خطاب التكفير يتصدر منابر بعض مساجد تعز.. عودة سيناريو حرب صيف 94
الاربعاء 09 أغسطس 2017 - الساعة 11:47 مساءً
المصدر : متابعات خاصة
نشرت صحيفة "العربي الجديد" بعددها الصادر اليوم الأربعاء تقريراً مطولاً حول عودة خطاب الجماعات التكفرية الذي ظهر في تعسينات القرن الماضي مجدداً اليوم.
وتناول التقرير انتقال انتقل، الخطاب التكفيري الذي يستهدف بعض قوى الشرعية، إلى منابر المساجد في مدينة تعز،كما انتقل سيناريو الاغتيالات خلال الأسابيع الماضية.
وذكر التقرير أنه خلال الأسبوعين الماضين ألقيت خطب تكفيرية في عدد من مساجد المدينة وتم فيها تكفير الناصريين والاشتراكيين والبعثيين، الذين يشكلون قوى اليسار اليمني.
وأثار ذلك استياءً في أوساط الإعلاميين والحقوقيين الذين اعتبروا ما يجري مؤشراً خطيراً على انتشار الفكر التكفيري في المدينة التي توصف بأنها حامل المشروع المدني في اليمن. وبحسب التقرير، أنه وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدت تعز جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي..
بعد خطبة جمعة ألقاها خطيب يدعى الشيخ محمد الذبحاني، ويتبع لكتائب "حسم"، إحدى فصائل المقاومة الشعبية من التيار السلفي، في أحد مساجد مدينة تعز.
وفي هذه العظة،قام الذبحاني بتكفير الناصريين والاشتراكيين والبعثيين والعلمانيين.
وحرّض ضد قوى اليسار وضد المنظمات التي قال إنها مدعومة من دول أجنبية، داعياً السلفيين وحزب "الإصلاح" الذي يمثل "الإخوان المسلمين" في اليمن، إلى "نبذ الخلافات والتوحد لمواجهة قوى الرافضية واليهودية والنصرانية والعلمانية" على حد تعبيره.
هذه الخطب التي جاءت متزامنة في أكثر من مسجد بتعز، استجاب لها أنصار الجماعات المتشددة وبدأت حملات المضايقة ضد ناشطين وطلاب جامعيين بتهمة حملهم للأفكار الغربية والعلمانية والتي تتنافى مع القيم الإسلامية.
وتعرض ناشطون شباب للتهديد من قبل مسلحين في حال استمرارهم بحمل هذه الأفكار.
في هذا السياق، يقول الطالب الجامعي شهاب الهويش، لـ"العربي الجديد"، إنه فوجئ عقب الخطب التكفيرية، برفض أحد زملائه في الكلية الحديث معه واشترط عليه أن يتوب من الأفكار الغريبة التي يحملها وطالبه بأن يجدد إيمانه، متهماً إياه بالعلمانية.
وقال مدير مكتب الأوقاف والإرشاد، الذي يعد الجهة الرقابية على الخطاب الديني في منابر المساجد بتعز، خالد البركاني، في معرض رده على تساؤلات صحيفة "العربي الجديد"، أنه "سيتم التواصل مع الخطباء وتنظيم ندوة موسعة لهم لنقاش مثل هذه الظواهر، والخروج بميثاق شرف يلتزم به كافة الخطباء"، وفق تأكيده.
ورأى متابعون للشأن اليمني أن هذه الحوادث تزيد من حجم المخاوف من أن يتمكن المتشددون والمتطرفون من التغلغل داخل المجتمع واستقطاب الكثير من الشباب للانضمام إلى صفوف الجماعات المتشددة، خاصةً مع حالة الغياب شبه التام للدولة وكذلك في ظل الوضع الاقتصادي السيئ، بالإضافة إلى حالة الفراغ التي يعاني منها الشباب، ما يجعلهم فريسة سهلة لاستقطاب الجماعات الإرهابية.
ومن وجهة نظر هؤلاء المتابعين، يُعَدّ الدين من أخطر الأسلحة التي يتم استخدامها في تأجيج الصراع وتفتيت النسيج الاجتماعي لمجتمع يوصف بأنه متدين ومحافظ كالمجتمع اليمني، نظراً لحالة التقديس التي يحظى بها الدين في هذا المجتمع، بالإضافة إلى حالة الإجلال والإكبار التي يحظى بها رجال الدين، ما يجعل الفتاوى الصادرة عنهم ذات أثر كبير في تغيير قناعات وأفكار العامة.
ولا شك في أن حالة الجهل والفقر المنتشرة في المجتمع تزيد من ظاهرة تأثير الخطاب الديني المتطرف.
وفي نفس السياق تحدث رجل الدين، عمر دوكم، وهو أشهر الخطباء في تعز ويتميز بفكر معاصر، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن ظاهرة التكفير هي أحد تجليات الفوضى التي تعيشها المجتمعات العربية في جميع المجالات، وهي أيضاً حالة من حالات الإسقاط المجتمعي للاستبداد الذي تعيشه هذه الشعوب.
وتساءل "هل ننتظر من مجتمع مورِسَ تجاهه القهر والعنف بشتى صنوفه أن ينتج الديمقراطية المجتمعية مثلاً أو الحرية الدينية؟".
وبالنسبة له، فإن "الاختلاف محرّم، والمختلف مجرَّم، حتى على مستوى نفس الحزب أو الجماعة أو الإيديولوجية أو الطائفة". وأضاف أن "كل تلك الألوان من الاستبداد، إن صح التعبير، هي الوجه الثاني لعملة يستخدمها الحاكم؛ وجهها الأول الاستبداد السياسي، فثقافتنا السائدة هي مصادرة الآخر أياً كان هذا الآخر، إقصاؤه من المشهد، وهذه الثقافة الإقصائية لا ينفرد بها التكفيريون".
وتابع أن الوجه الثاني يتمثل بـ"التكفير وهو من أخطر أشكالها ومن أكثرها صخباً وضجيجاً، وسبب ذلك أنه أكثرها إثارة للصدمة في وجدان الناس، لأنه يتوسل طابعاً دينياَ ولا يخفي وحشيته.
بل صارت وحشيته وقسوته إحدى وسائله للتعبير عن نفسه"، وفق قول دوكم. ويختم دوكم حديثه لصحيفة، بأن "تحويل الصراع من سياسي إلى ديني ليس خطيئة محصورة في التكفيريين؛ بل هو موقف شبه عام تتسم به خطاباتنا التعبوية اليوم؛ بل يقع فيه الكثير من السياسيين وموجهي الرأي العام.
وهذا من شأنه بالتضامن مع الخطاب التكفيري، أن يعمق التناحر والحروب المستدامة، وفي اليمن سيضمن استمرار الحرب حتى لو حلت سياسياً"، بحسب تعبيره. ولا تُعَدّ ظاهرة استخدم المنابر والخطاب التحريضي في الحروب، وليدة اللحظة في اليمن الذي صار بيئة خصبة للفكر الوهابي منذ ثمانينيات القرن الماضي،(طبقاً للصحيفة)، حين تم تجنيد الآلاف وإرسالهم إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي وبتمويل سعودي ليتحولوا لاحقاً إلى ما بات يعرف بالأفغان العرب والذين تشكلت منهم معظم الجماعات التكفيرية.
وأشارت الصحيفة أنه "في حرب صيف 1994، التي شارك فيها "المؤتمر الشعبي العام" وحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، ذو التوجه الإسلامي، كحليف له، اجتاح هذا التحالف جنوب اليمن. وهناك ركّز حزب "الإصلاح" بشكل رئيسي على إرسال قياداته ومشايخه إلى المعسكرات لإلقاء الخطب التحريضية تحت غطاء الدين، والتي تدعو للجهاد ضد الاشتراكية والشيوعية.".
وذكرت أنه في تلك الحرب أصدر بعض هؤلاء المشايخ فتاوى تكفيرية ضد الجنوبيين.
ومن أشهر أصحاب فتاوى الحرب في عام 1994، القيادي في حزب "الإصلاح" عبد الوهاب الديلمي، الذي قال في فتواه "إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو أحصينا عددهم لوجدنا أن أعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والأعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا فعل ما فعلوه في تاريخهم الأسود طيلة خمسة وعشرين عاماً، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم أعلنوا الردة والإلحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه".