العلمانية بين المثقفين والحكام

الثلاثاء 01 أغسطس 2017 - الساعة 05:13 صباحاً

 

وردت العلمانية على لسان أكثر من زعيم عربي واسلامي في السنوات الأخيرة.
لكن ملابسات ورودها تخفف من أي تفاؤل في تغيير حقيقي في ذهنية الحاكم العربي.
أول زعيم عربي تحدث أكثر من مرة عن العلمانية كان بشار الأسد في السنة الأولى للحرب الأهلية. وكان غرضه تسويق نفسه ونظامه في صورة محببة للغرب في مقابل المعارضة التي تأسلمت ثم توحشت ووصلت الى مرحلة جبهة النصرة وداعش.
نوع العلمانية التي حاول الأسد تسويقها تقتصر على بعد واحد: محاربة خصم إسلامي متطرف، لكنها تتجاهل التعددية السياسية وحرية الفكر وحرية الضمير، وكلها من الأسس الكبرى للعلمانية.
.....................
بعد لك سطع نجم النصائح العلمانية لاردوغان مرتين: المرة الأولى عندما نصح مرسي والإخوان المسلمين في مصر بالتحول للنظام العلماني. والمرة الثانية في احدى مقابلاته التلفزيونية التي ذكر فيها تعريفا غريبا للعلمانية حصرها في حرية الاعتقاد: " العلمانية هي ان تضمن الدولة الحرية لكافة المعتقدات ".
وهو تعريف مراوغ للعلمانية يلغي عنها مبدئها الرئيسي: فصل الدين عن السياسة. ويحصرها في جانب صغير من جوانبها هو حرية المعتقد.
والحقيقة ان اغلبية "الإسلاميين المتعلمنيين" يقدمون هذا الطرح المشوه للعلمانية لأنهم لا يمكن أن يتخلوا عن سلاحهم الأقوى: ممارسة السياسة باسم الدين.
لهذا فالعلمانية بالنسبة لهم هي نزع سلاح الدين من الخصم ووضعه في أيديهم.
خطاب اردوغان في ازمته مع اوربا لم يكن خطابا علمانيا بل كان خطاب اسلام سياسي متعصب: المؤامرة ضد الاسلام، الفتوحات، الخلافة العثمانية....الخ.
..............................
في خضم ثورات وحروب الربيع العربي كان مؤتمر الحوار الوطني في اليمن يطرح قضية العلمانية بقوة، ويطالب بدستور علماني.
كان الغريب أن تدافع حركة دينية طائفية كالحوثيين عم العلمانية ذلك الحين. والسبب انها كانت أقلية ضعيفة، وأسلمة الدستور كان يعني سيطرة مذهب الأغلبية، فطرحوا العلمانية لا إيمانا بها ولكن خوفا من سيطرة الخصم المذهبي. ثم انقلبوا عليها وفرضوا لونهم المذهبي بالقوة ما أن استولوا على السلطة.
(دائما ما تطالب الاقليات بالعلمانية في حالة ضعفها، لأن العلمانية تكفل حرية المعتقد والضمير للكل وعلى قدم المساواة).
........................
أما أحدث طرح للعلمانية فكان من قبل السفير الإماراتي في امريكا عندما قال أن السعودية والإمارات تسعيان للتحول إلى دول علمانية!
والغريب انها اتت من اكبر بلدين داعمين للسلفية المتشددة الرافضة لمبدا السياسة والعمل المدني فما بالك بالعلمانية.
وهي كما في النموذجين الأردوغاني والأسدي علمانية منزوعة الحريات.
او علمانية شكلية وسلبية لا تقدم وعودا اكثر من عدم سيطرة فصيل إسلامي متشدد على السلطة.
...........................
في كل هذه الطروحات السلطوية للعلمانية نجد استخداما نفعيا للعلمانية دون قناعة حقيقية بها، و فصلا واضحا بين العلمانية والديمقراطية لصالح الاستبداد الأخف وطأة، وخلطا بين العلمانية والدولة غير الدينية، فليست كل دولة غير دينية علمانية بالضرورة.
لكن الأهم من هذا انها كانت تخلط بين العلمانية و"تأميم الدين". فتأميم الدين لصالح السلطة او المعارضة "تسييس للدين" ولا علاقة له بالعلمانية لا من قريب ولا بعيد.
وبغض النظر عن هذا التشويه للمفهوم الذي نقل البشرية من عصور الظلام الى العصر الحديث، يبقى للحديث عن العلمانية على هذا المستوى العالي من صناع القرار فضيلة مهمة: سحب العلمانية من الهامش الى المركز، وتحويلها تدريجيا إلى ضرورة حضارية لتفكيك ألغام الدين والسياسة والمجتمع.

..........................................

       لمتابعة قناة الرصيف برس على تيلجرام

 https://telegram.me/alraseefpress

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس