من قتل عدنان الحمادي؟

الخميس 05 ديسمبر 2019 - الساعة 06:22 صباحاً

 

 

 

في البدء أقول إن ظروف مقتل العميد عدنان الحمادي ليست واضحة بتفاصيل مقنعة تضع حداً للصراع حول ملابسات الحادثة والمستفيدين منها.

 

إن نظرية البحث عن المستفيد تكون عادة مبنية على فرضيات غير ثابتة وغير موثقة، وفي الأغلب تكون مستندة إلى مشاعر وعواطف وأحزان، لكنها لا تقيم أدلة قاطعة تكشف الوقائع.

 

هنا يجب علينا أن نتذكر عدة حقائق جعلت من مقتل العميد الحمادي مادة ملتهبة تمنع الكثيرين من التفكير بهدوء بعيدا عن نظرية المؤامرة التي لا أنفيها لكني لا يمكنني أن أنجر خلفها دون تحقق ويقين.

 

الحقيقة الأولى: في بدايات المرحلة الانتقالية سألت مقربا من الرئيس هادي وكان يمسك بملفات التعيينات في القوات المسلحة، عن سبب عدم وجود أي قيادات في المواقع العسكرية العليا من الضباط المنتمين لمحافظة تعز، كان جوابه سريعا أن ليس من أبنائها العسكريين إلا عددا قليلا من ضباط الرتب العليا في القوات المسلحة وأن أغلب الموجودين هم قادة وحدات ضمن الألوية المختلفة.

 

الحقيقة الثانية: أن عملية استبعاد الضباط من محافظة تعز عن المواقع القيادية بدأت بعد أحداث أغسطس 1968 ومباشرة إثر مقتل النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، وكان المبرر لتصفية الجيش منهم حينها أنهم "مسيسون أكثر من اللازم" كما ذكر لي أحد الذين عاصروا تلك الفترة.

 

الحقيقة الثالثة: أن سياسة استبعاد أبناء تعز من المواقع القيادية في القوات المسلحة استمرت في العهود التي تلت الخامس من نوفمبر 1967 وحتى الآن.

 

الحقيقة الرابعة: أن أبناء تعز يشعرون بأن تضحياتهم من اجل الجمهورية ثم في حروب الدولة جميعها لم يقابلها امتنان ولا تقدير، بل إنهم أحسوا –عن حق– بأن أبناء المناطق الأخرى القبلية بالذات أخذوا نصيبا أكبر في حصص توزيع المناطق العسكرية والالوية.

 

الحقيقة الخامسة: أن تعز لم تحظ بقائد عسكري منذ الشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب يملأ مخيلتها الوطنية وخاصة عند الشباب الذين لم يعاصروا زمنه، حتى جاء العميد الحمادي ليصنع مجدا عسكريا وطنيا جديدا، انتشر صيته من خلال ما قدمه من تضحيات وصبر وعزيمة والتزام بالشرف العسكري، والأهم من ذلك حس الانتماء للدولة اليمنية وواجب الدفاع عنها دون ارتباط ولا انتماء حزبيين.

 

الحقيقة السادسة: أن العميد الحمادي كان يشعر، كما أخبرني في رسالة موثقة، أنه ملتزم من أجل الحفاظ على وحدة تعز وكتب (تعز كما تسمع تحتاج تكاتف أبنائها لانتشالها من كارثة محاولة السيطرة على كل مفاصل الدولة وفي نفس الوقت منع أي محاولة للسيطرة على الحجرية. لا بد من حراك سياسي يوازي الجانب العسكري في الحجرية والتعاون لتخليص تعز والعمل بكل الجهود لتحرير ما تبقى من مناطق تعز تحت سيطرة الانقلابيين)..

 

كان العميد الحمادي يريد التعاون مع الجميع من أجل تعز، وكتب لي (أنا على تواصل مستمر مع الكثير من القيادات من أبناء تعز في الخارج والداخل ومع كل الاتجاهات السياسية والشخصيات الاجتماعية).

 

الحقيقة السابعة: تحدثت معه عن إحجام بعض الشخصيات القيادية في تعز في إعلان موقف صريح تجاه محاولات الانفراد بقرارها، فكان رده (عليك أن تدفع بقوة وأن تكسر حاجز الخوف عندهم، لأن هذا التخوف سيكون كارثة. شجعهم أخي الحبيب على عدم الرضوخ والضعف من أجل المناصب).

 

الحقيقة الثامنة: سـألته عن حقيقة تسريح ضباط وأفراد الجيش النظامي، فأجاب: (هناك الكثير من الضباط والصف والأفراد من أبناء تعز من الجيش السابق تم ضمهم واستدعاؤهم من قبل الوحدات، بس الإدارات المتحكمة لم تضمهم علـى الراتب أو علـى القوة وتركوهم دون أي حلول في البيوت.

هذا جرم بحق قدامى الجيش السابق من أبناء تعز).

 

الحقيقة التاسعة: أن ليس في تعز حاليا من الشخصيات الحاضرة في المشهد السياسي من يستطيع أن يكون بمقام شخصياتها التاريخية ومرجعياتها الوطنية.

 

الحقيقة العاشرة: أن التلميح بارتباط عدنان الحمادي بإحدى دول التحالف هي تهمة لا تليق بمن يتحدثون عنها، لأنه في الأصل ضابط في القوات المسلحة تعامل مع نفس مصادر دعم الدول التي استدعاها الرئيس هادي، وهي كذلك من دعمت كل المليشيات التي صارت منفلتة، بينما ظل هو متمسكا بالتراتبية العسكرية وملتزماً بتقاليد الجيش.

 

كما أن كل مكونات الشرعية وشخصياتها والمليشيات تتلقى دعما مباشرا وغير مباشر من هذه العاصمة او تلك.

 

كان عدنان الحمادي قادرا على جمع أبناء تعز، لكن الذين استسلموا في السابق والحاضر لمتعة المنصب ومباهجه ومواكبه ومخصصاته المالية أو الذين عملوا لمصالحهم الشخصية أو خشوا على أموالهم وممتلكاتهم وأعمالهم الخاصة.. ان كل هؤلاء هم الذين قتلوا عدنان الحمادي وتخلوا عنه وتهربوا من تحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية.

 

مقتل الحمادي يدق جرس الخطر الأخير أمام أبناء تعز، ولا يعتقد أحد من أصحاب المصالح والمناصب أن صمتهم سيمثل نجاتهم من مصيرهم المحتم بالاحتقار في أعين الناس.

 

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس