حين يتحدث "الداء" عن "الدواء" .. هادي وخطاب التناقضات ".
الاثنين 28 ديسمبر 2020 - الساعة 12:26 صباحاً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
"لن يكون هناك بعد اليوم وزير يمارس عمله من خارج الدولة والعاصمة" ، عبارة وردت في خطاب الرئيس هادي يوم أمس خلال اجتماعه بالحكومة الجديدة بعد إداءها اليمين الدستوري
من يتأمل الشدة والحزم في هذه العبارة ، يتبادر الى ذهنه أنها قيلت من داخل العاصمة المؤقتة عدن وليس من داخل الرياض ،ولم تكن من ذات الشخص الذي رفض واصر مؤخراً على ان لا تتم مراسم إداء اليمين الدستوري في عدن.
مثلت هذه العبارة تجلي للتناقض الصارخ بين مضامين الخطاب الذي ادلى به هادي امام الحكومة ، وبين الحقيقة على الأرض ، تناقض يصل حد النفاق السياسي.
فهادي الذي يتوعد وزراء الحكومة بعدم السماح لهم بالعمل من خارج عدن ، هو ذاته الذي لم تطئ قدمه ارض الوطن من سنوات وهو الذي اصر على عدم العودة الى عدن وتطبيق اتفاق الرياض بأن يكون أداء القسم السياسي فيها.
بل ان هادي – كما كشفت مصادر سياسية – رفض أيضا مقترح بديل دعمته السعودية بان يكون إداء القسم في سيئون ، بعد تذرع هادي وطاقمه بالأوضاع في عدن، فكيف سعمل وزرائه ان لم تكن عدن غير مستقره .
هادي وطاقمه لم يكتفوا بعرقلة أداء القسم في عدن ، بل ذهبوا ابعد من ذات بمحاولة معاقبة حزب سياسي وجه وزيره في الحكومة بمنع الذهاب الى الرياض لاداء القسم الدستوري والإصرار على ان يكون في عدن.
نتحدث هنا عن وزير الإدارة المحلية حسين الأغبري والتنظيم الناصري ، الذي كشفت مصادر سياسية عن محاولة من هادي وطاقمه بإحداث شق داخله بالاتصال بعدد من قيادات التنظيم ومنهم مرشحيه في الوزارة والعرض عليها بتعيين بدلا من الأغبري ، لكن المحاولة فشلت.
محاولة جرت بعد ساعات فقط من خطاب هادي امام الوزراء وقبل ان يجف حبره، الذي دعا فيها الى " الابتعاد عن اي مناكفات او صراع ".
وبالعودة الى الخطاب ، فالتناقضات بداخله لا حصر لها ، بعضها يثير الضحك والوجع في آن واحد ، ومنها حين يشدد هادي على الحكومة بـ"عدم تجاوز لوائح الوزارات والقانون " ، بل ويضيف : لا نريد ان نسمع عن سوء إدارة وفساد وأي تكليفات قام بها الوزراء خارج صلاحياتهم غير مقبولة.
فهادي الذي يشدد على عدم تجاوز القانون ، لا ينافسه رئيس او مسئول مر على تاريخ اليمن في تجاوز القانون بل والدستور وكافة المرجعيات التي لا يتوقف عن مطالبة جماعة الحوثي الانقلابية بالالتزام بها.
سجل هادي الحافل بتجاوز القانون والدستور يصعب حصره وإيجازه ، فالرجل استغل ظروف الحرب وحاجة القوى الى مشروعيته لمواجهة انقلاب الحوثي ، فانقلب حتى على مشروعيته القائمة على التوافق السياسي كأساس للمرحلة الانتقالية التي يقودها.
كانت بداية هذا الانقلاب إصدار هادي قرار إقالة لرئيس الوزراء "المتوافق عليه" خالد بحاح وتكليف احمد بن دغر ، في مخالفة صريحة لكل المرجعيات وعلى رأسها القانون الدستور الذي ينص على تكليف الرئيس لشخص ما بتشكيل الحكومة ، فكان قراره بتعيين رئيس الوزراء لحكومة بحاح "بدعة" لم يسبقه فيها احد.
وكما في الخطاب السلفي بأن " البدعة " هي ظلال تؤدي الى النار ، كانت بدعة هادي بداية طريق الظلال السياسي التي أدت نار الكارثة اليوم ، حيث شجع صمت القوى السياسية الرئيسية كالاصلاح والمؤتمر على هذه البدعة – مع ضعف رفض القوى الاخرى ومنها الاشتراكي، كما بقى الناصري يجاهر بموقفه الرافض والمدين لبدعة هادي وحيدا ولكن دون جدوى - وكان بداية التفرد والعبث " الهادوي" وطاقمه بالدولة.
فقد توالت عقب ذلك عشرات وربما مئات قرارات التكليف والتعيين في الجهاز التنفيذي المدني للدولة وفي مؤسسات الجيش والأمن ، بشكل عبثي لم يسبق له مثيل فضلا عن مخالفتها للقانون والدستور.
وصل حد العبث ان يصدر هادي قرارا بتعيين 13 وكيل لوزارة واحدة وفي قرار واحد ، اما في المؤسسات الجيش فكانت الكارثة اعظم بمنح الالاف من "المدنيين" رتبا عسكرية وتوليتهم قيادة وحدات عسكرية وأمنية معظمها بكشوفات وهمية.
عبث صنعه هادي وكان يحركه الاخوان والجنرال علي محسن الأحمر لإحكام قبضتهم على مؤسسات الدولة ، حتى وأن كانت النتيجة هزائم عسكرية مذلة في الجبهات امام الحوثي ، وانهيار شامل في كل نواحي الحياة بالمحافظات المحررة.
من المثير للسخرية ان تسمع هادي يتحدث عن سوء الإدارة والفساد ، في حين ان منبع ذلك من هو ذاته وحاشيته من ابناءه وطاقم مكتبه ، يدار منه عمليات الفساد والعبث بشكل غير مسبوق وغير مشهود وبشكل فج ومن دون خجل.
5 سنوات من الحرب ولا يعلم احد كم هي إيرادات المناطق المحررة وأين تذهب ؟ حتى ما يورد منها يتم توريده الى حسابات في بنوك خاصة وليس الى البنك المركزي ، في جريمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
يخاطب هادي بالقول أن مهام الوزير هي أن " ويداوم رسمياً وينسى السفريات، ويقرب منه الكوادر المؤهلة ويبني وزارته بناء حقيقي لا وزارات في حقائب الوزراء، وان تكون الوزارات فاعلة وحقيقية وهياكل حقيقية ودوام حقيقي رسمي ومقرات معروفة للجميع" وهو الذي رفض منذ اكثر من أربع سنوات كل الدعوات والمناشدات لتجهيز منطقة لتكون مجمع للحكومة والوزارات ليضيع سنوات كانت كفيلة ببناء دولة مقارنة بالاموال التي تم تبديدها .
يشدد هادي على ان تكون الوزارات فاعلة وحقيقة وليست في حقيبة الوزير ، وينسى ان مؤسسة الرئاسة تحولت الى شنطة وختم في جيب الاخواني عبدالله العليمي مدير مكتبه ، وشبكة تجارة حرب يديرها النائب احمد العيسي الذي وصفته صحيفة فرنسية بأنه تاجر اكبر من الدولة.
نسى هادي وهو يتلو عبارات الخطاب الجميلة والرائعة والتي تشبه وصفة طبية تصف لمريض" الدواء " ، ان يلتفت الى نفسه ليدرك انه مصدر "الداء" بذاته،.
وصار غير بعيد من أعين الملايين الملاحظة لتفشي الداء وبحاجة الا مشارط امهر الوطنين .