جراح الإصلاح مستمرة بتعز

الاثنين 21 أكتوبر 2019 - الساعة 10:43 مساءً

 

مأساة اليمن، بكل جوانبها ترسل من يمثلها لتظهر وتجد لها عرضا في كرنفالات الفقر والإنفجار السكاني في تعز.

والآن إلى فقرات المهرجان.

*
أولا: كرنفال طارق والإمارات
*

طارق عفاش، إبن أخ الرئيس صالح، سمين وقد زاد وزنه كثير مقارنة بأول ظهور له في شبوة بعد مأساة القتل الغامضة لعمه الرئيس "الزعيم" وبعد الهروب الغامض له وهو الحارس الشخصي وقائد الحراسة.

طارق، مربي لحية نابتة طراز إماراتي، وظَهَر لابسا لزي عسكري مموه واضح من طرحته فوق الجسم أنه مكوي تمام وغالي وجديد.

وكل ما يسلم على عسكري- لابس زي عسكري غالي ومموه وجديد كمان- يسأله: "ومنين أنت؟"

وكلهم يجاوبوا باحترام.

فيرد عليهم بفخامة واعتزاز: "وانعم.. كلكم من تعز"

وبين هؤلاء الجنود من هو بلحية سلفية، ومنهم من جاء من مناطق على خلاف مع حزب الإصلاح، ومنهم من قذف به الجوع والفقر وإغواء لبس الزي المموه الإماراتي وإغراء مرتب منتظم آخر الشهر.

الفخامة في نطق طارق والخيلاء في طريقة المشي والكلام، لا تعكس أبدا انسحاب أعداد كبيرة من جنوده وضباطه من أهل مناطقه وقبائله- قبل عدة أيام- إلى صفوف عدوه الذي قتل عمه "الزعيم" ، وظهور الهاربين في قناة الحوثي الفضائية على جدار سائلة صنعاء، يحكون بسخرية عن المقلب الذي فعلوه بطارق والإمارت.

طارق، الذي كان قبل سنتين ضمن المحاصِرين المعذبين لتعز مع الحوثي وله صورة وهو منبطح فوق بندقية قناصة، وصوت عمه "الزعيم" يرن في كل أذن: "دجوهم بالجناصة"، يستعرض الآن شباب تعز الجائعين وقد ألبسهم زي الإمارات المموه ليحاربوا تحت قيادته.

يقول طارق لهم، بأنه سيزحف بهم إلى صنعاء التي فر منها هاربا.

يقول للذين كان يصوب نحوهم رصاص بنادق القناصة، بأنه اليوم قائدهم.

خلطة الزي المموه والفلوس وهروب جنوده السابقين إلى سائلة صنعاء واللحية النابتة ولحية السلفي الأطول ومجندين من مناطق على خلاف مع حزب الإصلاح، ترجح بأن طارق والممول للزي المموه، يجري بعد رقبة سلطة الأمر الواقع في شارع جمال في مدينة تعز، وليس نحو سائلة صنعاء.

هل استعراض طارق، بسبب فلوس الإمارات فقط؟
أم بسبب وقوع الإصلاح في الشراك والفخاخ؟

**
ثانيا: كرنفال معابر الحوثي البانتومايم
**

لعب بأعصاب تعز، بالرغم من أنه لم ينطق بحرف واحد.

عرض الحوثي كان صامت وبانتومايم.

تلقى رجاء من شوقي بفتح منفذ إنساني للسكان.

لم يرد الحوثي ولا ملاحيسه ولا مداليزه حتى بربع كلمة ولكنه جعل الكرة تتدحرج وهو يستمتع بصخب أهل تعز المتفرجين وهم يتابعون تدحرج الكرة فوق صخور مبعثرة تقذف بها مرة شمال ومرة يمين.

**الحوثي، في تعز

الحوثي، يحتل معظم أرياف تعز ويحتل أجزاء كبيرة من تعز ويحتل أهم شيئ في تعز وربما في كل اليمن، وهو مصانع تعز.

الحوثي، ورث تعز ودولتها العميقة.
كل من معه خلاف مع حزب الإصلاح، انضم تلقائيا للرئيس السابق صالح وبعد ذلك بظاهرة من أغرب الظواهر، ورثهم الحوثي الذي قتل زعيمهم.

الحوثي، استعمل ظروف تعز.
الخوف والفقر والجوع والإنفجار السكاني وإغواء العسكرة والكالشينكوف، أهدى للحوثي بعض من سكان تعز.

الحوثي، تلاعب بتشوهات تعز.
نحن مدنيون ورعية في تعز، وبعض عُقَّال أو متنفذي القرى، فرحوا بإغواء تسمية صالح ومن بعده الحوثي لهم بالقبائل وتسمية عقالهم بمشائخ، بالرغم من أنه لا يوجد عندنا داعي أو مغرم ولا كان أجدادهم مشائخ.

وهؤلا العقال، انضموا لصالح وورثهم الحوثي.

**صمت الحوثي المتلذذ

وراقب الحوثي بصمت تداعيات تدحرج كرة فتح المعبر.

بصمت، لم يرد الحوثي على طلب شوقي.

بصمت، جعل الحوثي "شيخا" تعزيا متحوثا يقدم عرضا بفتح معبر غراب غرب المدينة ولكنه طلب بأن يكون الإتفاق مع عضو برلمان إصلاحي يرزح أهله وأمواله تحت احتلاله.

بصمت، راقب المُعيَّن بموجب إتفاق ستوكهولم لشؤون المعبر، وهو برلماني يدعي بأنه إصلاحي ولكنه يتواصل مع وزير حوثي.

بصمت، راقب مستشار قائد المحور العسكري وهو يذهب بثوبه الأبيض وحراساته ل "يفتح" المعبر من جانبه، والذي لم يقفله هو أصلاً.

بصمت، استمتع بلحظة درامية جذبت أنظار الجمهور، وهو يتفرج على أقوى وأهم شخصية لحزب الإصلاح في تعز، وهو يفتح معبرا غير مقفول أصلا.

بصمت، راقب مجموعة من الناس يرفعون رايات بيضاء، ينزلون من من عند حوض الأشراف بلافتات تطالب بفتح معبر تكلفت شيئ من المال، ولا ندري من الذي دفع قيمتها، واعتصموا لساعتين عند عقبة المدرج (منيف)، وعادوا لوجبة الغداء مع شربة ماء وورقة قات جاءت مع اللافتات واليافطات.

بصمت، راقب جريفثس وهو يشيد به في إحاطته لمجلس الأمن ويشيد بنفسه لأن كل هذا الكلام عن فتح المعابر، قد جاء في اتفاق ستوكهولم.

بصمت، راقب صمت أهل تعز وهم ينسحبون بصمت من عرض فقرة المعبر في كرنفال تعز.

بصمت، استمتع الحوثي وتلذذ وهو صامت.

هل هي مهارة الحوثي؟

أم ظروف تعز من فقر وجوع وانفجار سكاني؟

أم أخطاء حزب الإصلاح الذي لم يستطع جذب أبناء عمومته والمخالفين لأقطاب الحزب مناطقيا وأسريا وليس حزبيا أو دينيا؟

أم عدم قدرة حزب الإصلاح- وهو الأكبر والأقوى- على التعامل مع الأحزاب الأخرى؟

أم فشل رئاسة وحكومة هادي ودول التحالف في إدارة المناطق المحررة؟

المؤكد، هو أننا نبهنا وكررنا المرة تلو الأخرى، بضرورة الالتفات لملفات المتحوثين في المناطق المحتلة، وصيحنا المرة تلو الأخرى على عدم السماح للصراعات الحزبية والمناطقية بالاستفحال.

ولكن استمرت جهات عديدة بنصب الشراك والأفخاخ.
واستمروا هم بالوقوع في نفس الشراك والأفخاخ، في كل مرة.

**
ثالثا: كرنفال قطر
**
من الذي دعى كل فقراء وجوعى تعز الذين أغواهم السماسرة والدلالين والقماطين بالعسكرة في الحد الجنوبي للسعودية تحت قيادة الملتحي السلفي رداد الهاشمي؟

ومن هم هؤلاء الدلالين والسماسرة والقماطين، الذين يغوون الجائعين من أبناء تعز ويقودونهم مثل الكباش إلى مصيرهم البائس وهم غير مدربين وتحت قيادة من لا يفهم في الحرب ولا العسكرة؟

ومن الذي يدفع مصاريف ومرتبات، ويعيد تجنيد العائدين الناجين من مجزرة وادي جبارة في صعدة ويضيف لهم ما تيسر من فقراء وجوعى تعز ويقذف بهم إلى مارب؟

هل كانت تعز ناقصة تناقضات، لندفع بها إلى أتون التناقض والصراع الخليجي؟

هل من الضروري أن نتشظى أكثر بين قطر والسعودية والإمارات؟

هل المصالح الشخصية والمكاسب والغنائم وحتى الفوائد التكتيكية والاستراتيجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، تستحق أن نرجم بأنفسنا تحت هذا الاستقطاب ونزداد نحن بالتشظي والتشرذم.

هذا التجنيد وهذا الاستقطاب، يحدث في مربعات تحت نفوذ حزب الإصلاح، ولم نسمع له أي صوت ولا أي معارضة.

ويجب أن نعرف رأي حزب الإصلاح بهذا، لأنه يتم استهدافه بسبب هذا ويتم استهداف تعز بسبب هذا، ونحن من ندفع ثمن هذا الاستهداف والاستقطاب.

**
رابعا: كرنفال الحقوقيين
**

حزب الإصلاح، هو سلطة الأمر الواقع في تعز لحوالي خمس سنوات.

كل من تطول مدة حكمه، يمله الناس ويتمنون الخلاص منه بحق أو بدون حق.

فما بالك من مكان تحت الحصار والقصف والقنص، ومن يحكمه عاجز عن الرد والتحرير؟

وما بالك من مكان، به فشل ذريع في إزالة القمامة والمجاري من الشوارع ودمر الخدمات في المستشفيات وغابت منه المدارس وكل الخدمات؟

وما بالك من مكان تختفي فيه الإيرادات وتنتشر فيه الإتاوات لمصلحة النخب والمسؤولين والقيادات؟

وما بالك من مكان به انفلات أمني وقتل في وضح النهار في الشوارع وداخل المستشفيات، ولن أذكر الاغتصابات لأوفر على نفسي الإنكارات؟

وما بالك من مكان لا نعرف كيفية تشليح مؤسسة الكهرباء واستيلاء نافذين على تجارة التزويد بالكهرباء، ودخول المناصب في تجارة التعليم الجامعي، وفي توزيع الحصص والمكاسب؟

وما بالك من مكان طارد لكل محافظ؟

نعم، نعرف بأن الحقوقيين- حتى في يوم عادي- لن يعجبهم حزب الإصلاح بخطبه وطرقه وأساليبه وأهدافه، ولكن التصرفات والزلات والسقطات والأخطاء والخطايا، التي تحدث في مربعات حزب الإصلاح في الخمس سنوات الماضية، لا يمكن أن ترضي أي أحد.

وسيوافق الرأي العام التعزي واليمني على ما يقوم به الحقوقيون في المحافل الدولية، حتى ولو كان هذا يبهج الحوثي ويجعلنا على نفس المستوى في المُثُلْ الأخلاقية العليا.

حزب الإصلاح، مكبل بعلاقات مناطقية وأسرية وحزبية ومذهبية ولا يستطيع أن يضبط أو ينقذ سكان تعز من اعتداءات المعتدين.

ويقول حزب الإصلاح: هؤلاء ليسوا منا ونحن لسنا منهم.

وهذا، غير صحيح.

وحتى إذا كانوا ليسوا منكم، فأنتم سلطة الأمر الواقع وأنتم الذين عليكم مسؤوليات الأمن والحماية وتقديم الخدمات الأساسية، ولن نذكر التحرير.

نبهنا وكررنا من قبل، أنكم تجمعون الخصوم وتربون الخصومات، ويجب ألا تستهينوا بضعفهم- كما استهان من قبل الرئيس صالح- فيوما بعد يوم سيتراكمون ولن تستطيعوا شيئا كما عجز صالح من قبل.

قوة الإصلاح- هي فقط- عندما يكون منسجما مع كل الأطياف الأخرى، وعندها نستطيع أن نستفيد من قوته.

إذا تناقض حزب الإصلاح مع الآخرين، اجتمعوا كلهم- على ضعفهم- وانهكوه وضيعوه كما عمل هو من قبل مع الرئيس صالح وكما حدث في السودان وفي مصر لأحزاب الإخوان.

المشكلة عندي شخصيا، هو بالرغم من أني لست مع حكاية الأحزاب الدينية- إلا أنه إذا سقط حزب الإصلاح فسنفقد أحد حوائط الصد في مواجهة الحوثي وإيران.

نفس الشيئ بالنسبة لموقفي من التدخل السعودي في اليمن.

لا يعجبني كل ما عملته السعودية مع اليمن طوال المائة السنة الماضية، ولا يعجبني الكثير من أداءها العسكري والسياسي في الخمس سنوات الماضية.

ولكن في الخمس السنوات الماضية نحن - السعودية واليمن- نتعرض لتهديد وجودي، ويجب علينا أن نواجه الحوثي وإيران.

وإذا انسحبت السعودية- كما انسحبت الإمارات، فسنفقد كل حوائط الصد ضد الهجوم الحوثي الإيراني.

يجب علينا كلنا تقويم حزب الإصلاح والشرعية والسعودية- حتى ولو بصرامة- لأننا سنضيع إذا ضاعت قوة الإصلاح والشرعية والسعودية.

حزب الإصلاح، يجب أن يتغير جذريا.

حكومة الشرعية، يجب أن تتغير جذريا.

إعادة ضبط العلاقة مع السعودية يجب أن تتغير جذريا.

**
خامسا: كرنفال لبنان والمزز
**

فقراء جوعى وتحت القنص والقصف، ومتمسمرون أمام نشرات الأخبار للفرجة بانبهار على ثائرات لبنان الجميلات.

أنا تعلمت من وقت مبكر، بأنه إذا كل الناس أعجبهم شيئ وأبهرهم، فإنه لا يجوز استهجانهم ولا التعالي عليهم ولا السخرية منهم.

ممكن التفكر والتأمل والتعجب على طبائع الإنسان وخصائل البشر ، ولكن لا يجوز التنقيص من قدر المنبهرين.

ملاحظة بسيطة فقط، قبل أن أنهي مشاهد كرنفال لبنان.

أحب أن ألفت نظر أهل بلادي بأن هذا الكرنفال اللبناني، ليس كل المشهد.

زرت لبنان مرتين، أيام العز، في ١٩٧٢ و ١٩٧٣، ورأيت هذا الجمال وهذه الأناقة وهذه اللياقة والطعامة وهي في عزها وأنا في عز شبابي، وكانت كلها كانت مارونية وأرثوذكسية وأرمنية.

في حي البسطة وأحياء السنة، كن كلهن محجبات يطأطئن بأنظارهن إلى الأرض، حتى قبل ما يسمى بالصحوة الإسلامية.

أما الشيعة، فكانوا كأنهم من كوكب آخر في التزمت والعزلة والإنطواء.

وحسن نصر الله، إذا قرر أن ينزل إلى الشارع-كما يهدد الآن- فستشاهدون أمواجا هادرة من المحجبات الصارخات الزاعقات بدلا من المارونيات المتأنقات.

وعندها سينتهي كرنفال المزز وانبهار فقراء وجوعى اليمن.


#من صفحة الكاتب على الفيسبوك

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس