حين سألني البردوني

السبت 29 أغسطس 2020 - الساعة 11:08 مساءً



لم أجلس إلى البردوني، بمفردي، في منزله سوى مرتين في شهر إبريل 1998.
لكنه فاجأني في زيارتي الثانية بهذا السؤال:
هل لـ"فلان" علاقة بالأمن السياسي (جهاز المخابرات في اليمن)؟
كان لسؤاله وقعان:الأول، صادم لأن "فلان" هو واحد ممن يعملون معه في دائرته الضيقة، وقد سارعت إلى إنكار أية صلة ل"فلان" هذا بالمخابرات. وقد حدقت في وجهه فرأيت علامات ارتياح؛ الثاني، أن مشاعر عذبة غمرتني فسؤاله الصادم ينطوي على ثقة بالمسؤول.
"الشاعر في حالة حصار" كان قد وثق بي من مجرد لقاءين مطولين في ظرف أيام.
والحاصل أنه في زيارتي السابقة (قبل 3 أيام) لاح متوترا قليلا وهو يستقبلني أعلى السلم المؤدي إلى مجلسه، حتى أنه سألني ما إذا كنت قد قدمت إليه وحيدا!
كان الذي "يرى بسمعه" يعرف أنني جئته فردا.
أجبته، وأنا احاول إخفاء استيائي، بأنني كنت بمفردي حتى دخلت باب منزله، لكنني لا أضمن له شيئا بعد ذلك. التقطت أذناه الاستياء المكتوم، فهمهم قليلا ثم دعاني، حانيا، الى الجلوس مدشنا حديثا وديا و"حشوشا" في الصحافة والسياسة و"الرئاسة". 
السؤالان المتعاقبان في ظرف أيام، أظهرا أن "الرائي" يعاني متاعب في دائرته الضيقة؛ ثقته مزعزعة بالبعض ممن هم حوله، وعلاقته بالسلطة ساءت تماما حد توجسه من أن تكون قد تمكنت من غرس "مخبر" في محيطه.
....
تحل الذكرى ال16 لرحيل الشاعر عبدالله البردوني بعد غد... بعد ساعات من وفاته زار أحد مساعدي الرئيس صالح منزله وخرج حاملا مسودات اعماله غير المنشورة حسبما افاد بعض المقربين من اسرة البردوني.
لاحقا، صار تراث البردوني "إرث" عائليا محل نزاع.
بعد عدة سنوات صار تراث البردوني، المنشور وغير المنشور، موضوعا للتربح. حتى ان كتابه المنشور، مطلع الثمانينات، "اليمن الجمهوري" طبع مؤخرا لحساب "المؤلف" حسبما تقول طبعة رديئة من الكتاب يقول من طبعها إنها منقحة ومزيدة.
البلد الذي يقبل بالعبث بأعمال أعظم مبدعيه مقدر له أن يستنقع في الضحالات والفظاعات والتفاهات والسفالات.
شخصيا، كتبت مرارا عن هذه "اللطخة" في حبين اليمن.
كتبت وناشدت كثيرا.
لكن أعمال البردوني المخفية قسرا بقيت مخفية قسريا تماما كما الآلاف ممن أحبهم البردوني وكتب فيهم أجمل أشعاره. تماما كما "الفادين"، من الناس العاديين، الذين اختفوا قسريا، أو اخفت جثامينهم السلطات المتعاقبة، خلال العقود الماضية.

*من حائط الكاتب على "الفيس بوك"

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس