة بالسلطة بل كان انقلاباً للإطاحة بالدولة بالرغم من انه كان من الممكن أن يحكم تحالف القبيلة والهاشمية اليمن عن طريق مؤسسات الدولة من العاصمة صنعاء لكنهم قاموا بغزو كل محافظات اليمن وحشدوا مواطنين يمنيين ليس لهم اي صفة عسكرية وفتحت لهم مخازن المعسكرات وسخرت لهم إمكانيات الدولة ليقموا بالاعتداء على اخوانهم المواطنين في بقية المحافظات خارج الهضبة ليعلنوا حرباً اهلية مكتملة الاركان واخضاع اليمنين لسيطرة سلطة القبيلة الهاشمية السياسية.
ختاماً إن القبيلة ليست الا اداة من ادوات الهاشمية السياسية واثبتت الوقاع والاحداث على أن القبيلة غير مستعدة عن التخلي عن الهاشمية السياسية بل ليست مستعدة لخوض مضمار المشاركة في البناء والتنمية ولن تكف الهاشمية السياسية عن توظيف القبيلة في حروبها على اليمنين الا اذا تم تفكيك هذا التحالف من داخل القبيلة عبر افرادها المثقفون الاحرار على الا يكون المشايخ احد ادوات تفكيك ذلك الولاء.