حذروا من ثورة جياع تأكل الأخضر واليابس، هاجموا فساد الشرعية وانتقدوا سياستها المالية
خبراء يقترحون حلولاً للخروج من الأزمة الاقتصادية
الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 - الساعة 11:53 مساءً
المصدر : الرصيف برس - عامر عبدالكريم
شهد الاقتصاد اليمني في الأسابيع الأخيرة هزات عنيفة نتيجة الانهيار المتتابع للعملة اليمنية "الريال" أمام العملات الأجنبية وخصوصاً الدولار حيث ارتفع سعر الدولار الواحد إلى قرابة الألف ريال.
وأثارت الانهيارات المتتالية للريال اليمني خلال سنوات الحرب وخصوصاً في الأشهر الأخيرة، تبعات كارثية على الحركة الاقتصادية والتجارية في البلاد، مع إرهاصات تنذر بانفجار الأوضاع الاجتماعية والسياسية، الأمر الذي قد يؤدي – بحسب مراقبين – إلى اندلاع ثورة جياع غاضبة تأتي على الأخضر واليابس وتساعد في تصاعد الصراع الأهلي إلى مستويات حادة يصعب معها السيطرة على الوضع.
وأثار تباين أسعار الصرف، بين مناطق سيطرة مليشيات الحوثي ومناطق سيطرة الشرعية حفيظة النشطاء والمراقبين السياسيين خصوصاً في مناطق الشرعية، إذ يتأرجح سعر صرف الدولار في مناطق سيطرة حكومة الانقلاب الحوثي في مستوى 600 ريال، بينما انخفض سعر الدولار في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من 930 ريالاً قبل أن ينخفض إلى 850 ساعة كتابة هذا التقرير.
ويرجع هذا التباين إلى اعتماد المليشيات الحوثية على سياسة نقدية، حظرت بموجبها تداول العملة النقدية الجديدة والتي تم طباعتها من قبل البنك المركزي اليمني بعدن، والخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، حيث اقتصرت السياسة النقدية للمليشيات على تداول العملة النقدية القديمة فقط، بينما عملت على مصادرة العملة النقدية الجديدة، التي تحمل توقيع محافظ البنك المركزي الموالي للحكومة الشرعية بالعاصمة المؤقتة عدن.
وانتقد الخبراء الاقتصاديون السياسة النقدية المقابلة لإدارة البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن وأداء الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض، من نواحٍ عدة، حيث اعتبروا أن السياسة النقدية للحكومة الشرعية تعد أحد أهم الأسباب التي أدت للانهيارات المتتابعة التي لحقت بالعملة اليمنية الريال.
ويرى الخبراء أن الحكومة الشرعية بالإضافة إلى فسادها، وفساد مؤسساتها المالية وعلى رأسها البنك المركزي اليمني بعدن، فإن تفتقر أيضاً للكوادر الاقتصادية المحنكة والمؤهلة لإدارة السياسة النقدية في البلاد، واعتبر الخبراء أن الحكومة الشرعية والبنك المركزي التابع لها قد ارتكبوا خطئاً كبيراً بطباعتهم لمئات المليارات من العملة النقدية الجديدة دون غطاء نقدي من العملة الصعبة ما ساهم في رفع معدلات التضخم وانهيار العملة اليمنية أمام الدولار.
كما أشار الخبراء إلى المكاسب التي حققها الحوثيون من خلال مصادرتهم للعملة النقدية الجديدة في مناطقهم ومنع تداولها، حيث عمدت مليشيات الحوثي الانقلابية إلى استثمار هذه الأموال في مناطق الشرعية عبر أذرعها الاقتصادية المقنعة، كما عملت على استخدامها في شراء المشتقات النفطية واحتياجات المناطق الخاضعة لسيطرتها من البضائع والسلع، ما حافظ على قيمة وأهمية العملة النقدية القديمة، بل وساهم بمرور الوقت في الحفاظ على أسعار الصرف عند مستوى معين، في مقابل انهيار العملة النقدية المتداولة في مناطق الشرعية.
وبحسب الخبراء، فإن منظومات الفساد داخل الشرعية قد ساهمت هي الأخرى في تعميق الأزمة المالية وتفاقمها وذلك من خلال عمليات المضاربة غير القانونية التي نفذتها بعض القيادات العسكرية والحكومية في عدد من المؤسسات من خلال استخدام أموال هذه المؤسسات كالمرتبات والنفقات التشغيلية وغيرها في شراء العملة الصعبة، وإعاقة صرف مستحقات الموظفين وعمليات الإنفاق لحين ارتفاع أسعار الصرف ومن ثم بيع جزء من العملة الصعبة المشتراة سلفاً لتغطية نفقات هذه المؤسسات وصرف المستحقات والمرتبات فيما تتبقى مبالغ خيالية بالعملة الصعبة كمكاسب غير مشروعة للنافذين الذين يقومون بعملية المضاربة المذكورة.
إضافةً إلى ما سبق، فقد ساهمت السياسة النقدية المشار إليها في ارتفاع أسعار التحويلات المالية بين المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية والمناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات لتصل إلى ما نسبته 50%، وتتعلل شركات الصرافة بانخفاض أسعار الصرف في مناطق التابعة للمليشيات الحوثية، حيث فرضت 50% من قيمة المبالغ المحولة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، كعمولة يدفعها المرسل من مناطق الشرعية، فيما تكتفي شركات الصرافة بفرض مبالغ رمزية على العمولات المحولة من مناطق المليشيات إلى مناطق الشرعية، دون زيادات تذكر.
ويرى الخبراء أن فشل الحكومة الشرعية في فرض سيطرتها الكاملة على المناطق الخاضعة لها وتفشي الفساد بين موظفيها، وهشاشة مؤسساتها المحلية والسيادية، وفساد أوعيتها الإيرادية، والهدر المالي الكبير الذي يتغذى على فساد قيادات الشرعية، إضافة لانعدام الأمن، وفساد مؤسستي الأمن والجيش وتدخلهما المفرط في الحياة العامة إضافة إلى الفوضى العارمة في مؤسسات الشرعية ومناطق سيطرتها أمور أدت إلى تدمير المنظومة الاقتصادية بصورة لم يسبق لها مثيل.
ويضيف الخبراء أن العوامل السابقة قد ساهمت في خسارات كبيرة أدت إلى تدهور الصناعة، واعتماد المواطن اليمني بصورة متزايدة على المنتجات المستوردة، معتبرين أن ارتفاع مستوى التضخم في الأشهر الأخيرة قد كبد الشركات التجارية المستوردة خسائر فادحة، نتيجة ارتفاع أسعار الصرف، وهو ما تضاعفت كارثيته بشح السيولة المالية وصعوبة الحصول على العملة الصعبة، وهو ما أدى – بحسب الخبراء – في النتيجة إلى إفلاس عدد من الشركات التجارية المستوردة، فضلاً عن الخسائر التي لحقت بعدد من الشركات الصناعية التي تعتمد على استيراد المواد الخام من الخارج.
ويقترح الخبراء عدداً من السياسات لمحاولة إنعاش الاقتصاد اليمني لتجاوز المحنة العاصفة التي يمر بها، حيث يرى الخبراء أن الحل يقتضي حصول الحكومة الشرعية على وديعة مالية كبيرة من دول التحالف العربي، على أن يتم إجراء إصلاحات هيكلية في إدارة البنك المركزي اليمني، وضمان حيادية واستقلالية الإدارات المالية في وزارة المالية ومؤسساتها والبنك المركزي، وضبط الأوعية الإيرادية وتخصيص حسابات بنكية حكومية خاضعة للإشراف الصارم والمستقل، إضافةً إلى فرض رقابة واسعة على شركات الصرافة، ووضع سياسة واضحة وصارمة للاعتمادات المالية، ووضع خطة محكمة بالتعاون مع الغرفة التجارية ورجال الأعمال لتفعيل النشاط الصناعي والإنتاجي المحلي ودعم المشاريع الصغيرة للنهوض بالاقتصاد.