حديث الثورة والدولة "الاستقلال المنقوص" (3)
الاربعاء 02 أكتوبر 2019 - الساعة 05:24 صباحاً
نبيل أمين الجوباني
مقالات للكاتب
هناك اعتقاد تعمل دوائر التأثير والتشكيل وقبلهما دوائر الاستخبارات العالمية إلى تسويقه لأسباب لم تعد خافية أو مخفية في صناعة الأعداء ، ويتمثل هذا الاعتقاد في أن الأحزاب الإسلامية هي الوحيدة القادرة على تقويض الديكتاتوريات العربية الفاسدة لما لها من حضور أو ثقل شعبي ، قد نتفق في الجزئية الأخيرة من ذاك الاعتقاد السائد لدى الكثيرين والمتمثلة في الحضور والحقل الجماهيري أو الشعبي ، والتي تتكئ في ذلك على عواملها المادية وطبيعتها البرجماتية الصرفة في توظيف الشعائر والمنابر ودور العبادة والتحفيظ و العواطف الدينية واستثمار التجهيل لفرض خطابها المأزوم ، أما أوجه الاختلاف في بقية ذاك الاعتقاد فإنه قد أثبت صوابيه رأينا في أن الأحزاب الإسلامية وان تمتعت بثقل بشري وجماهيري فإنها أعجز غلى التغيير المنشود هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية فإنها سعت وتسعى إلى استنساخ النظم و القيم و المفاهيم و الممارسات التي ثارت شعوبنا العربية ضدها ، و مرد ذلك إلى عوامل عدة منها رفضها للآخر ، وقد أثبتت الساحات وميادين التغيير ذلك أيام اندلاع تلك الثورات .
وثانيها فشل نماذجها في تقديم البدائل الواعية والمسؤولة والتي تعكس روح الثورة و الشراكات الثورية أو وفق المشتركات الديمقراطية التوافقية .
فهاهم الإخوان في مصر وفي أقل من عام تعمل على تجريف قيم النضال والمشتركات الثورية والاتفاقات والمواثيق المبرمة مع كل شركاء الميدان مع أول دخول اتفاقات المكونات الثورية المحكات التنفيذية لتلك الاتفاقات لينتصر الإخوان لمشاريعهم الخاصة على حساب الثورة وميادين التغيير !!
والتي تلخصها الفكرة التالية التي تختزل التفاصيل وتقطع كل قول :
( شرعية البرلمان لا شرعية الميدان ) !!
علما " بأن ثوار الميدان وقواها السياسية الثائرة هي من دفعت بهم وآزرتهم لا لتعزيز الثقة ولكن لخلق ثقافة ديموقراطية وإعلان لحالة مصالحة مع المستقبل والعصر ، ولا يخفى على أحد دلالة مصر بهكذا سلوك وممارسة ، وهو ما أصاب هذه الأحزاب الإسلامية بالغرور والنرجسيات القاتلة التي انعكست على سلوكها فيما بعد .
ومن الأسباب التي جعلت الثورة وقواها تحسن التقدير بالإخوان حجم ماعانوه ايضا من أعمال الاعتقال والتضييق في الحياة ، فكان أن بادرت قوى الثورة لتقديم نموذج للتعايش الإيجابي ، والتي جسدتها حركة كفاية لسنوات قبل الثورة في نشاطها الدؤوب ضد النظام السابق للثورة .
كما أن هذه الأحزاب الإسلامية بمجرد وصولهم للسلطة سعت إلى تجريف مؤسسات الدولة وسعت إلى اخونتها ، وتطاولت على القضاء المصري ، وسعت إلى إقامة دولتها الخاصة على حساب الثورة وقواها السياسية والمجتمع المصري ، بفتح سيناء أمام الفلسطينيين وتأجير قناة السويس لقطر وإعلانها مع غيرها من المدن المصرية ضمن هيئة مستقلة لا تخضع للقوانين المصرية !!
وهو ما يعني التفريط بالسيادة المصرية !!
بل وخلق تحصينات قانونية بإعلانات دستورية ، و بعد انتخابات تشريعية !!
تعفي رئيس الجمهورية من المساءلة القانونية !!
ولكم أن تسألوا أنفسكم لماذا ذلك !؟
وللمتشكك أو المهتم أن يرجع الي يوميات الثورة المصرية حتى انتفاضة 30 يونيو .
استطاعت الأحزاب الإسلامية في كل من تونس ومصر وحتى اليمن وليبيا من ركوب موجة الحراك الثوري ، وفيما بعد السياسي لتتبوء كراسي السلطة وتقدم أسوأ ما فيها من موروث ومكبوت وغل .
مع التسليم المسبق بأن حراك الثورة في كل بلدان ما اصطلح على تسميته بثورات الربيع العربي لم يكن أيديولوجيا " محضا" في معظم بلدان هذا الربيع ، وان كانت شرارات بعضه إن لم نقل في جميع البلدان قومي الروح والمنطلق ، وكل الجماعات والأحزاب الإسلامية كانت على تنسيقات واتفاقيات دائمة مع السلطات العربية الحاكمة فهذا ( عاكف ) مرشد الإخوان السابق يلتقي بمسؤولي ( أمن الدولة ) لرسم خارطة الانتخابات البرلمانية المصرية ، كما أن حزب الإصلاح اليمتي نشأ وترعرع في كنف نظام المخلوع صالح وأجهزته الأمنية ، ومعظم قياداته وعناصر أمنية في جهازي ألأمن ( الوطني ) السياسي فيما بعد والأمن القومي .
ما ينفي الاعتقاد بأن الإسلاميين هم القوى المؤثرة او الصانعة أو القادرة على مواجهة الديكتاتوريات في المنطقة التالي :
أن الثورة الاسلامية في إيران في أواخر السبعينات نموذجاً ليس قابلا " للتعميم بدلالة مرور نصف قرن ولم تحاكي تلك التجربة !!
والأهم هنا ثورات الربيع العربي كانت شبابية ، و لم تكن أيديولوجية ، وهذا بنفي عن تلك الأحزاب الإسلامية فكرة صناعة الثورة ، ولكن الأصح في كل ما سبق أن الأحزاب الإسلامية هي الوحيدة التي استطاعت أن تركب موجة الثورات العربية وتسطو عليها وتحرف مساراتها !!
يتبع..