عاصفة الحزم وعواصف الإخوان

الاثنين 22 يوليو 2019 - الساعة 03:45 صباحاً

 

محاولة لفهم العلاقة المزدوجة للإخوان المسلمين في اليمن بالتحالف العربي من ناحية وارتباطهم بقطر وانعكاسات ذلك على الوضع اليمني من ناحية أخرى، بعد أربع سنوات من عاصفة الحزم وما رافقها من عواصف مضادة، عملت مبكراً على تشتيت الجبهة الداخلية لقوى الشرعية والمقاومة اليمنية.

 

نحاول هنا استقراء بدايات العواصف المضادة لا سيما الممنهجة منها والتي استفاد منها الحوثيون، وعملت على إطالة الحرب، وأخرت تحقيق عاصفة الحزم لكثير من أهدافها المعلنة، لا سيما في المناطق الشمالية.

 

ربما كان الخروج المبكر لقطر من التحالف العربي، هو بداية العواصف المضادة، والذي تبعه تغير في موقف حزب الإصلاح (إخوان اليمن) من التحالف العربي، والذي تمظهر على شكل انتقادات حادة وتشكيك بأطماع للتحالف في اليمن والتربص بالأخطاء.

 

وقد أوكل الحزب لبعض أدواته وبعض قياداته السياسية والإعلامية والتي هاجمت بدم بارد وثقيل وممنهج التحالف وشككت بدوره، في حين كانت دماء السعوديين والإماراتيين تختلط بدماء اليمنيين في كل الجبهات.

 

وبانتهازية منقطعة النظير استطاع الإصلاح أن يقسم جسمه السياسي والإعلامي إلى جبهتين: الجبهة الأولى، مع قطر وضد التحالف العربي وتحديداً السعوديهدة والإمارات.. وأصبحت تعرف بالجبهة الإخوانية القطرية التركية، وتضم إعلاميين وناشطين، وحقوقيين وسياسيين من أعضاء الحزب أو مقربين منه وبدعم قطري، وبهذه الطريقة حصل على إرضاء القطريين وضمان استمرار ضخ الدعم للحزب إعلامياً وسياسياً وعسكرياً.

 

بينما كان هناك فريق ثانٍ، أو جبهه أخرى في الرياض في خندق الشرعية والتحالف، مهمتها ضمان استمرار وبقاء الحزب على الأرض في مأرب وأجزاء من تعز.. وكذلك إقناع التحالف أن موقف الإخوان الرسمي هو موقف جناح الرياض.

 

بعد أن حاولوا قبل ذلك جاهدين إقناع التحالف أنهم قد تخلوا عن الارتباط بالتنظيم الدولي للإخوان وأن حزب الإصلاح لا يحمل من مشروع الإخوان سوى التوجهات الإسلامية بدا موقف الحزب ملتبساً ومتناقضاً، واعتقد البعض أن الحزب منقسم وأن هناك عدم انضباط قيادي، وأن هناك قنوات فضائية وسياسيين خارج السيطرة، وهو ما حاولت قيادة الحزب تسريبه؛ كي لا تقع في المواجهة المباشرة مع التحالف، وتظاهرت السعودية أنها مقتنعة أن جناح الرياض غير راضٍ عن جناح تركيا قطر، بعد لقاء القيادة العليا للحزب في الرياض بالأمير محمد بن سلمان.

 

بينما كانت الإمارات قد فهمت مكر الإخوان، واستوعبت توزيع الأدوار الذي ينتهجونه في علاقتهم بالتحالف وبقطر، واستيقنت أن علاقتهم بقطر مصيرية على الأقل في الوقت الراهن، وعلاقتهم بالتحالف تكتيكية ليس إلا.

 

لذا كانت صريحة معهم، وغير قابلة لهذا النوع من الانتهازية السياسية الفجة، وتعاملت معهم بوضوح على أنهم ذراع قطرية.

 

حينها كثفت أدوات الإخوان الدولية تصعيدها ضد الإمارات بمختلف أشكال التحريض، وانتقلت معظم قنوات الإعلام الإخوانية إلى موقف الخصم للتحالف، وأصبحت تخدم توجه إيران ومشاريعها بكل وضوح، وتطور المشهد إلى تنسيق ولقاءات سرية إخوانية حوثية وبرعاية قطرية وإيرانية، تم فيها الاتفاق على تخفيض مستوى التوتر بين الجانبين وأن التحالف عدو مشترك يمكن للإخوان ضربه من الداخل أو عدم الانجرار في كل عملياته العسكرية وإخماد الجبهات العسكرية واستنزاف التحالف بطرق عدة.

 

وربما نجحت قطر في استخدام الإخوان، وتحويل بوصلتهم ومواقفهم السابقة في الحرب والمقاومة في اليمن وتحويلهم لأداة تسير باتجاهات مختلفة ومتناقضة.. واستفادت من حشودهم لإنهاك الشرعية والتحالف خدمة للمشروع الإيراني بطريق أو بأخرى.

 

لقد شكلت الازدواجية الإخوانية في علاقاتها بالتحالف وبالقوى الوطنية بالداخل إشكالية حقيقية خلقت حالة من الضعف والترهل في الأداء العسكري والإداري والأمني، وليس من المبالغة القول إن فشل الحسم العسكري في الشمال ونجاحه في الجنوب سببه الرئيسي حزب الإصلاح.

 

ولا مجال للإسهاب بكل تفاصيل ما قام به لإفشال الشرعية والتحالف وتحويل الحرب لحروب داخلية صغيرة، وتحويل المقاومة لمشروع تكسب.. وقد نفعل ذلك في قادم الأيام مع وضع كل الدلائل وبكل موضوعية.

 

تكمن مشكلة الإخوان في جوهرها أن القضية الوطنية ليست حاضرة في الذهنية السياسية الإخوانية، فعبر تاريخها الطويل وتاريخ تنظيمها الدولي كانت الجماعة تقدس مصلحتها على المصالح الوطنية العليا، وهذا اضطرها للتورط مع أجهزة استخباراتية عالمية بريطانية وألمانية وأمريكية أثناء حرب فلسطين وأفغانستان... وغيرها.

 

وما يحصل في اليمن هو امتداد لهذه الذهنية، فقد تحول الدور الإخواني في اليمن من مساند لعاصفة الحزم إلى ثورة مضادة من العواصف والزوابع.. وتحولت الحرب إلى فرصة سانحة للإخوان لتشكيل مليشياتهم الخاصة، والسيطرة على جغرافيات صغيرة أشبه بإمارات الحرب في أفغانستان كطالبان وغيرها، ودفعت الجماعة بكل قياداتها العليا والوسطية للتكسب من الحرب بطرق مختلفة، وشكلت اقتصاد حرب، وأخذت الأموال تتدفق من الخارج للداخل والعكس، وانتشر الثراء الفاحش لقيادات إصلاحية لم تكن تجد قوت يومها وأصبحوا أمراء حرب وفتحت محلات الصرافة والجامعات الأهلية والمدارس والمستشفيات وقاعات الأفراح والمزارع، بالإضافة إلى استثمارات في تركيا وماليزيا... وغيرها.

 

كل هذه العواصف وكل مواسم التربح كان قاصماً للشرعية التي اختطفت الجماعة قرارها السياسي والإداري.

 

ومع مرور الوقت أصبح الدور الإخواني القطري واضحاً لدى التحالف، وجعل التحالف يدقق الحسابات بتسليمهم مزيداً من العتاد والذخيرة التي كانت تجد طريقها للمخازن وليس لساحات المعارك.

 

لاشك أن ذلك أثر على سير المعارك، وأصبحت بعضها وهمية كما هو في نهم ومدينة تعز وغيرها.

 

وبات من الواضح أن معضلة الإخوان كانت أهم المعضلات أمام التحالف العربي، وكانت السبب الرئيس لتأخر الحسم العسكري كل هذه السنوات.. ودخلت القضية اليمنية دوائر الصراع الإقليمي والاستقطابات المختلفة في ظل وضوح للدور القطري والتركي في المنطقة، وأخذت الأجهزة المختصة في التحالف تحاول صناعة مقاربة من نوع ما بين عدم ثقتها بالإخوان وبين وجودهم الشعبي في اليمن الذي لا يمكن تجاهله كلياً، وترك الأمر معلقاً بين العصا والجزرة، فتارة كان هناك تحذير للإخوان من ممارسة اللعب على الحبال المختلفة، وكانت الرسائل السياسية تصل عبر إعلام التحالف تباعاً للإخوان من خلال بعض الإعلاميين والسياسيين وحديثهم عن تفصيلات المعركة في اليمن والدعم المقدم على الأرض، وتقييم دور الإخوان، حيث اكتشف التحالف أن الجبهات التي سلمت للإخوان لم تحرز أي تقدم ولو طفيف مقارنة بالتي استلمها أبناء الجنوب أو السلفيون أو غيرهم.

 

وتعالت أصوات خليجية كثيرة تفضح الدور الإخواني، وتسربت معلومات عن الدعم الذي تلقوه من التحالف، لا سيما في بداية عاصفة الحزم والذي لا يوازي ما حققوه على الأرض وتم ربط خروج قطر من التحالف بضعف الأداء.

 

وكما كانت هذه الرسائل التحذيرية للإخوان، قدم التحالف بعض الترضيات والمكاسب لهم كوسيلة أخرى لإعادتهم للموقف الجاد والصواب.

 

والمتتبع لتاريخ الإخوان الطويل يجد أن البرجماتية والانتهازية كانت محور وأسلوب الجماعة في علاقتها بالآخرين، وهذا ما سبب لها انتكاسات متوالية في مصر واليمن، وغيرها من الدول التي وصلت أو شاركت فيها في الحكم أو دخلت فيها في تحالفات، حيث كانت مواقفهم سرعان ما تتغير بتغير ظرف ما، أو لأهداف استجدت في الاجندة الإخوانية سريعة الدوران.

 

ليس من السهل فك شفرة الإخوان، وإلى أين سيصلون بعلاقتهم مع التحالف، ودورهم في اليمن القادم، لكن ما هو مؤكد ومعلوم أن هناك غضباً شعبياً يمنياً واسعاً على إخوان اليمن ممثل بحزب الإصلاح، وبات لسان الشارع اليوم أن الإصلاح هو الوجه الآخر للحوثي إن لم يفُقه قبحاً.

 

وتواجه السعودية إشكالية في التعاطي مع الإصلاح، فرغم أنها تدرك خطورة الدور الإخواني في اليمن الممتد عبر الدعم والتوجه القطري، لكنها تجد أنه من الصعب المواجهة معهم لا سيما وكثير من رموزهم كانوا حلفاء تاريخيين للمملكة.

 

وتزداد حساسية موقف المملكة من الإخوان في ظل وجود علي محسن في السلطة العليا للدولة، والذي أقنع السعوديين أنه إليهم أقرب، وأنه لا يؤيد الدور القطري والسياسة القطريه عموماً، وأنه يعمل على إقناع إخوان اليمن بذلك.. ويأمل السعوديون أن يكتب له النجاح في ذلك، رغم أن كل المؤشرات لا تدل على إمكانية فك العصمة الإخوانية القطرية بسهولة.

 

وتبقى عواصف الإخوان في الجوانب الإعلامية والسياسية، وكذلك الفتور العسكري في مواقعهم العسكرية، تثير كثيراً من الزوابع، وتزيد المشهد اليمني تعقيداً، وتؤجل الحرب لأجل غير مسمى..

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس