قراءة نقدية : ثورة11/ فبراير أين الخلل؟ - 10

الثلاثاء 01 أغسطس 2017 - الساعة 10:40 مساءً

 

6-ثورة11/ فبراير ، ومشكل التحول من

الفعل الثوري إلى الفعل الديمقراطي قبل

انتاج شروط التحول

 

 

الفعل الثوري في حد ذاته نقيض للفعل الديمقراطي ، ومحاولة الجمع بينهما في زمن واحد ، يعني الجمع بين المتناقضات التي يستحيل الجمع بينها ، فالمناضل الثائر لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكون ديمقراطياً وهو يمارس الفعل الثوري في وجه القوى المستبدة ، او القوى التي تعيق مشروعه الثوري ، والمناضل الديمقراطي ، لا يمكن أن يقدم نفسة ثورياً وهو يمارس الفعل الديمقراطي ، ومحاولة القيام بتلك الادوار مجتمعه في زمن واحد ، يعني أن الفعل الثوري والفعل الديمقراطي يفقدان جوهرهما وهويتهما التي تبرر وجودهما في واقع المجتمع .

 

الفعل الثوري يعني فعلاً رافضاً للواقع ويعمل على تغييره والانتفاض عليه ، ونقله الى واقع آخر يتقاطع مع القيم التي كانت سائدة وحاكمة قبل قيامه ، والفعل الديمقراطي يعني فهم الواقع واحتضانه كواقع ، والتعبير عن مكوناته القائمة في واقع المجتمع .

 

الفعل الثوري يعني قيام حالة قطيعة وإقصاء في قيم ومكونات وانساق المجتمع ، والفعل الديمقراطي يعني حالة تواصل واتصال واعتراف داخل المجتمع ، وأي محاولة للجمع بينهما في زمن واحد يعني قيام حالة مضادة او ثورة مضادة في مسار الآخر .

 

الفعل الثوري انقلاب جذري ، فالثورة إن لم تحدث انقلاب في واقع المجتمع كفت أن تكون ثورة ، فالفعل الثوري يحمل المثال وفي سبيل هذا المثال يتم نحر الواقع ، أما الفعل الديمقراطي ممارسة عقلانية خالية من المثال يتم بموجب تلك الممارسة احتواء الواقع وحمايته والتعبير عنه .

 

فإذا كان الصراع في الفعل الديمقراطي بين  نسبي ونسبي ، فإن الصراع في الفعل الثوري  بين مطلق ومطلق ، وعندما تتواجه المطلقات على هذا النحو ، فإن منطق الصراع الذي يفرض نفسه هو منطق الاستئصال حتى نخاع العظم .

 

جوهر وماهية الفعل الثوري ، عدم الاعتراف في وجود الآخر لأن الآخر بالنسبة للمشروع الثورة ، هو ثورة مضادة ، أما جوهر وماهية الفعل الديمقراطي الاعتراف  بوجود الآخر مهما يكن شكل هذا الآخر ، لأن وجود الآخر هو الغاية من الفعل الديمقراطي ، بل أن وجود الآخر هو الذي يمنح الفعل الديمقراطي صك المشروعية في الوجود .

 

الفعل الثوري بمشروعة الثوري هدفه تغيير واقع المجتمع ولكن ليس شرطاً أن يحكمه كسلطة سياسية ، والفعل الديمقراطي هدفة حكم واقع المجتمع كسلطة سياسية ولكن ليس بالضروري تغييره ، لأن غايته التعبير عن مخرجات مكونات المجتمع كواقع يحمل في طياته الأناء والآخر ،

الفعل الثوري غالباً ما يعتمد على قطع الرؤوس مهما حاول تجنب ذلك باستخدام أدوات سلمية ، عكس الفعل الديمقراطي الذي يعتمد على عد الرؤوس بأدوات ناعمة .

 

ومع هذه الاستحالة في الجمع بين الفعلين في زمن واحد ، فإن مقاربة تقول أن الفعل الثوري، يستطيع أن يكون أساساً تٌبنى عليه معادلة سليمه لقيام حالة الفعل الديمقراطي ، وليس العكس .

 

الشعوب التي لم تصنع التاريخ في رحلة عمرها كصيرورة نحو المستقبل الذي يجب أن يكون ، والتي تجمدت حركتها داخل سيرورة الزمن الواحد ، من حقها أن تثور بل يتوجب عليها أن تصنع ثورة الخلاص التي تكسر قيود الماضي وتصنع التحول في مستقبل اجيالها ،

ولكن حين تثور تلك الشعوب وتصنع ثورتها من اجل الخلاص ، لا يجوز لتلك الثورة وليس من حقها أن تقدم نفسها في وجه القوى المعيقة للمستقبل بكونها فعلاً ديمقراطياً ، لأن ذلك يعني فقط ، لي عنق الثورة إلى الخلف إذا لم يكن كسر عنقها ، واجبارها على عقد تسوية مع الماضي الذي مازال مترسخاً وقادراً على إعادة انتاج ذاته وأناءه كمطلق في وجه الثورة ، ودائما ما يكون ذلك على حساب مشروعها الثوري "  مشروع الخلاص " .

 

عندما تصل الثورة في طريقها إلى هذه المعادلة فأنها تقف على كعب أخيل ، وتخلق أزمتها ، ليس على مستوى تحقيق الأهداف فحسب ، ولكن على مستوى الفكرة والضمير الثوري ، وذلك حين يكْفٌر الثوار أنفسهم بنتائج الثورة وبمآلاتها ناهيك عن عوام المجتمع الذين عولوا كثيراً على أسطورة الخلاص الثورية التي تتحول إلي يوتوبيا معلقة في الهواء تعبر عن أحلاما يستحيل تحقيقها  !!!

 

عندما تٌجبر الثورة على عقد تسوية مع الماضي ولو تكتيكياً ، فإن الماضي الذي مازال موجود في حاضرها ، يكون أقدر على تحقيق الانتصار على المستقبل الذي لم يتكمن بعد من تثبيت أقدامه في الوقع ، وذلك ما حدث ، في 11/ فبراير 2011/ م حين توقف مسارها بالمبادرة الخليجية .

 

خرجت الجماهير الشابة في اليمن بفعل ثوري خالص وذلك حق مشروع لها لاسيما وأن نظام الحكم أستطاع أن يغلق كل الأبواب في وجه محاولات الاصلاح والتغيير  التي تقدمت بها القوى السياسية في حده الادنى والبسيط ، (مثلاً رفضه تصحيح جداول الناخبين فقط )

وكان هدف هذا الفعل الثوري صناعة التاريخ كصيرورة نحو المستقبل في حياة هذا الشعب  الذي تحنط كثيراً داخل حركة الزمن الواحد ، وفي سيرورته العقيمة التي تنتج الذات ولا تصنع التحول لأن فعل الآخر منعدمة في هذه الحركة ، ولكن قادات الثورة الذين وجدوا أنفسهم يتكلمون باسمها ، تصرفوا في زمن الفعل الثوري في مواجهة القوى التي أستهدفها الثورة ، بفعل ديمقراطي ، وباسم الثورة قبل أن يحقق الفعل الثوري أدنى شروط التحول المطلوب لضمان هذا التحول  !! .

 

في اليمن وبطريقة عجيبة أريد لثورة 11/ فبراير 2011/ م ، أن تجمع وبطريقة خاطئة بين الفعل الثوري والفعل الديمقراطي في زمن واحد ، وكذلك أريد لها أن تغمد سيفها قبل ان تبدأ المعركة مع مراكز القوى المعيقة ( فعلها الثوري )، بهذا التحول إلى الفعل الديمقراطي قبل إنتاج شروط التحول ، وبهذا الخلط الغير واعي لحقائق الصراع صنعت الثورة أزمتها التي اعاقت تحقيق مشروعها حتى اليوم !! .

 

عندما اتحدث عن استحالة الجمع بين الفعل الثوري والفعل الديمقراطي في زمن واحد ، فذلك صحيح ، ومع ذلك لا يعني هنا استحالة التحول من الفعل الثوري إلى الفعل الديمقراطي كصيرورة ،

ولكن متى يكون هذا التحول ممكن ومقبولاً وتحت أي شروط ؟؟

 

كان على ثورة 11/ فبراير ، أن تحقق في الواقع ثلاثة شروط ، حتى تفكر في التحول إلى الفعل الديمقراطي ، وتلك الشروط تتمثل في ،

1- الانتصار على النظام الحاكم وعلى قواه الممانعة انتصارا حقيقيا غير مختزلاً في رحيل صالح فقط كما ذكرنا قبل ذلك ، وهذا الانتصار لا يعني إعدام تلك القوى ، بل يعني نزع قوتها الممانعة وتعطيل دورها في وجه التحول ، واجبارها على الاعتراف الحقيقي بوجود الآخر في صناعة المجال السياسي العام .

 

2- أن تكون القوى الثورية المؤمنة بمشروع الثورة هي وحدها التي تقود الفعل الثوري دون سواها ، وتكون قادرة بهذا الانتصار على صياغة معادلة الحياة التي تؤسس للمستقبل ،

 

3- أن تخلق الثورة رأي عام فعال وذلك بتحويل قوى المجتمع وطاقاته إلى قوة حقيقية فاعلة ومؤثرة داخل المجال السياسي وبشكل يحمي الثورة من خطر الثورات المضادة ، وغياب هذا الشرط الأخير ، يعود إلى اختفاء دور المثقفين الحقيقين أو الثورين الذين خذلوا الثورة ،" إعدام سلطة اهل الفكر " وسوف نتحدث عن دورهم السلبي في فقره مستقلة فيما بعد  .

 

هذه الشروط الثلاثة عند تحقيقها تكون بحد ذاتها قادرة على حماية الثورة من مخاطر التحول من الفعل الثوري إلى الفعل الديمقراطي .

 

عندما أخفقت ثورة 11/ فبراير عن تحقيق تلك الشروط ، كان تحولها من الفعل الثوري إلى الفعل الديمقراطي عبارة عن " قفزة في الظلام نحو المجهول الذي لا يٌعرف فيه القاع الذي ستقف عليه الاقدام " وبتلك القفزة تم حرق المراحل النضالية في مسار الفعل الثوري  لثورة 11/ فبراير بطريقة عجيبة ،

انتقلت الثورة من الفعل الثوري إلى الفعل الديمقراطي ، تحت ضغط المبادرة الخليجية  قبل أن يحقق الفعل الثوري ، شروط التحول المطلوبة والضامنة لإنجاح معادلة التحول !!! .

 

كثيراً من الثورات في العالم ، كان الفعل الثوري هو القوة الأساسية الذي تولى إنتاج شروط النجاح في معادلة التحول إلى الفعل الديمقراطي ، كما هو حال الثورة الإنجليزية ، والثورة الفرنسية ، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن انتصر الفعل الثوري على القوى الغير مؤمنة بمشروع الثورة ، كقوى ممانعة في وجه المشروع القادر على تحقيق التحول التاريخي في مستقبل تلك الشعوب ، بل وتم نزع مصادر القوة من بين أيديها ، وإجبار تلك القوى المستبدة ، على قبول الديمقراطية لأنها اصبحت مجردة من قوتها الممانعة في وجه حركة المستقبل .

 

في اليمن وبفعل المبادرة الخليجية ، تخلت الثورة عن الفعل الثوري مبكرا ً، وتحولت إلى الفعل الديمقراطي دون تحقيق أي انتصار حقيقي على القوى الممانعة في وجه مشروع الثورة ، وفي وجه التحول الديمقراطي .

 

أريد لثورة 11/ فبراير ، أن تمارس فعلاً ديمقراطياً مع أعداء الديمقراطية وأن تتحاور ديمقراطياً مع اعداء الحوار ، في زمن مازالوا يمتلكون فيه كل مصادر القوة و انواع السلاح القادر على الانقلاب على مخرجات الحوار الديمقراطي وفي الوقت المناسب عند صدور كلمة السر من أحد دول الإقليم ! .

 

عندما تٌجبر أي ثورة على الفعل الديمقراطي أو الحوار الديمقراطي مع أعداءها وهم يمتلكون أدوات القوة ، فإن طاولت الحوار مهما كتب على أوراقها  من مشروعات ذات قيمة نظرياً فإنها تظل حبراً على ورق ، بينما يكون الحوار في الواقع مسلخاً تذبح فيه الثورة ، بدم بارد وأعصاب هادئة ، يزهق فيه روح الثورة ، وروح الوطن ، وحتى روح النضال الثوري والإنساني في قلب المجتمع ، دون أن تشعر الثورة ، بألآم الذبح ، ومأساة الجريمة .

 

ثورة 11/ فبراير ، حين تحولت إلى الفعل الديمقراطي ، وحطت رحالها في " فندق موفنبيك " وجلست على طاولت الحوار الوطني قبل أوانه ، كان صالح مازال قوياً لم يضعف بمجرد خروجه من القصر الجمهوري ، ولم يسلم شي من أدوات القوة التي كان يمتلكها وهو داخل القصر الجمهوري ، بل أن نظام صالح كان مازال يحكم و يملك كل شيء.

وبغض النظر عن لي عنق الحوار في بعض محطاته الهامة ، توصل اليمنيون نظرياً إلى وثيقة مقبولة ، ولكن الثورة في الفصل الاخير من ذلك الحوار شاهدت في الواقع أعداء مشروعها الثوري من داخل الثورة ومن خارجها ، يضعون سكين حادة في عنقها ، وشاهدت دمها يٌسفح وعنقها يذبح من الوريد إلى الوريد ، والأنكأ في جراح الثورة مشاركة قوى من داخل الثورة في ذبح مشروع الثورة ، تحت مبرر ، أن ذلك الذبح يٌقام على الطريقة الاسلامية ، بمذهبيه السني والشيعي !!!

ولكنها " أي الثورة " كانت غير قادرة على الشعور بألآم ذلك الذبح ، كما كانت غير قادرة على المقاومة وعلى الصراخ ملئ اليمن ، لأنها فقدت قوتها وحاسة الشعور الثوري عندما تخلت عن الفعل الثوري مجاناً لصالح النظام، وتحولت الى الفعل الديمقراطي قبل أن تحقق الثورة شروط التحول في معادلة الصراع .

 

لم تكن الثورة قادرة على صياغة معادلة التحول لصالح مشروعها الثوري من أجل وطن آمن ومستقر ، لأن القوى المعادية كانت مازالت قوية تمتلك كل أدوات القوة وفي مقدمتها المال والسلطة والجيش وجهاز الدولة العميق ، ولذلك كانت عملية التحول المبكرة في حركة الثورة نحو الفعل الديمقراطي، تعني في الواقع  نتف ريش أجنحة الثورة ، حتى تعجز عن الطيران بالمجتمع نحو المستقبل ، لتفشل كأختها سبتمبر في صنع التحول التاريخي في اليمن ويتواصل مسلسل اهدار الفرص .

 

يتبع….

......................................

          لمتابعة قناة الرصيف برس على تيلجرام

 https://telegram.me/alraseefpress

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس