مستقبل القاعدة في اليمن في ضوء بيانها الأخير.. "تقدير حالة"

الجمعه 04 نوفمبر 2022 - الساعة 10:05 مساءً

 

قال بن لادن يوما في معرض إجابته على سؤال صحفي، أين ستذهب إذا ضاقت بك جبال أفغانستان؟ رد قائلا: جبال اليمن وكهفوها هي موطني الآمن إذا ضاق الحال وهو أمر أكدته الأيام. 

 

في البيان الأخير قبل أكثر من شهر لقاعدة اليمن أفصح عن استراتيجيته القادمة وهو أمر يصعب فهمه لماذا يكشف التنظيم خططه.. رغم أن خطته كانت شبه معلومة، حيث تعتمد على المباغتة واستهداف اغتيال بعض قيادات الوحدات العسكرية والأمنية. 

 

حيث لا مصلحة له في هذا الإعلان غير الحرب الدعائية بعد وقع الضربات الأخيرة عليه في شبوة وأبين تحديدا..

 

كان اليمن موطن تلاميذ أسامة بن لادن، ومصدر العديد من الهجمات الإرهابية البارزة ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك تفجير القاعدة عام 2000 لسفينة USS Cole. في الشواطئ اليمنية. كما أن تنظيم القاعدة في اليمن، فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كان مسؤولًا عن محاولة التفجير للطائرة التابعة لشركة طيران (نورث ويست) من أمستردام إلى ديترويت يوم عيد الميلاد عام 2009، كما أكدّت المجموعة مسؤوليتها عن الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة (شارلي إيبدو) عام 2015 في باريس. 

 

 في مسيرة أمريكا لمكافحة الإرهاب في اليمن قتلت الطائرات الأمريكية التي حلقت في مناطق مختلفة خلال عشرين عاما الكثير من قيادات التنظيم والكثير من الأبرياء. وقامت قوات التحالف والقوات اليمنية بحرب مكثفة خلال السنوات الأخيرة على ثكنات القاعدة آخرها في شبوة وحضرموت وأبين ورغم ذلك لا يزال التنظيم ينشط من خلال أعمال مختلفة ويسدد ضربات نوعية، ففي العام الأخير 2022 وحده قامت القاعدة بأكثر من ثلاثين عملية إرهابية بعضها موجعة، نقلا عن أحد المراكز وأبرزها كالتالي:

 

 "11 فبراير 2022: اختطف تنظيم القاعدة خمسة من موظفي الأمم المتحدة وهم في طريقهم من محافظة أبين إلى محافظة عدن، وطالب التنظيم بفدية قدرها 5 ملايين دولار مقابل إطلاق سراحهم، وهم ما زالوا مختطفين".

 

15 مارس 2022: وقع هجوم بسيارة مفخخة يقودها عدد من الانتحاريين على موكب قائد الحزام الأمني في أبين، العميد عبداللطيف السيد، المُصنف بالخصم التاريخي للتنظيم الإرهابي، مما أسفر عن إصابته ومقتل 4 جنود من مرافقيه.

 

 14 أبريل 2022: استطاع تنظيم القاعدة تحرير 10 من عناصره المسجونين بالسجن المركزي في مدينة سيئون بحضرموت، وهي عملية نوعية كشفت عن وجود اختراق أمني داخل القوات اليمنية.

 

 6 مايو 2022: قُتل ضابطان كبيران في الأمن اليمني بهجوم شنه تنظيم القاعدة على مقر أمني بمحافظة الضالع، فيما تمت تصفية 5 من المهاجمين.

 

 22 يونيو 2022: استهدف تنظيم القاعدة، بهجومين متزامنين، حاجزاً أمنياً لقوة دفاع شبوة قرب مدينة عتق، ودورية لمحور أبين العسكري في مديرية أحور، مما أدى إلى 10 قتلى و7 جرحى من القوات اليمنية. 

 

6 سبتمبر 2022: وقع الهجوم الأكثر دموية لتنظيم القاعدة مُستهدفاً حاجزاً أمنياً في مديرية أحور بمحافظة أبين، وأدى إلى مقتل 21 شخصاً من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي و6 عناصر على الأقل من القاعدة.

 

 12 سبتمبر 2022: قُتل 3 من قوات الحزام الأمني وأُصيب 6 آخرون في انفجار عبوة ناسفة، أثناء ملاحقة عناصر من تنظيم القاعدة في أبين.

 

7 أكتوبر 2022: قامت القاعدة ببعض العمليات ثم أصدرت بيانا بعد ذلك بيومين أوضحت فيه عن تغيير نوعي في استراتيجيتها الهجومية سيعتمد على المباغتة وشن عمليات اغتيال وضرب القيادات. الأمر الذي يبعث على السؤال لماذا تكشف القاعدة عن هكذا توجه إذا كانت ماضية في تنفيذه وهو الأمر الذي يجعل القوات المواجهه لها أكثر استعدادا لمواجهته. هل ذلك من باب الحرب النفسية أم أن هناك ارتباكا وتشتتا بعد الضربات التي تلقتها مؤخرا؟

 

من الواضح أن التنظيم فقد الكثير من أوتاده وحاضنته ومعسكراته الرئيسية لكنه لم يفقد الفاعلية والقدرة على المنازلة.

 

إن التراجع لتنظيم القاعدة وفقدان مساحة من جغرافيته لا ينبغي النظر إليه أنه مؤشر على فقدانها القدرة على المبادأة وهو تراجع ظاهري لا يجب اعتباره مؤشرا على أن التنظيم لم يعد يشكل خطرا حقيقيا وأن ما ورد في بيانه قبل أسبوع له إمكانية التحقق والفعل..

 

 وبالنظر إلى طبيعة عمل القاعدة تاريخياً، نجده يعتمد على التراجع المحسوب بصورة تكتيكية وإعادة استجماع القوى قبل معاودة الظهور من جديد حتى عندما كان التنظيم يفقد الحاضنة كان يواصل اكتساب المجندين الجدد ويعيد التموضع في ملاذات آمنة.

 

هناك نقاط هامة ساعدت القاعدة في الخمس السنوات الأخيرة على البقاء والتمدد والقدرة على شن الهجمات. ولعل أبرزها انخراطها في تجارة السلاح والذي شكل دعما ماليا إضافيا، كما أن هاك نقطة ثانية وهي حالة التعاون المعلوماتي واللوجستي مع جماعات دينية أخرى أبرزها الحوثيون والإخوان في بعض المناطق وشد أزر بعضها في بعض الظروف واختيار توقيتات زمنية محددة لذلك، كما أن حالة عدم الاستقرار في المناطق المحررة والفلتان الأمني شكل رافدا إضافيا ثالثا..

 

من نافلة القول إن القاعدة خلال ثلاثة عقود وحتى يوم الناس هذه استطاعت أن تخلق لنفسها أدوات مثل أدوات الدولة وهيكل عسكري قو ي يستطيع التكيف مع الواقع المحيط به، وقد ساعدها على ذلك استعدادها اكتشاف كل ما هو جديد والاستفادة من التقنية وانجبت جيلا جديدا ماهرا في التعامل مع وسائل التواصل وتوظيفة لصالح عملياتها، فلم يكن التنظيم مجرد وسائل الاتصال أو منظومة التسليح والمراقبة، فقد استطاع هذا الجيل من القاعدة مواصلة عملية التعلم من أساسيات الجيل القديم من شيوخ ومنظري القاعدة، مع صبغ عملية التعلم بالتطور الذي يحظى به العالم 

 

خلاصة:

 

من المبكر القول إن تنظيم القاعدة في اليمن على وشك الانقراض، حيث لا يزال يملك أعدادا كبيرة من الخلايا النشطة والنائمة وقد قدرت الأمم المتحدة في العام 2018 أن عدد مقاتليها في اليمن يصل إلى 7000 مقاتل وربما أن العدد قد تعدى ذلك بكثير في ضوء التجنيد والاستقطاب لمجاميع جديدة من الشباب في ظل ظروف البطالة والحرب في اليمن. كما أن المساحات النفعية وتبادل المصالح بين الجماعات الدينية سيوفر لها عمرا أطول إذا ما أخذنا بعين التأكيد على أن هناك حقلا برجماتيا واسعا تعتمده القاعدة للتعامل مع جهات خارجية منها إيران وغيرها للقيام بدور حروب الوكالة تعتمد إلى حد كبير على اعتبارات براغماتية، وتشمل هذه الاعتبارات الظروف السياسية وتغير موازين القوى وتظهر القاعدة أحيانا لتعزز قوة ما من خلال ضرباتها لبعض الأطراف داخل مكونات الشرعية وهذا يؤكد أنها طرف رئيسي في الصراع الحالي وليست مجرد جماعة إرهابية يمكن القضاء عليها بسهولة وبضربة قاضية.

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس