الوحدتان اليمنية والألمانية.. صورة فوتوغرافية للفرق بين عالمين !

الثلاثاء 23 مايو 2023 - الساعة 10:26 مساءً

   

                  - ١ -

بعيدا عن ثقافة " الظروف الموضوعية والذاتية والظروف التي لم تنضج بعد " فإن الوحدة بين شعب فرقته المراحل الاستعمارية، او التوجهات السياسية للقوى الدولية وتبعية أنظمة الحكم لهذا الطرف الدولي او ذاك، والذي عكسته ولاءات الأنظمة الاشتراكية للاتحاد السوفيتي والأخرى للرأسمالية الأمريكية، لاتتحقق امتثالا للجذر التاريخي اجتماعيا وجغرافيا وثقافيا فقط، بل لما تمثله من مصلحة للناس على المستويات الاقتصادية وقوة الحضور العسكري والسياسي .. وغيرها من المصالح المرافقة لمثل هذه المحطات بين الشعوب .  

                  - ٢ -

هناك نموذجان عمليان للوحدة، يعكسان الفارق في التعاطي مع هذه المصلحة المتمثلة في عودة الشعب الواحد إلى سابق عهد تفككه للأسباب آنفة الذكر، وأقصد بهما الوحدتان الألمانية واليمنية، مع تطابق وتماثل واقع الشطرين من حيث توجه الأنظمة السياسية الحاكمة  في كل شطر، وأقصد بهما الاشتراكي والرأسمالي، والنتائج الوطنية التي بلغتها كل دولة من الدولتين .

                    - ٣ -

تم تحقيق الوحدة اليمنية قبل الألمانية بعدة اشهر، وأتذكر أن الرئيس صالح وفي لحظة شطح دعا القيادة الألمانية في مقابلة تلفزيونية بضرورة الاستفادة من تجربة الوحدة اليمنية . صاحب الوحدة الألمانية حرص قيادتها المشتركة على إيجاد الأرضية والعوامل القادرة على صهر الفوارق بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي، وبما يقود في النهاية إلى نجاح تجربة وحدتهم .

 تمثلت أبرز الخطوات المتخذة في هذا الحانب بالآتي:

- منع الرأسمال الغربي من الاستثمار في الشطر الاشتراكي الشرقي لمدة عشرين عاما، وذلك تجنبا لشعور المواطن الشرقي بغبن هيمنة رأسمال المواطن الغربي على حياته الاقتصادية ، كون كل شيء هناك يدخل في أملاك الدولة، وبالتالي حددوا الفترة الزمنية اللازمة علميا  لإيجاد طبقة رأسمالية شرقية موازية .

- اعتماد مبلغ ١٢٠ مليار دولار خصص لرفع المستوى الاقتصادي للشطر الشرقي إلى مستوى مماثل للشطر الغربي.

نجحت الوحدة الألمانية، ولم يعد الألمان يستهلكون أوقاتهم في الإشادة بتجربتهم والتباهي بها وبمستوى وعيها الوطني أمام شعوب العالم، بل نظروا للموضوع بأن قاموا بما يجب عليهم  القيام به.

صعدت رئيسة الوزراء أنجيلا ميركل المنحدرة من الشطر الشرقي إلى سدة الحكم عبر انتخابات عامة ولأكثر من دورة، وحظيت بحب واحترام كافة شرائح الشعب الألماني . لم يهتموا لانحدارها المناطقي ولا للحزب الذي تمثله قدر اهتمامهم بالبرنامج الانتخابي لها ولحزبها.

                     -٤-

في مقابل نجاح الوحدة الألمانية ، برزت الوحدة اليمنية بما رافقها من عوامل الفشل كنتاج لواحدة من القيادات  العربية المتخلفة، القائمة على ثقافة الثأر والاستحواذ والغلبة وإلغاء الآخر، والاتكاء على مخزون من الولاءات المذهبية والقبلية والمناطقية والسلالية.

لم تمض سنة على تحقيق الوحدة إلا وبرزت نوايا القيادة الشمالية في التعبير عن نفسها وحقيقة دوافع إقدامها على تحقيق هذا الهدف المفترض أنه يمثل أبرز الأهداف الوطنية لثورة سبتمبر والأحلام الشعبية .

اختتم الحاكم الشمالي ورئيس دولة الوحدة خصوماته وثقافة ثأره وغلبته بحرب ١٩٩٤ م، وما ترتب على نتائجها من نهب وفيد وإقصاء وتعال، ومن ثم التعامل مع الجنوب كملحق ومع مواطنه تعامل المنتصر مع مهزوم، وبما قاد إلى تنامي الرفض للوحدة وكل ماهو شمالي، ونتج عن ذلك ما أطلق عليه الحراك الجنوبي.

ولتجنب قيام حركات جنوبية مسلحة وفاعلة مهددة للنظام أقدم حكام صنعاء على اختراق الحراك الجنوبي السلمي وإضعافه بقيامه بدعم بعض القيادات الجنوبية التي عبرت عن نفسها من خلال الإعلان عن عدد خمسة أو أكثر من الأشكال الحراكية، وقد نجح الرئيس صالح في هذا الاتجاه إلى حد كبير حين استطاع إفراغ الحراك من مضمونه وتوظيفه على النحو الذي اراده عبر انتهاج الخطوات التالية:

- تعدد أشكال الحراك بمسمياتها وأدوارها المختلفة.

- السماح بإقامة المهرجانات اليومية، وبما قاد إلى إفراغ الشارع الجنوبي من شحنته الثورية الرافضة لنتائج حرب ١٩٩٤ م وإمكانية تحولها إلى فعل مسلح، حين غدت هذه المهرجانات والفعاليات مجرد خطب و " عرعار " لكل ماهو شمالي .

- توظيف الحراك ضد تعز ضمن نهج سياسة تقليدية عرف بها النظام في الشمال من خلال إحداث الصراعات البينية بين فئات المجتمع قبليا ومذهبيا ومناطقيا.، تخوفا من التقاء الشعور بغبن هذه المحافظات وتشكل موقف موحد ومعاد للنظام ، وهي المحافظات الأكثر حضورا على جميع المستويات، عدا قصورها في التعامل مع كرسي الحكم، نتيجة لإفراط علاقاتهم النظرية بـ " الظروف الموضوعية والذاتية والظروف التي لم تنضج بعد" .

                          ٥

مرت السنون وولجت البلاد في مرحلة مختلفة بصبغة مصالح جديدة للقوى الدولية ، قادت إلى بروز وتغول قوة جديدة أيضا، وعلى أنقاض القضاء على النظام السابق وزعيمه، لندخل نحن وبلدنا في نفق أكثر ظلاما وعلى نحو وصورة مانعيشه اليوم من نتائج خطيرة من الحروب والتفرقة والخصومات المذهبية والسلالية والمناطقية، غير أن بروز مقدمات نتائج العودة إلى ماقبل ٢٢ مايو وماهو أبعد من ذلك بات يمثل الأخطر فيما يتعلق بحاضر ومستقبل اليمن وشعبها. 

                    - ٦ -

غزو الجنوب للمرة الثانية في العام ٢٠١٥ م شكل عاملا إضافيا لرفض وتنامي وتوسع رفض الشارع الجنوبي للوحدة ومعبرا عن نفسه بوضوح أكثر، وبما قاد المخرج الدولي عبر أدواته الإقليمية إلى السطو عليه وتوظيفه كمقدمة لنتائج شرق أوسط جديد، من خلال الإعلان عن المجلس الانتقالي؛ فكما هو معروف أن بروز المجلس الانتقالي لم يكن وليدا لحركة شعبية وتوجهات الشارع الجنوبي، بقدر ماهو ورقة محلية أوكل إليها مهام محددة مثلها مثل (مجلس طارق) والشرعية والحوثي وجماعة الحيض والنفاس ومعهم بعض قيادات اليسار من اشتراكي وناصري .

                   - ٧ -

 يمكن القول في النهاية أن المخرج الدولي وعبر أوراقه الإقليمية والمحلية نجح في سياساته المتعلقة بالشأن اليمني وإلى حد كبير؛ فجل الأمور تشير إلى أن الأوضاع العامة ستفضي إلى عودة اليمن إلى ماقبل ١٩٩٠ م ، مع وجود مشروع لكل شطر على حدة سيتم تنفيذه وفقا للمصالح الدولية، ومبني على دراسات سابقة لنوع وجغرافيات وكميات الثروات النفطية والغازية والمعدنية في البلد .

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس