21 سبتمر اليوم المشؤوم .. والرجل الوحيد الذي قال لا

الثلاثاء 21 سبتمبر 2021 - الساعة 01:42 صباحاً

لأني رجل يعتز بآدميته، وكرامته، فأنا أحاول ما استطعت أن أنشر هذا المقطع(لحظة رفض أمين عام الناصري المحامي عبدالله نعمان التوقيع على اتفاق السلم والشراكة), وهذا الموقف الذي لن أنساه ما حييت..

 

ولأني شعرتُ بالخِزي والذُّل الوطني العام, عند اجتياح الحوثيين لصنعاء، مساء 21 سبتمبر 2014، حتى كنتُ أشدُّ النفس ويتمنَّعُ،  وكأنَّ جبلاً جاثمٌ على صدري يمنعني من الشهيق وحتى الزفير،  لأني تحولتُ في بضعةِ أيام، وبضعةِ ساعات، من شابٍّ في قمَّة عنفوانِه، إلى عجوزٌ يحتضرُ ببطء قاتل وقد تحولت روحُه إلى زَربةُ أشواكَ تقطعُ شرايينه وأوردته وأنسجتهُ وعظامه من أخمصُ قدميه حتى أعالي صدرهُ حيثُ ترفضُ الخروج بسلام، لأني حدَّثتُ نفسي بأني قد أموتُ من قهري في ليلتي تِلك, وأني قد لا أطيقُ الحياة حتى صباح اليومِ التالي بعد تلك الكارثة الكُبرى.

 

شاهدتُ هذا المقطع في إحدى القنواتِ الفضائيَّة، فشبَّت بي الروحُ من جديد، وتحولت أشواكها التي تُمزقني إلى سحبٍ عائِمةٍ في مجرى دمائي, وتنفّستُ الصعداء بعدَ عناءٍ طويل وثقيل,, وإلى اليوم، وحتى هذه اللحظة التي أصبح فيها الحوثي أقوى بأضعاف ما كان عليه حينها، وقد أصبحنا، أضعف بكثير مما كنا عليه وقتها، أقولُ وأنا في غاية الاعتزاز والرضا، أن تلك اللحظة، التي رفض فيها نعمان التوقيع على اتفاق السلم والشراكة..

 

كانت أهم لحظة في تاريخ هذه الحرب، وكل  السبع العجاف الماضية, لم يكن قهري وغضبي واحتضاري حينها لأن الحوثي انتصر، واستطاع إسكات صنعاء، لم يكن شيء كهذا يقضي علي، ويعرف زملائي أني كُنتُ في أشد اللحظاتِ سوداوية حين أوشك الحوثيون على دخول عَدن، وحين كانوا يبكون بدموعٍ حقيقية غمرت وجوههم قهراً وحُزناً ويأساً، كنتُ مُحرضاً لهم على الصمود والصلابة، وبأن سقوط عدن ليس نهاية الحياة، وبأننا سنقاومهم..

 

اليوم أو غداً أو بعد سنة أو أكثر، لن نستسلم, ستنشب المقاومة في أي وقت، وسيخرجون من عدن وبالقوة, لم يفزعني، ولم يهزمني شيءٌ كذلك الذُّل الوطني العارم في القصر الرئاسي، حين طأطأ الأكثريةُ رؤوسهم, ليوقعوا اتفاقاً حتى وإن كانوا مُقرين بما فيه، حتى وإن كانوا صاغوه واقروه قبل انتصار المليشيات، وقبل سقوط صنعاء، فقد أخزاني وأهانني واغتالني أن يوقعوا عليه تحت تهديد السلاح!!!.

 

أردتُ أن يعترض شخص، أيُّ شخص من ساسة البلد وقادة أحزابها في القصر الرئاسي، الرئيس، المبعوث الدولي، أحد قادة الأحزاب، أي شخص يرفض هذا الوضع المُهين والمُذِّل، يغادر الغُرفة، ينتحر، يبكي، اي انفعال يقولُ أنَّنا لا نقبل هذا الوضع، نرفضُ ذلك الذُّل ولو بالدموع، بأي حُجّة، بأي شكل مُمكن, وددتُ لو رأيتُ أي شخص من أولئك الساسة يواسينا بِدمعةٍ حزينةٍ تقول، قلوبُنا معكم، نحن نرفُض هذا الحال ولكننا مكسورون ومجبرون,حتى رأيتُ هذا البطل، عبد الله نعمان، الرَّجُل الصلب والشجاع والقِيمة، يقولُ: لا.. لن أوقع على الاتفاق تحت التهديد,, صحيحُ أن حُجَّتهُ كانت، تحفّظ الحوثيين على الملحق الأمني القاضي بانسحابهم من المحافظات وتسليم السلاح، لكنَّها حُجَّة استطاعَ الرّدُّ بها على كل "الكبار" و"الأقوياء" الأذلاء الذين انحنوا بخضوع ليوقعوا على ما رفضه الحوثيون أنفسهم, ليتموا البيعة وفوقها بوسة.

 

لا أحد يعلم كم الضغوط الهائلة التي واجهها عبد الله نعمان في تلك الأيام, من كل الأطراف، وبكل قوَّةٍ ممكنة، وعلى رأسهم خصوم الحوثيين الذين اتهموه بالمُزايدة والجنون، وساسةً آخرون، خرجوا على الفضائيات ليتهموه بالحماقة والتهور و"العاطفية" والانتهازية، بل حتى بعض الناصريين الذين اعتبروا أن موقفه الشجاع ذاك، يوشك أن يتسبب بحربٍ جديدة لإبادة الناصريين، هذه المرة من قبل الحوثيين.

 

رفض نعمان، عنى وما زال وسيظلُّ يعني لي، أن هُناكَ أملٌ في الحياة، ما دام هُناكَ رجلٌ واحد، قال لاااااااااااا.. في وجه كل من قالوا نَعم, رُبما نُهزم، رُبما نسقط، رُبَّما نموتُ ونسحق ونُباد جميعاً، لكن يكفينا شرفُ الرفض، شرفُ المُحاولة، أن هناك شخصٌ واحدٌ قال في أحلكِ لحظةٍ مرت بالبلاد, وباسمِنا جميعاً: لاااا والفُ لا, يكفينا هذا الشعُور، أننا ويوم سقطت صنعاء بيد الحوثيين، لم تنمِ البلادُ كلُّها في الذُّلّ، كان هناك أناسٌ عاشوا لحظة كبرياء, وقالوا قبل وبعد ومع عبد الله نعمان، لا، لن نركع لهؤلاء الأوباش,, القادمين من مزبلة التاريخ.

 

لذا: كلُّ من لديه اعتزازُ بذاته، وآدميَّتهِ وكرامتهِ التي فطره الله عليها، سيعتزُّ دائماً بهذه اللحظة، وهذا الموقف، وهذا المقطع, وسينشرهُ للأجيال الجديدةِ والقديمة، ليشعر كل إنسانٌ كريم بهذا الاعتزاز الذي نشعُرُ بِه.. كلّ الحُب يا عبد الله نعمان,, وكل عام وأنت بخير.

 

▪︎ من صفحة الكاتب على الفيس_بوك

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس