نحن والتراث

الاربعاء 24 يوليو 2019 - الساعة 05:45 صباحاً

 

 

ليس لأمةٍ من الأمم ذات التاريخ الحضاري العريق ما للأمة العربية من تراث أدبي ومعرفي، بما في ذلك الصين والهند، وهما من أقدم الأمم وأكثرها حفاظاً على تراثها الذي لا يكاد يكون شيئاً قياساً بالتراث العربي كماً ونوعاً.

 

مشكلتنا مع هذا التراث العظيم أن الأجيال الجديدة منصرفة عنه، وكبيرة هي الفجوة القائمة بينه وبين هذه الأجيال التي تعتقد، أو بالأصح تتوهم، أن المنتج الحضاري الراهن يكفي للبناء عليه، غير مدركة أنه من الصعب أن تقوم الأمم على رجل واحدة.

 

إذ ما من أمة إلاَّ ولها مع جذورها ارتباط عميق يحفظ لها هويتها وانتماءها.

 

وكثير هم المفكرون والباحثون العرب الذين اهتموا بالتراث العربي وانشغلوا بتحليله والتعمق في محتوياته، وفي مقدمتهم المفكر محمد عبده الجابري الذي أعطى جانباً كبيراً من حياته واهتماماتها بالتراث العربي باحثاً في أبعاده الإيجابية والسلبية، ودخل في حوارات حادة أحياناً مع بعض الكتاب الذين ينظرون إلى تراثنا من منظور غاية في السلبية والانتقاص.

 

وقد أسعدني الحظ بلقاء هذا المفكر الجليل والحديث إليه والانصات إلى بعض آرائه، وحضرت له محاضرة أسعدني أن كنت من قدمها إلى الجمهور النوعي، وغالبيته من أساتذة الجامعة والشبان الباحثين، وما زال صوته يرن في أذني وما طرحه من أفكار يملأ وجداني، فقد كان واحداً من أبرز قادة الفكر في حياتنا المعاصرة وترك آثاراً خالدة في مقدمتها ما كتبه عن التراث متابعاً ومحللاً ومقيماً، وإليه يعود الفضل في شد مئات الشبان العرب إلى تراثهم من خلال موضوعيته في طرح الرأي واستخلاص النتائج من مقدمات منهجية عميقة.

 

إن تراثنا العظيم هو ملك أمتنا وأمانة في أعناق الأجيال، والتساهل في شأنه يزيد من حالة الاضطراب والتفكك الذي تعاني منه الأمة في حاضرها الذي لا يسر إنساناً.

 

ويبقى الأمل في جهد أساتذة الجامعات وطلابهم المتميزين الذين يحرصون على كل جزء من تراث الأمة العظيم ومشاهيره العظام أمثال الجاحظ، صاحب المدرسة الفكرية التراثية المتجددة التأثير، والذي كان الدكتور طه حسين يوصي طلابه بمتابعة كل ما كتبه بوصفه من الموسوعيين العرب الذين سبقوا زمنهم وكتبوا عن كل صغيرة وكبيرة، واحترموا وعي الإنسان وعقله.

 

وكان هذا الاستاذ الجليل يحرص على تدريس الطلاب كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وهو واحد من الكتب ذات الأهمية التراثية التي ما زال الباحثون المعاصرون يتعلمون منه كيف يجيدون استخدام لغتهم الخالية من الركاكة والضعف، هذا دون أن نحتاج إلى الإشارة إلى آخرين غير الجاحظ ممن يستحقون المتابعة والاهتمام والإفادة من كل ما قدموه للغة العربية وللفكر العربي منذ بداية نشأته إلى مرحلة ازدهاره.

 

إن هذا التراث العظيم جديرٌ بأن يلقى من أبناء الأمة كل ما من شأنه أن يجعله حياً ومتداولاً ودائم التأثير.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس