محمد بن سليمان .. أمير التغيير والعبور نحو المستقبل

الخميس 29 ابريل 2021 - الساعة 01:55 صباحاً

في تاريخ الأمم والشعوب لحظات فاصلة وشخصيات استثنائية تقود شعوبها لأفاق رحبة، وتعبر بها وسط أمواج متخبطة من المتغيرات الدولية والإقليمية، ولعل الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية واحدا من هؤلاء القادة الاستثنائئين، ليس في تاريخ المملكة فحسب بل ربما في تاريخ المنطقة ككل، تتداعي تلك الأفكار إلي رأسي على خلفية الحديث الهام الذي أدلي به ولي العهد السعودي لتلفزيون بلاده ونقلته عدة محطات تليفزيونية ووسائل إعلام عربية وعالمية، ذلك أن هذا الحديث يعبر بدقة عن شخصية الأمير الشاب وأفكاره وتطلعاته ورؤاه لبلاده وللمنطقة والعالم.

 

عندما وجه الإعلامي السعودي عبد الله المديغر سؤالا في نهاية الحوار لولي العهد قائلا ماذا بعد رؤية 2030، رد الأمير على الفور وبدون تردد بعدها 2040، وربما تعد تلك الإجابة عبارة مفتاحية تدل على رؤية ولي العهد السعودي ومنهجه في التفكير، فالرجل ينظر ليس فحسب للمستقبل القريب بل يتطلع نحو آفاق المستقبل البعيد، ولا يتوقف عند انجاز يجري العمل به على أرض الواقع، وإنما يحضر لما سوف يأتي، وهنا تكمن طبيعة الشخصية الباحثة عن النجاح والمتطلعة للوصول إلي ما هو أبعد مما تدركه العيون، يفعل ذلك بمنهجية ووفقا لحسابات دقيقة حول المتغيرات الإقليمية والدولية المتوقعة على المدي البعيد والمتوسط، فهو يحدثك مثلا عن تراجع انتاج النفط في عدد من الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يعني أن انتاج النفط السعودي سيكون مطالبا بتغطية العجز الناتج في الانتاج العالمي للنفط خلال العشرين عاما المقبلة، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن النفط لا ينبغي أن يكون المرتكز الوحيد للاقتصاد السعودي، ويتحدث بلغة الأرقام عما حققته رؤية 2030 من نمو في مجالات أخرى كالسياحة والصناعات التحويلية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهي مجالات كانت قبل رؤية 2030 مجرد هامش ضئيل في إجمالي الاقتصاد السعودي، وأصبحت وفقا للرؤية الجديدة عناصر أساسية في بنية الاقتصاد والتنمية في المملكة. 

 

إجابة أخرى كانت ذات دلالة مهمة في فهم عقلية وطريقة تفكير ولي العهد السعودي، وهي عندما سئل عن أهم ما تمتلكه بلاده من مصادر القوة، فكانت إجابته على الفور " الشعب السعودي" ، وتعبر تلك الإجابة عن رؤية الأمير الشاب لدور جماهير شعبه فيما يطمح إليه من تغيير، فالسلطة – أية سلطة – يمكنها أن تصدر ما تشاء من قرارات، وتتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات إصلاحية، لكن هذه الإجراءات والقرارات لن تكون ذات تأثير إلا إذا كان وراءها دعم شعبي يتبناها ويقف خلفها ويدافع عنها، ولعل التاريخ يذكر العديد من الإصلاحيين الذين تهاوت تجاربهم في سنوات معدودة بعد رحيلهم عن السلطة لأنهم لم يجدوا الحاضنة الشعبية لأفكارهم وأطرواحتهم ورؤاهم. 

 

محطات كثيرة يجب التوقف عندها في ذلك الحديث الشامل الذي أجراه ولي العهد السعودي، ودلالات سياسية واقتصادية وفكرية يمكن استخلاصها من الحوار، غير أن من أهم تلك الدلالات هي تلك النبرة الهادئة والواثقة التي تحدث بها الأمير محمد بن سلمان، حتي عندما دخلت الأسئلة إلي المناطق الشائكة، مثل العلاقات الخارجية للمملكة، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن، وملفي إيران واليمن، لم يتحدث ولي العهد السعودي في تلك الملفات بنبرة عنترية منجرفة إلي التهور، ولا بنبرة مترددة أو خائفة، بل كان حديثه واثقا وهادئا وعقلانيا، فهو يري أن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة علاقة استراتيجية، لكنها أيضا علاقة مبنية على الاحترام والمصالح المشتركة، وهنا لا يوجد فرق كبير بين إدارة تمضي وأخري تأتي فقد يتسع هامش الخلاف أو يتضاءل مع إدارة وأ أخرى لكن تبقى ثوابت العلاقة قوية وراسخة دون المساس بالمصالح العليا والأمن القومي للدولتين.

 

لكن الحديث عن إيران واليمن في حوار الأمير محمد بن سلمان يحتاج إلي وقفة ونظرة فاحصة، فالرجل لم يشن هجوما عنتريا على إيران أو الحوثي، رغم الأضرار التي تلحق ببلاده نتيجة لسياسات إيران في المنطقة، وسلوك الحوثي العدواني الرافض لأي مقاربة سلمية تعيد الأمن والاستقرار لليمن، وآخرها المبادرة السعودية بوقف القتال على كافة الجيهات وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي وغيرها من البنود التي تضع أساس حقيقا لإنهاء الصراع في اليمن الذي أصبح مأساة إنسانية حقيقة لم يشهد العالم لها مثيلا، رفض الحوثيون ومن وراءهم إيران تلك المبادرة، وما زالوا يصرون على نهج القتال ونشر الدمار في ربوع اليمن بل وفي المنطقة كلها، وتواصل إيران دعم كافة الكيانات غير الشرعية الموالية لها في عدة دول عربية كلبنان والعراق واليمن، فهل يتذكر الحوثي عروبته وإنتماءه الوطني لليمن مثلما دعا الأمير محمد بن سلمان في حواره الهام، أم يظل اليمن يدور في حلقة مفرغة من الدمار والاقتتال وسحق الإنسان والقضاء على آمال الأجيال القادمة في المستقبل. 

 

إن حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العاقل والتصالحي تجاه ملفي إيران واليمن، يمكن أن يكون إنطلاقة جديدة في العلاقات الإقليمية ويعيد إحياء المبادرة السعودية لإنهاء الصراع في اليمن، بشرط أن يجد آذانا صاغية وعقولا واعية وقلوبا خاشعة في طهران وصنعاء .

 

* أكاديمية ودبلوماسية يمنية

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس