ما بعد طعم مرارة نِهْمْ
الثلاثاء 28 يناير 2020 - الساعة 03:57 صباحاً
د.عبدالقادر الجنيد
مقالات للكاتب
طعم المرارة، أكاد أحسه فعلا في فمي.
طعم مرارة الهزيمة.
أولا: هل كانت هزيمة؟
أرسل لى مغرد تويتري حوثي فيديو لأبو علي الحاكم- قائد المخابرات العسكرية للحركة الحوثية- وهو يضحك مع مسلحين قبليين أمام دكان مقفول عليه يافطة "مطعم ومخبازة فرضة نهم".
وأرسل لي صديق نفس الفيديو إلى الواتساب.
وكنت قد شاهدته في الوسائط الاجتماعية، بنفسي، قبل أن يرسلوه مثل ما شاهدت عدة فيديوهات حوثية أخرى.
- إن لم تكن هذه هزيمة، فما هي الهزيمة؟
- هل تفضلون أن نقول بأن المعارك "كر و فر"؟
حسنا، هذا كان "فر"، ونحن ننتظر "الكر".
- أم تريدون أن نبقى على ما قاله وزير الدفاع المقدشي، بأنه "انسحاب تكتيكي"؟
حسنا، مؤكد بأنه إنسحاب، ولكننا لا نرى أي شيئ فيه له علاقة بالتكتيك.
- وما هو الأفضل، أن نسمي استيلاء العدو الحوثي على فرضة نهم ومفرق الجوف من أيدي قواتنا بإسمه الحقيقي وهو الهزيمة أم نضيع ونتوه ولا نعرف ما الذي حصل؟
...نعم، إنها هزيمة.
ثانيا: حجم الهزيمة
هناك الكثير من التحليلات عن أهمية حيازة الحوثي لفرضة نِهْمْ ولمفرق الجوف، وعن فداحة خسارة الشرعية والجيش الوطني من الناحية العسكرية، على المدى القصير والمدى الطويل.
ولن نتأكد من هذا الجانب إلا في خلال الأسابيع القادمة والسنين القادمة.
فهي خبوت وبراري جدباء وغير مكتظة بالسكان وبلا موارد طبيعية ولا مزارع.
وعند متابعتي لكل الصحافة العالمية، لا يذكرها أحد.
الانكسار المعنوي
*
لكن حجم الهزيمة، من الناحية النفسية كبير، فقد أرهف كل أهل اليمن السمع لكل همسة ولكل خبر يأتي من فرضة نهم وتعلقوا بالأمل بأن تقدم لهم الشرعية والجيش الوطني شيئا يسرهم- ولو لمرة واحدة- في هذا الضياع الكبير الذي يعيشون داخله للسنة الخامسة من حربها مع الحوثي والسنة التاسعة لصراعهم مع العهد السابق.
وأنت لا تستطيع أن تجبر خاطر من انكسر معنويا بالكذب عليه أو بالمواعظ.
لكن الصراحة والفهم والعمل، قد يساعد.
ثالثا: أسباب الهزيمة من جانب العسكريين
دائرة التفتيش العسكري وربما حتى القضاء العسكري، هم من يجب أن يتولوا البحث عن أسباب الهزيمة بطريقة مهنية وحرفية ونزيهة وبدون الوقوع تحت سقطة الولاء الحزبي أو الشللي أو الارتهان للقادة الذين عينوهم في مناصبهم.
ولكن من متابعتنا اليومية لكل صغيرة وكبيرة في بلادنا على مدار الساعة، فإننا يمكن أن نجتهد في رصد معالم الطريق إلى هزيمة فرضة نِهْمْ.
والآن، لنحاول نحن الخوض في أسباب الهزيمة:
١- سحب قوات من نِهْمْ ومارب إلى شبوة لمواجهة المجلس الإنتقالي.
*
أ- انقلاب المجلس الإنتقالي، تتحمل مسؤوليته الإمارات وقيادات المجلس الإنتقالي من الضالع ويافع.
هؤلاء، سببوا لليمن آلاما مبرحة ومزمنة وأضعفوها فوق ضعفها، وشتتوا انتباه اليمنيين عن المعركة الأصيلة.
ب- قرار نقل القوات من نِهْمْ ومارب، يتحمل مسؤليته الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن والقائد السعودي المتواجد في مارب وقيادة العمليات المشتركة.
هؤلاء كان المفروض بأنهم يعرفون بأن الحوثي يرصدهم ويعرف أخبارهم أولا بأول، وأنه لا بد وأن يحاول أن يستفيد من هذه الفجوة وهذه الفرصة.
وكان المفروض أن يتحسبوا لاحتمال أن ينتهز الحوثيون هذه الفرصة وينقضون على فرضة نِهْمْ.
٢- فراغ المعسكرات
*
وزير الدفاع المقدشي، في تصريح رسمي قال:
"٧٠٪ من الجنود، بيلووا في الشوارع"
يعني جنود اليمن، يصيعون ويتصعلكون في الشوارع.
ووزير الدفاع، انقلب إلى شاكي باكي مثل عموم الناس.
(بدون تعليق)
ويجب التخلص من هذا الوضع.
٣- الأرقام الوهمية
*
هذا الفعل، هو أحد مخلفات النظام السابق.
يتم ضم الآلاف من الأسماء الوهمية لكشوف مرتبات الجيش ليلهفها القادة، أو أسماء الأطفال وأهل القبيلة والبلاد والشلل والأصحاب والأحزاب الذين لا يعرفون طريق المعسكر ويستلمها المتنفذون نيابة عنهم.
ويجب التخلص من هذا الوضع.
٤- غياب القادة
*
محافظ الجوف، أصدر قرارا بتكليف ضابط بتولي قيادة المنطقة العسكرية السادسة بسبب غياب قائدها اللواء هاشم الأحمر.
قائد منطقة عسكرية يغيب عن عمله أثناء الحرب بصفة عامة وأثناء اشتعال جبهات نطاق سيطرته وعملياته.
(بدون تعليق)
ويجب التخلص من هذا الوضع.
٥- العناية بالروح المعنوية للجنود
*
الجندي، يحتاج لأن يحس بأن الضابط والقائد بجانبه في الخندق، وبأن هناك من يعتني بأكله وشربه (وفي اليمن بقاته)، ومرتباته، وأجازاته، والجرحى من رفاقه.
والمعلومات التي تصلنا بأن الحال أفضل في صفوف الميليشيات الحوثية والميليشيات التي لا تتبع الشرعية، من الأحوال في صفوف الجنود التابعين للجيش الوطني الشرعي.
ويجب التخلص من هذا الوضع.
٦- الفساد
*
خطورة الفساد، ليست فقط في حجم الخسارة من الفساد الكبير.
خطورة الفساد- حتى الصغير- هي في تدميره للثقة والولاء في نفوس الأفراد المقاتلين.
عندما يحس الفرد المقاتل بأن هناك من يتاجر بسلاحه وذخيرته وتموينه وحتى أشياءه الصغيرة، تضيع الثقة وينعدم الولاء.
وبدون ثقة الجندي وولاءه لقادته العسكريين والمدنيين- الصغار والكبار، المباشرين القريبين والبعيدين- يضيع كل شيئ.
ولا يشتكي اليمنيون- فقط- من فساد وإثراء قادتهم.
ولكن يشتكي أيضا السعوديون من فساد القادة اليمنيين.
لدرجة أن السعوديين، صاروا إذا قرروا الاستجابة لطلبات أحد قادة الألوية أو المحاور أو المقاومة بالذخيرة والسلاح لتسخين جبهاتهم، فإنهم يعطونهم حفنة مليارات من الريالات ليشتروا بها من "بسطات" أسواق السلاح، سلاحا أو ذخيرة كانوا قد حصلوا عليها أصلا في وقت سابق من المملكة وباعوها أو احتفظوا بها في مخازنهم.
ويجب التخلص من هذا الوضع.
٧- نداء "النفير" لنائب الرئيس
الجنرال علي محسن، غرد في التويتر يطالب القبائل والوجاهات بالخروج لمواجهة الحوثيين، لأن الحوثي يلطم الوجاهات والمشائخ الذين تعاونوا معه.
(هل يذكرهم بلطم أبو علي الحاكم أو غيره للشيخ مجاهد القهالي أو الكهالي؟ أم بملاطيم أخرى لا نعلمها)
الجنرال علي محسن، هو أقدم جنرالات اليمن، وهو المسؤول عن بناء الجيش الوطني وهيكلته وتسليحه وتحديد نطاق عملياته، وكل ما استطاع أن يقدمه ونحن نتلقى هزيمة فرضة نِهْمْ، هو هذا "النفير".
(بدون تعليق)
ولكن يجب التخلص من هذا الوضع.
رابعا: أسباب الهزيمة من جانب المدنيين
نعم، والمدنيون مسؤولون عن هزيمة نِهْمْ من رأس هرم القيادة السياسية إلى أصغر موظف في وحدة إدارية في مديرية
١- رئيس الجمهورية، هو المسؤول عن تشتت وتناحر مكونات الشرعية- التي كلها تؤيده- ولكنه لا يبذل أي مجهود لتوحيد صفوفها.
٢- كل مكونات الشرعية الإسلامية والسلفية والإخوانية والناصرية والإشتراكية والمؤتمرية (بكل أنواعها) وحزب الإصلاح والحداثيون وكل من هو غير قانع بنصيبه من الشرعية أو متطلع لحجز مكان فيما بعد الشرعية وكل من تشاء، مشغولون بسب وشتم ولعن بعضهم البعض أكثر مما هم مشغولين بمواجهة الحوثيين؛ الأعداء الحقيقيين لهم كلهم ولكل البلاد.
ولعل تشاتم خصوم الحوثيين المؤيدين للشرعية، فيما بينهم هو أكثر ما يفرح الحوثي.
وأكيد، هو أحد أسباب كل الهزائم، وليس فقط هزيمة فرضة نِهْمْ.
خامسا: أسباب الهزيمة من جانب السعودية
١- أي قصور وسبب للهزيمة من داخل جيش ومؤسسات ومكونات الشرعية اليمنية، تتحمل وزره أيضا المملكة العربية السعودية.
وأي هزيمة لليمن، هي هزيمة في نفس الوقت للسعودية.
وأي انتصار لليمن، هو في نفس الوقت انتصار للسعودية.
٢- الدولة السعودية واللادولة اليمنية
السعودية، دولة.
رئاسة هادي والحكومة اليمنية والشرعية كلها ، غير مؤهلة كدولة ولا تتمتع بمقومات الدولة.
وأنا متأكد بأن الدولة السعودية، تعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل أمور الدولة اليمنية.
ويجب ابتكار شيئ ما يضخ أشياء من دم وروح وقدرة الدولة السعودية إلى حالة اللادولة اليمنية، لتستطيع على الأقل تجنب الهزائم للسعودية واليمن.
مع الاحتفاظ بشيئ من ماء الوجه لمسميات "السيادة" و "الكرامة" و "الكبرياء"
سادسا: واجب السعودية والرئيس هادي
١- يجب الإنتهاء من إشكالية إتفاق الرياض بأسرع وقت، وتنفيذ كل بنوده وعلى رأسها وحدة الصفوف وإعادة هيكلة الجيش والأمن وتوجيهها كلها نحو العدو الحوثي.
لو كان هذا البند قد تم تنفيذه حسب الجدول الزمني، فربما لم نكن سنتلقى هزيمة فرضة نِهْمْ
٢- يجب أن يتولى مسؤول سعودي كبير المتابعة اليومية لتنفيذ إتفاق الرياض ووضع مكانة وهيبة وثقل المملكة للالتزام بالجدول الزمني وحتى تسريعه.
٣- يجب الانتباه لاحتمال أن تكون الضربة القادمة للحوثي، هي المخاء وباب المندب، إذا كان قد رصد وأحس بأن تلك المنطقة تعاني من نفس الفراغ الذي رصده وشعر به في فرضة نِهْمْ.
وأنا متأكد من هشاشة الوضع في كل الساحل الغربي.
إذا أخذ الحوثي باب المندب، فسيحقق نصرا عالميا وليس نصرا لم يحس به أحد كما حدث له في فرضة نهم.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك