قبل أن تصبح مأرب صعدة أخرى
الاربعاء 10 يوليو 2019 - الساعة 06:11 صباحاً
كلما صدح صوت للسلام تداعت له أفواه متعطشة للموت والمال والتمرغ في بقع الدم والدمار وادعاء العنتريات التي سرعان ما تصبح فقاعات صابون قابلة للذوبان والتماهي عند أول اختبار لها في الميدان.
- نقاتل في الساحل الغربي من أجل الأمن القومي اليمني والإقليمي والدولي وضد عصابات التهريب وآلات القتل ومسدسات الإيجار في خاصرة عروبتنا ونكتشف أن مشروعاً آخر يطل بقرونه في مدن الجنوب يأخذه من مدن محررة وفق الخطاب الرسمي إلى غابة للذئاب ومشاريع مجهولة واقتتال جهوي، وتبدو فيها أصوات "الشرعية" مبحوحة تنفث خطاباً سمجاً لا يشبهه في رداءته سوى خطاب تحالف سلطة الأمر الواقع في صنعاء.
- نُقتل في تعز كل يوم ويحرم آلاف البشر من حقهم في الأمن والتعليم والصحة والعيش بكرامة ولا تفتأ آلات الدمار وماكيناتها من اعتبار أي دعوة للسلام وإيقاف عجلة الموت إلا بمثابة انقلاب على مشروعها الذي أصبح وجودها مرهون بهذا الدم المراق في الأحياء والأزقة صباح مساء في مدينة كانت حالمة منذ حكمها الرسوليون من قلعتها التي تتوسد خاصرة جبل صبر.
- وكلما مر صوت يدعو للسلام من أي بقعة في اليمن كلما تطايرت شرارات أحقاد أطراف الدمار من كل المشارب لمقاومة ومواجهة هذه الأصوات وكأنها حديث إفك، والتهم جاهزة وبسيطة، في سلطة الأمر الواقع في صنعاء يقولون عنك أنك مع العدوان وعميل إلى آخر الخطاب المأزوم، وفي الشرعية التي تقيم برجلين في الرياض وأفواه مفتوحة في المدن المحررة تجد التهمة جاهزة أنك من أتباع صالح والحوثيين.
- البضاعة الرائجة التي تبدو اليوم والتي تجد لها السوق وآلات التطبيل والتفاهات المفتوحة على مصراعيها هي القتل والدمار وتحويل الحرب إلى ربح مادي وتجارة على طريق أمراء الحرب في الصومال.
- نحن نعرف إن الزمن أضحى شاذاً بكل قيمه ومعانيه وإن تكتلات المصالح هي من تحرك المواقف في طابور التمام اليومي في يمن الحرب الآن.
- ونعرف أيضاً أن كيانات وعاهات ومرضى عديدين حملوا حماقاتهم وأحقادهم وصراعاتهم الصغيرة من الداخل اليمني إلى المملكة العربية السعودية منذ بدء انطلاق عاصفة الحزم وبدلاً من العمل مع قيادة التحالف بمسؤولية وضمير وإنسانية وحس وطني وأخلاقي من أجل نجاح المهمة التي قادها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لتعود الدولة إلى اليمن بدلاً من حكم الطوائف والمليشيات راحت هذه العقول المأزومة إلى استخدام التحالف العربي عصا غليظة لاستهداف خصومهم السياسيين، وفتح جروح وأحقاد وبعث ضغائن، ولعل التحريض على استهداف منازل لقيادات عسكرية وأمنية وسياسية ومشايخ ووجاهات اجتماعية كانت تلزم منازلها والحياد في الأسابيع الأولى لانطلاق العاصفة كان يسير في هذا الطريق.
- هي بالأصح كانت ترسم مشروعها الخاص مثلما كانت مليشيا الحوثي ترسم مشروعها الخاص أيضاً ويتفق الطرفان في ضرورة الحرب ومكاسبها وأثمانها ويختلفون فقط في المبررات والطرق والأساليب.
- قبل أيام تابعت رؤية للحل في تعز ولأنني أرى السلام أولوية ملحة وليس دق طبول الحرب في أي من مدن اليمن - والتي تدفع تعز ضريبة باهظة الكلفة - ورأيت كما عند كل دعوة للسلام هجوماً غير مسبوق ضد من صاغوها ودفعوا بها بشجاعة إلى الأرضية المجتمعية في المدينة المنكوبة، فيما ذهب آخرون إلى التبرؤ من أي رؤى أو مبادرات في تعز وكأنها مَس وخطيئة.
- حمود الصوفي وسلطان البركاني وعلي البخيتي وغيرهم كثيرون اثبتوا أنهم يحملون مشروعاً وطنياً وليس ادعاء بطولات زائفة يتقمصها آخرون، عندما نرى كيف يتعاملون مع الآخر بكل بطولات الإنكار وفقه الضرورة ومفردات التخوين والإقصاء والدروشة.
- جميع المتكسبين يلبسون أثواب الوطنية عندما يرون أي مبادرات تعارض مشروعاتهم الصغيرة وتصبح دعواتها بمثابة ثورية ووطنية وتقمص للمسئولية وادعاء وتنطع.
- أعرف أن الشرعية التي تقف عاجزة عن إيجاد الدولة في المدن المحررة ستجد نفسها قريباً وقد أصبح الذهاب إلى عدن يحتاج إلى مبادرة واتفاقات خاصة بعد أن أصبح المشهد في الشارع الجنوبي يقدم رسالة واضحة أن الشرعية أصبحت في الجنوب صاحبة الحلقة الأضعف كما هي كذلك في الشمال، وأن مشاريع التكتلات المسلحة هي من تكتب المستقبل الملغوم الذي تطل ملامحه بقوة سواء عند سلطة الأمر الواقع في صنعاء والمدن التي تحت سيطرتها أو في المدن التي تسيطر عليها الشرعية مثل مأرب.
- في الحقيقة أن كيانات مسلحة وأطرافاً سياسية هي من لها الكلمة الفصل في الجانبين وعندما تحين ساعة الصفر سنجد الشمال والجنوب تحكمه كيانات مسلحة وأن الدولة التي نحلم بها ليست أكثر من حلم وقفازات للمتاجرة بدماء اليمنيين ولابتزاز المجتمع الإقليمي والسعودية تحديداً.
- الدولة "الرخوة" كما وصفها في وقت مبكّر الأستاذ خالد الرويشان مشكلة على الجميع، على اليمنيين وعلى التحالف وعلى العالم.
- والشرعية التي تتفق مع سلطة الأمر الواقع في صنعاء في العمل ليل نهار من أجل زرع الخلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبث خطاب التحريض والدس تكون مع خصومها في دكة العبط والاستهبال والضحك أمام الآخرين.
- والطابور المتجمد الشمالي والجنوبي الذي يشوه المشهد في كل الاتجاهات هو نفسه الذي يقف ويحرض ضد أية شخصيات يمكن أن يكون لها دوراً في الحل وتعمل بصدق مع التحالف من أجل بلد يجمع شتاتنا الذي طال ومازال الأسوأ منه قادم.
- الجميع يتحدث عن السلام كلعبة في إطار العمل السياسي لكن الجميع مع الحرب التي تبقي مصالحه ويصدر القرارات التي تضمن له استمرار مصالحه في كيانات عصبوية وليس برؤية إقامة الدولة.
- قد نفهم تصرفات سلطة الأمر الواقع في صنعاء باعتبارها تحمل مشروعاً وأهدافاً ضد إقامة الدولة لكن كيف نفهم طريق الغاوين في شرعية نحلم أن تقيم دولة.
- لو كان لدينا شعور بالمسئولية وأدنى معاني الدولة لكان المؤتمر الشعبي العام وشخصيات عديدة عسكرية وسياسية وقبلية وجدت نفسها في مخنق الاستهداف والتصنيف من قبل تيار المتكسبين الذي سارع إلى بناء جدار عازل ضد أي دور يمكن أن يلعبوه، وأجزم أن تيار التكسب لديه قناعة بذلك لكنه يخشى أن تظهر شخصيات لها رؤى قد تنال الرضا والاستحسان من التحالف العربي والمملكة العربية السعودية تحديداً.
- كيف يمكن أن يحترمنا من يمدون يد المساعدة لنا من أجل إقامة الدولة ونحن نفصل كل يوم أثواب انتقام ونعلق على حبال الكذب غسيلنا المتسخ بمشاريع الأنانية والزيف والتدليس وشعارنا "ادفع مائة تسمع أغنية".
- إننا يوماً بعد آخر نصنع بأفعالنا الفشل والمعوقات أمام التحالف العربي والعالم وأمام السلام والتعايش مع بَعضُنَا.
- الجميع يتحدث عن السلام ومخرجات الحوار الوطني ويرحب بدعوات للتسوية السياسية لكن الجميع يصدر عشرات القرارات يومياً ويقدم نفسه كطرف متشبث بالبقاء على سلطته بل وتوريثها للأبناء والأحفاد والأقارب ولو على جماجم الناس وعذاباتهم وآهاتهم وأناتهم ومرضهم وحاجتهم وجوعهم وكرامتهم.
- إننا نخسر الجميع في الداخل والخارج بسبب سوء استخدامنا للكلمة. • ونخسر وطناً ونحيل أزمته إلى استرزاق طويل الأجل يفتقد للكرامة.
- وسنجد أننا بالأخير نقف في عتبات الشتات والضياع وما هو أسوأ من الصوملة وكل تجارب المتحاربين بالكون.
- سنجد أنفسنا غداً - إذا استمرينا في نفس طريق الكذب - وقد نالت إيران من الجنوب قبل الشمال وأن مأرب مشكلة توازي صعدة.
المقال نشره الكاتب في مايو 2017م