الشرعية انهكتنا وانهكت نفسها
الاحد 29 سبتمبر 2019 - الساعة 05:16 صباحاً
د.عبدالقادر الجنيد
مقالات للكاتب
الشرعية أعطيناها روحنا وعقلنا وقلبنا، فأنهكت نفسها وأنهكتنا وأتمت السعودية والإمارات ما نقص من الإنهاك
أولا: نحن الشرعية
أنا أعطيت صوتي للرئيس هادي، وبحماس، يوم انتخابه.
ولو تكرر الموقف عشرات المرات، فسأثبت على موقفي وأعيد التصويت بنفس الطريقة.
لأننا نحن الشرعية.
الرئيس هادي، ما هو إلا صدفة حدثت ونحن نجري بين الأزمنة والأمكنة وتصاريف الأقدار أثناء بحثنا عن الدولة وعن الشرعية.
وهذا هو ما جاء به حظنا والقدر والنصيب.
**
ثانيا: كيف أفهم اليمن
**
أنا فهمي لليمن، واضح وبسيط ويتكون من ركنين.
أنا أفهم بأن اليمن يتراوح تاريخها بين طورين أو مظهرين:
١- طور الدولة
طور عهود استقرار وازدهار وتقوم فيها دول قوية ممتدة الأطراف مثل عهود الدول الزيادية والرسولية والصليحية والطاهرية
وفي هذه الأطوار، يختفي السيد تماما مجازيا أو فعليا داخل كهوف الجبال النائية.
- وهناك أيام "قبلها" كانت اليمن غارقة بالقلاقل والفتن تحت الخلافة الإسلامية.
تقريبا كل الولاة الذين عينهم الخليفة الأموي أو العباسي ماتوا مقتولين في اليمن
- وهناك أيام "بعدها" كانت اليمن فيها في عهدين جزء من الخلافة العثمانية.
ولم يقتل من جنود الدولة العثمانية أعداد من الجنود كما قُتل في اليمن.
- وهناك أيام، سلخت فيها بريطانيا من اليمن ما يناسبها ويناسب الطرق البحرية التي تخدم امبراطوريتها التي لم تكن تغرب عنها الشمس.
٢- طور الفوضى
وسنوات الفوضى في تاريخ اليمن، أقل بكثير من سنوات عهود الدول.
في سنين الفوضى، تتبلور اليمن إلى بؤر عصبيات سلالية وقبلية شمالية تتطفل على مناطق الرعية التي لا يوجد فيها لا "داعي" ولا "مَغْرَمْ".
وهناك علاقة عجيبة بين السيد والقبيلي، في أيام الفوضى.
أ- القبيلي
- لا يتغير من علاقته بأقرانه شيئ أيام الفوضى، ولا تتغير أحواله في عصور الدول والممالك لأنه لا يخضع لها ولا يتقيد بأوامرها إلا مرغما.
- عندما تقل الأمطار وتنعدم الأرزاق، يخرج القبيلي من بلاده من أجل "الفِيد" أي طلب القوت والرزق عن طريق الغزو واكتساب الغنائم وغالبا يكون الهدف الضحية إما عند المكارمة الإسماعيليين أو في بلاد الرَّعية أو الفلاحين.
وتكون هذه الأيام أيام انفلات، بدون دولة أو حتى إمام.
وقد يستقر القبيلي في بلاد الرعية ويصبح "نَقيلة" وجمع الكلمة هو نقائل.
- إذا كان هناك إمام وبيت مال، وكان هذا القبيلي صاحب فضل على الإمام وله دور في اختياره وتنصيبه، فإنه يذهب إليه طالبا العون والإغاثة أو "الزَّلاج".
ب- السَّيد
- سمى نفسه بنفسه السيد.
- ويقول بأن حُكْم اليمن، حق له.
- ولا يمكن للسيد أن يمشي حتى خطوة واحدة بدون الركوب فوق ظهر القبيلي، والقبيلي هو من يجعل من السيد إمام.
- ولا يمكن أن تقوم الإمامة إلا على ظهر قبيلة أو أكثر ليحاربوا أولا الأئمة الآخرين من أبناء عمومتهم الذين نصبتهم قبائل أخرى مختلفة معها في الداعي والمغرم أو قد تكون متفقة ومن نفس المحيط.
- وأكثر من قتل الأئمة هم إخوتهم أو أبناء عمومتهم من الأئمة.
- وثاني أكبر قاتل للسيد والأئمة، هم القبائل أنفسهم الذين سبقوا ونصبوهم.
- السيد، يوفر الشرعية والمشروعية للفيد والغزو بتوفير التغطية والراية للنهب والفيد تحت راية الجهاد.
- ولأنه لا يمكن أن يكون الجهاد بالشرع الإسلامي إلا على الكفار، فإنه:
أ- يتم تصنيف كل معارض للسيد أو الإمام على أنه كافر، فيجوز غزوه.
ب- يتم تصنيف المكارمة الإسماعيليين على أنهم كفار، وبدون الحاجة إلى أي عذر أو حجة.
ج- واحتار "السادة" "الأئمة"، في كيفية إباحة إعلان الجهاد على المسلمين "الشوافع" المسالمين في بلاد الرعية فتم إصدار الفتوى بأنهم كفار "تأويل".
يعني صحيح هم مسلمون ومسالمون، لكن إسلامهم مختلف عن إسلامنا، ولهذا فيجوز نهبهم.
فإن لم تكن أيام الأئمة أيام انتكاس وأيام فوضى، فما هي الفوضى؟
ج- الرعوي
بلا عصبية ولا داعي ولا مغرم.
يزدهر ويتفوق في عهود الدول وسيادة القانون، ويصبح ضحية في أيام الفوضى وتعاني مناطقه الإنفلات الأمني حتى من قبل أبناءه.
ويطلب الرعوي رزقه بالزراعة والتجارة والحرف والمهن والتعليم.
عندما تضيق الدنيا بالرعوي، فإنه يغترب ويهاجر.
الرعوي، هو المُجَسِّد لمفهوم الباحث عن التحول من درجة رعوي إلى درجة "المواطن"، بحسب التعريفات السائدة الآن.
**
ثالثا- المائة سنة الأخيرة
**
١- المملكة المتوكلية اليمنية، لم تكن من عهود الدولة اليمنية، ولكن صورة من صور الفوضى التي أخذت شكل الدولة الإقليمية مثل ما حدث في كل دول المنطقة.
٢- الجمهورية العربية اليمنية
كانت حلما لبناء دولة يمنية عصرية، ولكن تمت سرقتها بالكامل من القبيلي هو والعصبيات التي يستند عليها
٣- الجمهورية اليمنية
حققنا واحدا من أعظم أحلامنا، وهو الوحدة اليمنية.
وكنا نأمل بأنه بزخم القوى الجديدة القادمة من الجنوب، سنتمكن كلنا من الخلاص من سرقة العصبيات والمناطقية للدولة.
انتهى الصراع في دولة الوحدة، لصالح القبيلة وانتهى الأمل ببناء دولة، وأصبح نظام الحكم طورا جديدا من أطوار الفوضى والتبلور باتجاه الجملوكية.
**
رابعا- أحداث ١١ فبراير
**
- لا علاقة ل١١ فبراير بالربيع العربي.
- كانت اليمن، تغلي من آثار محاولات الرئيس صالح لتطوير هذا العهد من عهود الفوضى إلى "جملوكية" أو جمهورية يتوارثها الأبناء والأحفاد مثل الممالك.
- المغناطيس
وكانت ساحات الحرية والتغيير لاعتصامات "ثورة" ١١ فبراير، مغناطيسا لكل من عنده رفض لدولة الفوضى "الجملوكية" أو هذا الطور من أطوار الفوضى الذي يأخذ شكلاً ولباسا جديدا في اليمن كل عقد من الزمان.
- الأحزاب
اندفعت الأحزاب إلى خدمة ١١ فبراير، وأضرت به بقدر ما نفعت.
هذه كلها مكونات وتكوينات جديدة دخلت على اليمنيين، قبل عقود قليلة من الزمان.
والأحزاب، شيئ مفيد عندما يستطيعون أن يعملوا سويا وبثوابت ورؤى مشتركة، ولكنهم يصبحون إحدى بلاوي ومصائب اليمن عندما يتناحرون أو يتنافسون على مصالح ومناصب.
والأحزاب، عندما تلتهي بمصالحها وغنائمها وهواجسها فإنها تشتت اليمنيين وتصرفهم عن مهماتهم الكبرى، وتخدم أغراض أعداء اليمن.
وحتى أنهم قد يتحالفون مع من يضر باليمن، تحت دعوى أن هذا الحزب أو ذاك قد استحوذ على الغنائم وأقصاهم.
ومن حصل من الأحزاب على غنيمة فإنه لا يستطيع أن يتفهم الضيق الذي يسببه للآخرين، ولا يستطيع أن يدرك مقدار الضرر الذي يتسبب به في تفتيت وحدة صفوفهم.
وهناك عدة أوجه وعدة شخصيات وعدة نفسيات داخل كل حزبي أو متحزب يمني.
مهما غلف اليمني نفسه بالإشتراكية باليسارية أو التقدمية أو الليبرالية أو البعثية أو القومية أو الناصرية أو الوطنية أو الزيدية أو السنية أو الشيعية أو السلفية أو الشافعية، فهناك شيئ في داخله أقوى من كل هذه اليافطات التي يعلقها بحماس.
ابحث عن هذا الشيئ الذي بداخل كل يمني:
هل هو رعوي؟
هل هو قبيلي؟
هل هو سيد؟
- سكان بلاد الرعية
أملوا بالمواطنة السوية والمتساوية ووجدوا بأن ساعة الخلاص ستأتي من خلال ١١ فبراير، فأعطوه قلوبهم وعقولهم ودماءهم وأرواحهم.
- القبائل
لم يوافقوا على أن يستفرد الرئيس صالح بالمشهد هو وعياله و "الجَهَالْ"، واعتبروا بأن ما يحدث سينهي حتى مفهوم القبِيلة والقبْيلة والقبائلية.
فاندفعت القبائل إلى صف ١١ فبراير.
- في الجنوب
رأى البعض بأن ١١فبراير فرصة للخروج من عالم هذا القبيلي الشمالي الذي يستولي على كل شيئ وحتى لو كان الثمن تمزيق وتدمير اليمن وإسم اليمن وروح اليمن.
وحتى لو كان الثمن دخولهم هم في الجنوب في دوائر وحلقات مفرغة من القلاقل والفتن.
- عودة "السَّيد"
وعاد السيد
عاد السيد ومعه خبراته وتاريخه وتراثه في ترويض القبائل واستعمالها لأغراضه.
عاد السيد ومعه حلمه بأن يستعمل القبيلي كأداة للإستيلاء على بلاد الرعية.
عاد السيد، وكان قد دخل في قيادة كل حزب من اشتراكي وناصري وبعثي وقومي وإخوان مسلمين.
عاد السيد، وكان قد صاهر الرئيس صالح وتغلغل في جيشه العائلي وفي دولته العميقة وحتى كان قد تغلغل في إعدادات وتجهيزات وبُنية المرحلة "الجملوكية".
عاد السيد، ودخل بكل قوته في اعتصامات ١١ فبراير، وانتأى مكانا قصيا، مظهرا لتميزه في عالم خاص به بخيامه ولافتاته وهتافاته ومسيراته وصرخاته.
عاد السيد، ورأى الرئيس السابق صالح (الذي يُعتبر النموذج المجسم للقبيلي) في عودة السيد الحوثي ( الذي يُعتبر النموذج المجسم للسيد) فرصة لضرب كل من انجذب لساحات ١١ فبراير وبدد أحلامه.
بينما رأى السيد الحوثي في ١١ فبراير فرصة لأخذ ثأرين.
الثأر الأول من الرئيس صالح شخصيا الذي قتل أخاه.
والثأر الثاني من كل اليمن وكل اليمنيين، بالإنقضاض على ٢٦ سبتمبر الذي أنهى السيد والإمامة.
**
خامسا: مخرجات الحوار الوطني
**
أروع إنجازات ١١ فبراير.
مخرجات الحوار الوطني، بالرغم من أنها لم يكن من الممكن أن يتم انجازها، إلا بفضل أمريكا، إلا أنها أعظم مخلوقات ١١ فبراير.
مخرجات الحوار الوطني، ستنهي وإلى الأبد إشكالية العلاقة بين الرَّعوي والقبيلي والسيد.
ستجعلهم كلهم أبناء بلد واحد بنفس الحقوق والواجبات وتحت سيادة القانون.
مخرجات الحوار الوطني، هي التي ستنهي مسميات السيد والقبيلي والرعوي، وتحولهم كلهم إلى إسم واحد، وهو: "المواطن".
مخرجات الحوار الوطني، هي "الشرعية"
عندما انتخبت الرئيس هادي، أنا انتخبت مخرجات الحوار الوطني.
انتخبت انتهاء التباس العلاقة بين أفراد الوطن الواحد، بين سيد وقبيلي ورعوي.
انتخبت بداية عهد "دولة" جديدة لليمن، ولإسدال الستار على عصور "الفوضى".
**
سادسا: الحوثية؛ الانتكاسة العظمى
**
انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، انهى ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، الذي ابتدأت به الجمهورية بعد أن قلعت بالإمامة والملكية من اليمن.
٢١ سبتمبر، هو يوم عودة السيد وعودة الإمام ويوم الإنتكاس إلى الخلف.
نحن اليمنيون، قد تعثرت بنا الخطوات وعصفت بنا الأقدار ورجعنا إلى الخلف بقيادة "السيد" عبد الملك الحوثي القادم من جبال مران في صعدة وبمساعدة إيران.
والمفروض بأن من يتصدى للحوثي، هم الشرعية والسعودية والإمارات.
**
سابعا: أداء مؤسسة الشرعية
**
انهكتنا مؤسسة الشرعية، بسوء أداءها وقد سبق وكتبنا كل مظاهر وأسباب هذا الفشل.
وأنا لا أستطيع أن أنهي الشرعية، لأني عندئذ سأنهي مخرجات الحوار الوطني، وأنهي نفسي ونستمر بنفس العلاقة المشوهة بين السيد والرعوي والقبيلي، وبنفس دورات الصراع المفرغة التي تنتهي بالقهر وتخمد لتبدأ من جديد.
ويجب أن تتوقف الشرعية عن إنهاكنا بسوء أداءها.
**
ثامنا: الإمارات
**
مهما قلبتُ مواقف الإمارات وأداءها، فهي مستعصية على الفهم؟
هل تريد موانئنا وجزرنا وسواحلنا؟
هل تريد إنهاء الإخوان المسلمين عندنا؟
هل تريد تمزيق اليمن؟
هل تريد؟ هل تريد؟
أنا لا أستطيع أن أستوعب أو أفهم ماذا تريد؟
يعني ما وجدت إلا هذا الشعب المظلوم المقهور وهذه البلاد الجريحة المعرضة للتمزيق والتشرذم لتجرب فيها نزواتها ونزقها؟
على الإمارات أن تعيد النظر بما تريد في اليمن.
أو على إخواننا في الإمارات أن يتوقفوا.
**
تاسعا: السعودية
**
لن اعتذر للمتحمسين الراغبين في جلد السعودية.
السعودية، تتعرض لتهديد وجودي من قبل إيران.
وإيران، قد ألقت بكل ثقلها في اليمن في صف السيد وضد القبيلي والرعوي وهذا في رأيي هو خطر وجودي علي أنا شخصيا، وعلى وجدان وضمير ووعي كل يمني، وعلى بلاد اليمن كلها، وعلى السعودية بجانبنا.
أنا لا أستطيع أن أرى السعودية إلا متحالفة مع اليمن، وإنها يجب أن تكون كما تقول هي نفسها وبلسانها ب "أن أمن اليمن من أمن المملكة".
وأنا على يقين بأن السعودية، ترى كل هذا.
وقد كتبت من قبل عن أوجه القصور في الأداء السعودي.
وأداء السعودية الحالي، ينهكها وينهكنا معها.
وعلى إخواننا في السعودية، أن يقلبوا في جوانب القصور في الأداء ويقلبوها رأسا على عقب.
عبد الكافي ع. الارياني
2019-September-30تحليل متميز