انقلاب اردوغان على الاخوان .. تغير حقيقي لسياسته العدائية ام مناورة لإنقاذ حكمه
الجمعه 19 مارس 2021 - الساعة 11:36 مساءً
المصدر : الرصيف برس - المحرر السياسي
بشكل مفاجئ وجدت جماعة الاخوان نفسها امام سياسية تركية جديدة تشير الى إمكانية التخلي عنها كثمن للتقارب مع خصوم الجماعة في المنطقة العربية.
حيث تلقت قنوات الجماعة التي تبث من تركيا منذ 8 سنوات توجيها شديد الصرامة بالتوقف عن مهاجمة النظام المصري، مع تلميح بإمكانية وقفها بشكل نهائي.
هذا الموقف جاء اذعاناً من النظام التركي الذي يرأسه رجب طيب أردوجان لمطالب مصر بترجمة حديثه عن عودة العلاقات بين البلدين "من أقوال الى أفعال" كما قال وزير الخارجية المصري شكري سامح.
وتوترت العلاقات بين مصر وتركيا منذ الإطاحة بحكم الإخوان عام 2013م ، وتنبي اردوجان لخطاب عدائي ضد النظام المصري ورئيسه عبدالفتاح السيسي وتحويل تركيا الى مقراً لقيادات الإخوان الهاربة ووسائل إعلامها.
8 أعوام ظل اردوجان يكرر الخطاب الإخواني المهاجم للنظام المصري ، تغيرات وبشكل مفاجئ خلال الأسابيع الماضية بدأ فيها النظام التركي بالتودد الى مصر ونظامها.
ولم يقتصر التودد التركي على مصر بل شمل أيضا دول الخليج وبخاصة الإمارات والسعودية والذي كانت علاقته معها لا تختلف عن العلاقة مع مصر بسبب تبني اردوجان لنهج الإخوان ولخطابهم المعادي لهذه الدول.
وأعلنت تركيا بأنها مستعدة لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع مصر والدول الخليجية، بحسب تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن.
ويفسر قالن سر التركيز حالياً على مصر من قبل تركيا ، حيث قال بأن "مصر دولة مهمة في العالم العربي ولا تزال عقل العالم العربي وقلبه".
وجاءت تصريحات قالن، بعد تصريحات مماثلة من وزيري الدفاع والخارجية ، حيث صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بأن "تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة"، معرباً عن ثقته بأن "تفعيل هذه القيم يمكن أن ينعكس على حدوث تطورات مختلفة في الأيام المقبلة".
ولوح خلوصي إلى "إمكانية إبرام اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع مصر في الفترة المقبلة، بما يتماشى مع اتفاق الصلاحية البحرية المبرم مع ليبيا، المسجل لدى الأمم المتحدة، على حد قوله.
ومطلع الشهر الجاري، قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي في أنقرة إن "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة".
ويرجع مراقبون سبب التودد التركي الى مصر ودول الخليج محاولة من الرئيس التركي للخروج من الأزمات التي تعاني منها تركيا وبخاصة الازمة الاقتصادية وانهيار لقيمة الليرة التركية والتي تهدد بالإطاحة به وبحزبه.
فالملف الاقتصادي مثل السر في صمود اردوجان وحزبه على السلطة منذ عام 2002م ، رغم الصراعات والأزمات السياسية التي زج بها الرجل بلاده فيها واوصلت تركيا اليوم الى حالة من العزلة السياسية.
فتركيا باتت مطوقة بالعداء من جيرانها بشكل شبة كامل ، بدأ من الجنوب ، سوريا التي يحتل الجيش التركي أجزاء منها وهو ذات الحال مع بالعراق ، وشرقا أرمينيا المخزون التاريخي من العداء لتركيا بسبب مذابح الأرمن التي نفذها العثمانيون وجدد اردوغان هذا العداء بتدخله لصالح أذربيجان بحربها لاستعادة إقليم قره باغ المتنازع عليه مع أرمينيا.
وشمال وشرق لا يختلف الحال الاتحاد الاوربي ومع اليونان التي وصلت الأزمة فيها مع تركيا الى التلويح بالخيار العسكري ، بعد تمادي اردوجان في استفزازها من خلال اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الاخوان السابقة في لييبا.
ويمتد العداء للنظام التركي الى مصر ودول الخليج وتحديداً السعودية والامارات ، بوقوف اردوجان الى صف قطر في الأزمة الخليجية الى حد ارسال الالاف الجنود وانشاء قواعد عسكرية بقطر في رسالة تحدي للسعودية على وجه الخصوص.
ورغم التبعات السياسية لهذه الازمات التي زج بها اردوجان بلاده فيه خلال السنوات الأخيرة ، الا أنها لم تأثر على بقاءه في السلطة منذ 19 عاما ، الا ان انعكاسها على اقتصاد البلاد بالتزامن مع الأزمة التي خلفها فيروس كورونا عالمياً بدأت تهز هذا البقاء وقد تحرمه من اكمال العقد الثاني على عرش تركيا.
فخلال العامين الماضين شهد الليرة التركية انهيارات تاريخية بدأت بالأزمة مع أمريكا عام 2018م على خلفية احتجاز القس الأميركي أندرو برونسون ، لتبدأ معها الليرة التركية رحلة الهبوط ، لتأتي ازمة كورونا وتفاقم لتصل الليرة الى مستوى قياسي منخفض بلغ 8,50 ليرة مقابل الدولار الواحد.
بالتزامن مع ذلك شهدت تركيا ارتفاعاً قياسياً في مستوى التضخم (ارتفاع الأسعار) ليصل الى 14,97 % أواخر العام الماضي، كما وصلت ديون القطاع الخاص التي تجاوزت 300 مليار دولار في السنوات الأربع الماضية.
ومما فاقم الأزمة الاقتصادية هو حملة المقاطعة الشعبية الواسعة للمنتجات التركية رغم عدم تبني السلطات السعودية رسيماً لها ، وتقول مصادر اقتصادية بأن صادرات تركيا الى السعودية انخفضت بنسبة 95% اواخرا العام الماضي.
وهي نسبة فادحة بالنظر الى أن السعودية تحتل المرتبة الـ15 ضمن قائمة الدول التي تصدر إليها تركيا عام 2019، حيث بلغت صادرات تركية إلى السعودية 3.18 مليار دولار.
والى جانب هذه الخسائر ، يخشى النظام التركي من تأثيرات المصالحة الخليجية على وقف الدعم المالي الذي تقدمه قطر والذي اعتمد عليه اردوغان لإنقاذ الليرة التركية عبر قيام قطر بضخ مليارات الدولارات الى البنك المركزي التركي كان أخرها ضخ 15 مليار دولار في مايو 2020م.
هذا المشهد الاقتصادي القاتم اجبر الرئيس التركي على وقف مشواره العدائي مع محيطه والدول العربية بالتحديد كما يظهر حالياً، بعد 8 سنوات من الرهان على عودة جماعة الاخوان للمشهد السياسي في الدول العربية وتحقيق حلمه بعودة الإمبراطورية العثمانية.
وهو ايضا مايجبره بوقف مشوار الخصام مع محيطه الاروبي، الذي طالب من اردوغان ايقاف الانتهاكات لبناء الثقة معهم اثر الانتهاكات التي قام بها نظامه بحق المعارضين وبعد تهدده الاخير بحظر حزب الشعوب الديمقراطية الكردي.
ومع ذلك لا يمكن الحديث بشكل جازم عن تغيير جذري في سياسية اردوجان ونظامه والانفصال عن جماعة الاخوان المسلمين، بالقياس الى نتائج المصالحة الخليجية مع قطر بعد 3 اشهر من حدوثها.
المصالحة التي ترتكز على فصل ارتباط النظام القطري بجماعة الاخوان ووقف التحريض الإعلامي ضد دول المقاطعة وعلى رأسها السعودية ومصر ، لا يبدو أنها قد حققت ذلك.
فلا يزال الاعلام الاخواني الممول من قطر - وبخاصة التابع لإخوان اليمن - مستمراً في خطابة العدائي والتحريضي ضد السعودية والامارات ومصر ، وكذلك الحال بالنسبة الى "الجزيرة" وان كان خففت قليلا منه فقط.
عدم وجود مؤشرات حقيقة على تخلي النظام القطري عن جماعة الاخوان رغم ان العلاقة بينهم لا تعد اكثر من تحالف، يجعل من الصعب الجزم بتغيير سياسية ادروجان وحزبه وهما ثمرة من ثمار التنظيم الدولي للإخوان ، ويجعل من التطور الأخير مجرد مناورة لا أكثر لتحسين وضع الرجل وحزبه في انتخابات 2023م.