الدكتور هلو !!

السبت 06 مايو 2023 - الساعة 06:38 مساءً

من ضمن مايعرف عن مجتمعنا اليمني , تنوع  وتعدد اللهجات المحلية . لايتوف هذا الامر عند محافظة واخرى بل يتعداه الى مستوى المديرية وصولا الى العزلة الواحدة في بعض الملاحظات, اذ تبرز تعز كاكثر المحافظات تجسيدا لهذا التنوع في اللهجات المحلية بالنظر الى عدد سكانها .

 

ترجع غزارة تنوع وتعدد اللهجات اليمنية في اعتقادي لسببين :

الاول , مرتبط بكثرة التجمعات السكانية الريفية اذ يتجاوز تعدادها ال 75 الف تجمع سكاني وهذا عدد كبير اذا ماقيس  بعدد السكان البالغ 35 مليون نسمة , مقارنة ب 30 الف تجمع سكاني في جمهورية مصر العربية , مع الاخذ بالاعتبار الفارق الكبير في عدد السكان  والذي يتحاوز 200% تقريبا , كما وعلينا الا نهمل تنوعات التضاريس الجبلية والواقع الاحتماعي انذاك وغيرها من الاسباب , التي لم تكن تساعد على اندماج السكان القائم على خلق المصالح المتبادلة وتوسعها قبل بروز وسائل المواصلات الحديثة وتشكل المهن المختلفة .

 

اما ثانيا , فيرجع في اعتقادي للهجرات الداخلية وامتزاج اللهجات ببعضها وبما كان يقود الى خلق لهجات جديدة في النطق والتعابير وحتى التسميات . تبرز تعز كتاكيد لهذا الامر نتيجة لتعدد وتنوع اللهجات فيها .

 

وكمثال عملي , يسكن عزلتي بني شيبة الواقعة في جنوب مدينة تعز والبالغ عدد سكانها اربعون الف , عدد من الاسر القادمة من منطاق متعددة , فهناك اسرة التعكري القادمة من جبل تعكر في اب قبل 300 عام , وهناك اسرة الجنادبة من منطقة ارحب في صنعاء واللذين انتقلوا اليها قبل 350 عام , كما هي اسر الحواشب وبني علي والسحول وغيرها من الاسر الوافدة الى المنطقة .

 

هذا التنوع والتعدد في اللهجات والعادات والتقاليد على مستوى اليمن يفترض به ان يمثل ثروة ثقافية لشعبة يدفع به للتفاخر والتباهي امام الشعوب الاخرى , غير انها للاسف الشديد غدت مصدرا للانتقاص والتجريح المتبادل , في وقت لانجد مايميز تعبير " للمه " على تعبير " لمو " وتعبير " لمه " على مثيله " لمامه " , لكن ذلك يرجع الى تدني مستوى الوعي العام للمجتمع واعتياش انظمة الحكم المتعاقبة على انتهاج سياسات الغلبة , وقبل هذا وذاك غياب المشروع الوطني الجامع الذي كان قد بدءه الشهيد ابراهيم الحمدي في الشمال ودولة الحزب الاشتراكي في الجنوب , لكنه ومن المعيب المضاعف وبدلا من تلاشي هذه الثقافات الهابطة في تحقير وانتقاص بعضنا بحكم التطور الانساني وشمول التعليم وتداخل المصالح واندماج المجتمع , باتت تتجذر يوما عن يوم بطريقة لاتليق بمجتمع يضرب تاريخه وحضوره في اعماق الحضارات الانسانية , وفي تعارض واضح مع ايماننا اليماني وحكمتنا اليمانية التي وصفنا بها سيد الخلق محمد صلى اللة عليه وسلم .

 

على عكسنا وكما اشرت انفا , فان هذا التنوع في المجتمعات المتقدمة يمثل ثروة ثقافية , لدرجة قيام حكوماتها بتخصيص احتفال سنوي لاستعراض هذا  التنوع في العادات والتقاليد والالبسة والثقافات المحلية عموما.

 

صنعاء القديمة , تعد واحدة من ابرز البيئات المحلية , والتي ظلت - ومازالت - وفية لطابعها الاجتماعي وخصوصيتها الثقافية الى جانب طابعها المعماري . اتسم ابناءها بالبساطة والسلمية وسهولة التعامل , الى جانب ماعرفوا به من العلاقات المرحة وروح النكتة , بحيث صاروا مصدرا لكثير من النكت الساخرة والمتداولة في عموم البلاد . حفاظ صنعاء القديمة على طابعها الاجتماعي والثقافي , يرجع في اعتقادي الى بقاء العيش فيها محصورا على سكانها الاصليين بما في ذلك النشاط التجاري , مثلها مثل مدينة تريم الحضرمية.

 

تطرقي لهذا الموضوع عموما , يرجع لموقف طريف ومضحك تعرض له الصديق المهندس عبد المنعم المنحدر من صنعاء القديمة , سرده لنا في واحدة من جلساتنا .

 

قال : غاد ر شقيقي الاكبر الى خارج البلاد مبتعثا للدراسة الجامعية , وقد عاد في ستينات القرن الماضي متخصصا في الطب البشري .

بعد عودته قرر الاستقرار والعمل في مدينة تعز التي انتقل اليها مع زوجته وابناءه .

 

كان وفيا لمهنته ومضمونها الانساني الى حد كبير . فإلى جانب عمله في مشفى المدينة , كان يستقبل ويرحب بكل من يقصده الى منزله لعرض حالته المرضية ودون مقابل .

 

في اول زيارة لي الى تعز  للعيش والدراسة عند اخي وكان عمري حينها عشر سنوات , شدد علي ان ابلغه عن اي شخص يسأل عنه لعلمه المسبق بمضمون الزيارة .

 

 وفي اول مقصد لاحدهم سألني : الدكتور هلو !?

اجبته ماشي مع ان الدكتور متواجد في المنزل . 

 

وحين التقاني اخي سألني : هل هناك من سأل عنه اجبته : , ماشي , لكن في واحد سأل على الدكتور هلو , , واذا بالدكتور ينفجر ضاحكا بطريقة اذهلتني ولم اعهدها من قبل لدرجة تساقط الدموع من عينيه .

 

ثم قال لي موضحا وهو يقهقه بين كلمة واخرى : 

هلو , ماهو اسم ولكن باللهجة التعزية تعني موجود , يعني هو سألك انا موجود في المنزل ام لا !.

 

اجبته ; وانا مادراني .

مضيفا : ومن يومها وانا ابتسم كلما سمعت هذي الكلمة .

بدوري ومن كان الى جانبي ضحكنا كثيرا لهذا الموقف , ومن ظرافته كررته على مسامع صدقاء واقرباء صاروا عند كل لقاء يسألونني مبتسمين : الدكتور هلو !?

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس