قراءة نقدية : ثورة11/ فبراير أين الخلل؟ - 9

الاربعاء 26 يوليو 2017 - الساعة 03:45 صباحاً

 

5-أزمة أحزاب اليسار التي انعكست على  دورها في اليمن جعلت ثورة11/فبراير  بدون حاملاً ثوري

 

صحيح أن احزب اليسار في اليمن منذ سته عقود ونيف قدمت الكثير في سبيل تغيير واقع اليمنيين ، أعطت الكثير لليمن ولم تأخذ شيء منها مقابل ذلك حتى اليوم ،

فكثيراً من المفاهيم السياسية والنضالية والثورية التي ساهمت في تغيير الواقع اليمني والتي حرثت كثيراً في تربت  اليمن السميكة والصلدة الممانعة  في وجه التغيير والحداثة ، كانت –بلا شك- ثمرة لجهود طويلة ناضلت في سبيل تحقيقها أحزاب اليسار في اليمن ، بل أن قادات تلك الاحزاب اليسارية دون غيرها في اليمن رغم تاريخهم النضالي الطويل أصبحوا اليوم لا يملكون شيء ويعانون شيئاً من الفاقة والفقر ، وحتى عندما كانوا ، في مواقع قيادات السلطة والدولة ، خرجوا من تلك المواقع بيض اليدين ، لم يؤسسوا شركات ولا استثمارات ولم يمتلكوا العقارات ، ولكن رغم هذا التاريخ النضالي والعصامي ، مقارنة بتاريخ الآخرين ، وصل اليسار في اليمن إلى أزمة خانقة .

 

عندما اتحدث عن أزمة الأحزاب اليسارية في اليمن ، فأنا اتحدث هنا تحديداً عن الحزب الاشتراكي اليمني ، والتنظيم الوحدوي الناصري ، لانهم وحدهم اليوم ما زلوا يقدمون أنفسهم أحزاب سياسية تناضل في وجه النظام الحاكم ، وفي وجه الانقلاب اليوم ، من موقع اليسار ، أو يعتقدون انهم كذلك ، ومع ذلك يظل هناك سؤال جوهري وهام يطرح نفسه على تلك الأحزاب مفاده ، ما الذي اصبح اليوم  يميز تلك الاحزاب اليسارية عن غيرهم من الاحزاب ذات الهوية الغير يسارية في اليمن ؟

 

أو بمعنى آخر ، ما الذي يوجد في مشروعهم السياسي وحتى في أدوات نضالهم السياسية والاجتماعية ، من خصوصيات تقنع قوى المجتمع بشكل عام أنهم فعلاً أحزاب يسارية في اليمن ؟؟

 

إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال الهام والجوهري الذي يضع اليوم أحزاب اليسار في اليمن على المحك ،تعنى في حد ذاتها ضرورة الخوض في الحديث عن أزمة تلك الأحزاب التي عجزت عن تقديم نفسها اليوم كقوى يسارية ، تمارس دورها التاريخي كأحزاب ثورية في سبيل تغيير الواقع السلبي والتقليدي في اليمن ، بل والذي يعني "  أي ذلك الدور التاريخي " وظيفياً أن احزاب اليسار هي الحامل الثوري في نجاح أي ثورة " لا سيما " في بلد كاليمن يحتاج واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي و الاقتصادي إلى الف ثورة تهز قاع المجتمع ومكوناته التقليدية والعصبوية .

 

هذا يعني أن اليمن مازال حتى اليوم محتاج إلى دور حقيقي وليس متماهي ، تقوم به احزاب اليسار ، أو نضال ثوري يعتمد على هوية المشروع اليساري الثوري الذي تفتقده احزاب اليسار في اليمن ، والذي يعبر غيابه اليوم عن أزمتها الحقيقية .

 

لقد أدت تلك العوامل الثلاثة أو الاسباب التي تم ذكرها سابقاً ،إلى تقويض دور تلك الاحزاب في اليمن وبالشكل الذي خلق أزمة كبرى في مسارها الثوري  ،فالانتصارات المتكررة للقوى التقليدية على احزاب اليسار ادخل هذه الاخيرة في دائرة الحصار المستمر ، وهو الذي قيد حركتها وقطع شرايين تواصلها الحية مع قوى المجتمع ، بل وشل حركتها تنظيمياً وسياسياً ،

ولم تكتفي تلك القوى اليمينية والتقليدية بنتائج تلك الانتصارات العسكرية التي مكنتها من احتكار المجال السياسي ، والذي وضع في يديها أدوات القوة والسلطة والمال ، بل استغلت تلك الادوات في حصار حركة احزاب اليسار وتشويه تاريخها النضالي في ذاكرت المجتمع ، واستمرت في حصارها وحربها لتلك الاحزاب عبر عقود متواصلة من الزمن ، واكثر من ذلك اقدمت تلك القوى التقليدية المنتصرة في تلك الحروب على تصفية القيادات السياسية لأحزاب اليسار وتخويفهم ، وتنظيف اجهزة السلطة العسكرية والمدنية من وجودهم وحتى تأثيرهم ، وبشكل جعل مسألة الانتماء لتلك الاحزاب تضحية ومٌخاطرة أحجم عنها الكثير رغم إيمانهم بصوابية الخط السياسي للفكر اليساري  .

 

وفي مقابل ذلك كان يتم السماح للأحزاب اليمينية وللقوى التقليدية ، المناوئة لليسار في النمو والانتشار وبدعم من مراكز السلطة ، بل وتم فتح أبواب السلطة بمغانمها أمام تلك الاحزاب وتلك القوى التقليدية ، وفق حسابات السلطة التي تقول ان تلك القوى التقليدية والاحزاب اليمينية هي المؤهلة لممارسة دور مواجهة قوى اليسار ومشروعها الثوري ، واكثر من ذلك سوف تعمل تلك الاحزاب على حماية الجماهير من غاوية اليسار ( وانطلاقاً من تلك الحسابات السلطوية تأسست قوى واحزاب تتولى مواجهة احزاب اليسار في اليمن ) !!

 

كما أن واقع المجتمع التقليدي المغمور بقيم الماضي ، شكل حالة ممانعة وتحدي كبير أعاق اختراقات تلك الاحزاب ، لمنظومة القيم التقليدية ، المتجذرة في واقع المجتمع والتي حرصت السلطة بحذق سياسي انتهازي على بقائها كقيم ومبادي ثابته تفرز ثقافة العقل الجمعي في اليمن ، والذي يسهل عليها استدعاءه في حروبها لقتل الفرص التاريخية السانحة لتغيير في اليمن كما يحدث اليوم في حربها الانقلابية ، وغالباً ما تم تبرر ذلك بكونها " أي تلك القيم والمبادي التقليدية "  تمثل الهوية اليمنية وأصالة الانتماء لليمن ، لاسيما في منطقة شمال اليمن وشمال الشمال ، التي لم تتكمن أحزاب اليسار من حكمها تاريخياً ، مقارنةً بجنوب اليمن التي تم تفتيت منظومة القيم التقليدية والعصبوية، أثناء استلام قوى اليسار سلطة الحكم والتي أحسنت استخدام تلك السلطة في اقتلاع جذور تلك القيم العصبوية التقليدية التي تعيق بناء الدولة الحديثة ومشروع اليسار الثوري والانساني .

 

خلاصة الحديث عن مظاهر أزمة اليسار المترتبة على العاملين السابقين التي انتجتهما الخصوصية اليمنية ،  تكمن بالحضور الكبير والكثيف لتلك القوى المهيمنة والقيم التقليدية العصبوية ، والتي اصبحت تشكل نظام معرفي  يفرز ثقافة العقل الجمعي في المجتمع ، وكل هؤلاء ينصبون انفسهم خصوم في وجه القوى اليسارية ومشروعها الانساني ، الذي ارتبط في ذهن تلك القوى بفوبيا من معاني العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لثروة  والمشاركة في السلطة .

 

ولذلك عبر تاريخ اليمن الحديث ، نجد تلك القوى وبدافع الفوبيا تقدم كل قواها الذاتية مجاناً تحت تصرف السلطة في حروبها ضد اليسار من اجل هزيمة مشروع اليسار في اليمن ،

ومع ذلك فإن الأهم من ذلك في أزمة اليسار هنا تكمن في مخاطر تلك المظاهر التي ترتبت على تخلي احزاب اليسار عن الايديولوجيا كمشروع لنضالها السياسي في اوساط الجماهير  .

 

في اعتقادي أن مظاهر الأزمة التي ترتبت على هذا العامل ، تشكل اخطر مظاهر أزمة اليسار في اليمن ، لأنها تأتي من داخله وبشكل يجعل اليسار يفقد هويته ،أو مبرر وجودة الاجتماعي والسياسي في المجتمع ،قد نتفهم إقدام اليسار على التخلي عن الايديولوجيا كمشروع لنضالها السياسي بفعل المتغيرات في السياسة الدولية ، ولكن ليس على حساب هويتها كأحزاب يسارية ، وبشكل يجعل تلك الأحزاب تفقد خصوصيتها التي تجعل من وجودها ضرورة لإشباع حاجة اجتماعية .

 

بمعنى آخر لا تكمن أزمة اليسار بالتخلي عن الايديولوجيا الجامدة ، بل تكمن بتحول تلك الاحزاب من الأيديولوجيا إلى احزاب برامج لا يميزها شيئاً عن الاحزاب اليمينية التقليدية ،

كان على أحزاب اليسار أن تتحول إلى احزاب تناضل من اجل مشروع يساري يعبر عن مصالح تلك الجماهير العريضة المطحونة والجائعة والمقهورة  والمستبدة ، ليس من منطلق الماركسية بصورتها الجامدة ، ولكن من منطلق مفاهيم الاشتراكية، ( العدالة الاجتماعية ، والتوزيع العادل لثروة ، المشاركة في السلطة ) وبشكل فاعل يجعل الجماهير تثق بأن تلك الاحزاب مازالت تمثل مصالحها المرتجئة ، وبكونها البديل المؤهل سياسياً واخلاقياً في إشباع حاجة المجتمع .

 

عندما تحولت احزاب اليسار إلى احزاب برامج انتخابية ، مثلها مثل بقية الاحزاب التقليدية ، فقدت هويتها ودورها التاريخي ، ووجدت الفجوة بينها وبين تلك الجماهير التي عولت كثيراً عليها في ثورة الخلاص من معاناتها السرمدية في اليمن وفي أقطاراً كثيرة مشابه ،

وهذا يعني عندما اختفى المشروع اليساري الحقيقي في حياة الجماهير والذي يشحن روح الجماهير في نضال سياسي نحو المستقبل ، أصبحت الجماهير تتحرك وتستقطب سياسياً على أساس "الوجبات الخفيفة " السكن الجامعي مثلاً ، وملابس العيد ، وحقائب المدارس ، وتوزيع الصدقات والزكاوات التي تقوم بها الجمعيات واحزاب الحلول الترقيعية، التي تعالج مشاكل المجتمع  بمعاير الحياة بعد الموت وليس بما يجب  أن تكون عليه الحياة الكريمة في هذه الارض ، وهي – بلا شك - تفرز المجتمع إلى قلة غنية أصحاب فضل ومنه ونعمة ، واغلبية جائعة تشبع رمق جوعها في الدنيا مقابل بيع الثواب والنعيم في الآخرة لمن كانوا اسيادها في الدنيا .

 

الوجبات الخفيفة وحدها اليوم في اليمن تصنع القناعات والتوجهات لألاف الأسر في المجتمع ، والتي بلورة معاناتها عبر التاريخ الانساني مبرر وجود الفكر اليساري المعبر عن مصالحها الاجتماعية، وتلك القناعات والتوجهات أصبحت تصب اليوم  في خدمة القوى اليمينية والتقليدية ، وذلك بسبب غياب الدور النضالي والمشروع الثوري اليساري في اليمن ، لاسيما أن غياب مشروع اليسار  رافقه عجز أحزاب اليسار أو ترفعها عن استخدام أدوات الاحزاب الاخرى في تقديم الخدمات تلك ، ( الوجبات الخفيفة )

 

كما أن انتقال أحزاب اليسار المفاجئ من الايديولوجيا إلى أحزاب البرامج ، ادخلها في أزمة خطاب الهوية ، ( أقصد هوية اليسار ) وقد ترتب على أزمة خطاب هوية اليسار ، اختفى الدور التثقيفي والتوعوي والتنويري للجماهير الذي كانت تتميز بها احزاب اليسار ، والتي تعمل على تحصين تلك الجماهير من محاولة استغلالها والمتاجرة بمعاناتها ، وباختفاء هذا الدور التثقيفي والتوعوي ، كانت احزاب اليسار تغادر ذاكرت المجتمع تدريجياً نحو النسيان .

 

يكفي دليل أزمة أحزاب اليسار في اليمن ببساطة شديدة ، أن احزاب اليسار حتى اليوم في عصر تأثير الاعلام القوى والمؤثر  لا تمتلك تلك الاحزاب قناة فضائية ، تعبر عن هوية اليسار وتنقل خطابها للمجتمع ، بينما اطفال ثورة فبراير ، يمتلكون اليوم قنوات فضائية فعن أي يسار يحمل مشروعاً في اليمن نتحدث  !!!

 

كما أن تحول اليسار تنظيمياً في اليمن من المركزية الديمقراطية ، الى الديمقراطية المفتوحة ، جعل اليسار وكانه ينتقل إلى الفوضى داخل مؤسساته التنظيمية ، لا يعني ذلك أننا ضد الديمقراطية ، بل يجب ان تصبح الديمقراطية والحرية قضية نضالية جوهرية لنا في احزاب اليسار ، ولكن ما أعنيه هنا اننا لم نفكر في اصلاح الخلل في مؤسستنا الحزبية ، التي تزيد اليسار ضعفا فوق ضعف بتلك الممارسات ، فما يدور داخل مؤسسات اليسار الحزبية ، بإسم الديمقراطية  وحرية الرأي ، يعبر عن مفهوم خاطئ  لا يفرق بين الحق في حرية الرأي وطرحه ، وبين ضرورة الالتزام بالقرارات التي تتخذه المؤسسة الحزبية ، وغير ذلك يعني ممارسة الفوضى التي تجعل من احزاب اليسار ، تعيش حالة شعوبية غير منضبطة تنظيمياً وسياسياً .

 

كل تلك المظاهر التي نتحدث عن مجموعها هنا تعبر عن أزمة اليسار في اليمن ، وهي التي أعاقت دورها في ثورة 11/ فبراير ، كحامل ثوري ، تعول عليه الجماهير في حمل تلك الثورة إلى النجاح .

 

عندما اندلعت ثورة 11/ فبراير 2011/م الجماهيرية في اليمن ، كانت احزاب اليسار غير قادرة على حشد تلك الجماهير وتوظيف طاقتها نحو تحقيق أهداف الثورة وحمايتها من مخاطر الثورة المضادة ، كما نجحت في ثورة14/ اكتوي مثلاً ، لأن الفجوة كانت كبيرة وشاسعة ، بين أحزاب اليسار وبين الجماهير الثائرة ، لان تلك الاحزاب لم تعد مرتبطة بوعي تلك الجماهير بكونها حامل ثوري تعبر عن مصالحها ،

منذ 1994/ وحتى ثورة 11/ فبراير 2011/ م ، جرى تدمير كثير من المرافق العامة في الدولة والتي كانت تعول عليه غالبية أفراد المجتمع في تقديم الخدمات لاسيما الصحة والتعليم على سبيل المثال ، وكان ذلك يتم لصالح القطاع الخاص الباحث عن الربح والاستثمار دون موقف نضالي معارض لتلك السياسات يميز احزاب اليسار وبشكل يجعل هذا الدور النضالي حاضرا في وعي الجماعة كرصيد لتلك الاحزاب ،

وبالتالي كانت احزاب اليسار في اليمن في ثورة ، فبراير عاجزة تماماً ، عن خلق حالة تحكمية في مسار الثورة وفي معادلة الصراع لصالح مشروع الثورة في اليمن ، بل ما حدث كان عكس منطق الأشياء في فلسفة اليسار عبر التاريخ ، كانت أحزاب اليسار تريد من الثورة أسطورة الخلاص لها ، بدلاً من قيام أحزاب اليسار بثورة الخلاص للمجتمع !!!

 

فالثورة التي كانت عبر التاريخ عبارة عن أدوات اخترعتها قوى اليسار في سبيل تغيير واقع المجتمع ، أصبح مطلوب منها " أي الثورة " في 11 فبراير 2011/ م ، أن تخلص اليسار من أزمته !!

 

في التاريخ القديم كان القرشي يصنع أو يخلق ربه ومعبودة ، وكان يٌطلب من هذا الإله أن يتحول في بعض الأوقات إلى وجبة غذاء تسد رمق جوع هذا القرشي ، إنه منطق المعادلة المقلوبة ، كماهي حالة اليسار مع ثورة فبراير .

 

شخصياً اعتقد أنه في اليمن لا يمكن أن تنجح ثورة مالم يكن اليسار حاملاً حقيقياً لتلك الثورة ، واليسار لا يمكن أن يكون ذلك الحامل الحقيقي في نجاح تلك الثورة ، مالم يعي  حقيقة دوره في المجتمع كيسار فحسب .

 

 اليسار اليوم في اليمن يتوجب علية الاغتسال بنهر الثورة التي خلقها فكر اليسار عبر تاريخه النضالي والإنساني الطويل ، حتى يتمكن من تنظيف ما علق به من أوساخ ، نشاهدها حاضرة في وعيه وثقافته الحزبية وجسده التنظيمي من مؤسساته الدنيا وحتى العليا ، وحدة الاغتسال بماء الثورة ، قادر على تنظيف تلك الاوساخ وإعادة اليسار الى حالة النقاء الثوري .

 

فاليسار اصبح اليوم ، ليس عاجزاً عن تقديم نفسة كحامل ثوري في خدمة نجاح الثورة في اليمن فحسب ، بل اصبح اليسار ذاته يحتاج إلى ثورة هدفها تثوير الذات اليسارية الميته داخل اليسار منذ سنين ، وهذا يعني أن واجب شباب اليسار في اليمن ، هو الانتفاضة على الذات واختراع تلك الثورة القادرة على إخراج اليسار من أزمته اولاً .

 

يتبع…..

 

لمتابعة قناة الرصيف برس على تيلجرام.

https://telegram.me/alraseefpress

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس