شيطنة ثورة "فبراير " ومحاكمتها !!

الجمعه 09 فبراير 2024 - الساعة 11:06 مساءً

"حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق" 

كل الانظمة الفاسدة  ما قبل الربيع العربي في لحظة صمت الناس توهمت أنها على حق مهما كان الفعل الذي تقوم به مذموما وقبيحا ، فاختزلت البلاد والعباد في شخص الزعيم وهذه الانظمة الفاسدة  تتشابه في السؤ والقبح واستمدت  قوتها من ثلاث قوى معتقدة أنها كفيلة بحمايتها  واستمرار نظامها في التوريث وقلع العداد ( هذه خاصية يمنية) 

 

أولا: اعتقادها أن  "قوة الأمن" بكل مسمياتها وقوة القبيلة ( هذه خاصية يمنية) هي من تضمن استقرار النظام وأنّ فيها الكفاية لمنع أي خطر على وجوده دون حاجة إلى أية ركائز أخرى سياسية واجتماعية تثبته.

 

ثانيا: أنّ الاستغناء عن السياسة بمعناها المؤسّسي الحديث يخفض من الصداع العام في بنية النظام ويوفر قدرًا أكبر من الاستقرار.. في لحظة الثورة بدا الانكشاف كاملًا للبنية السياسية المصطنعة.

 

وثالثا : التعويل شبه المطلق على دول الخليج  وامريكا والغرب في ضمان استقرار النظام وبقائه في السلطة.

 

ففي اليمن اختزلت اليمن كلها في شخص الزعيم المخلّص الذي لاياتيه الباطل  من بين يديه ولا من خلفه، ولاينطق عن الهوى ولا تعتريه الأخطاء فهو كائنا مقدسا ،   وفي لحظة الغرور والتمادي والجنون انتقل النظام إلى ما هو أبعد وهو اختزال اليمن في الوريث وهو الابن الأكبر ، لقد  لخّص "مشروع توريث الجمهورية" من "الأب" إلى "نجله الأكبر " وشعار (قلع العداد)   أزمات النظام كلها، ووضعه مباشرةً أمام النهايات المحتمة

 

لم يطل الوقت حتى تبدد ذلك الاعتقاد في ضمان مستقبل النظام وبدت وهمًا من الأوهام.. فعندما تبددت أية آمال في  الإصلاح صار التغير حتمي وقدري .. وكان " التوريث " وقلع العداد هو نقطة التفجير التي استدعت كل الغضب وكل الغليان  إلى كل الميادين والساحات، لم تضرب عاصفة التغيير أركان النظام بغير انتظار، كان كل شيء يجري في بنية المجتمع والسياسة يومئ بمقدماتها.

 

في (فبراير) من العام  2003 تم الإعلان عن  تأسيس اللقاء المشترك والذى سعى له وهندسه الشهيد جار الله عمر ، كان هذا الرجل يمثل حالة قلق لصالح وللاخوان معا، رغم أن الإخوان جزء من تكتل اللقاء المشترك فهم كعادتهم يرعوا مع الراعي ويأكلوا مع الذئب،شبر مع المعارضة وذراع مع صالح  ففي انتخابات 2006 أعلنها بصراحة الشيخ الأحمر رئيس حزب الإصلاح أن مرشحه هو علي عبد صالح  ، قبل شهر من الآعلان عن تأسس اللقاء المشترك في 28 ديسمبر 2002 أُغتيل جار الله عمر  على الهواء مباشرة وأمام شاشة التلفاز  في المؤتمر العام  الثالث  لحزب الإصلاح!!! .

 

كان هذا الرجل له رمزيه نضالية ونقاء ثوري وكثافة صدق لدى الشعب ، هذا الاغتيال البشع والوقح  ضاعف من حالة الاحتقان ورفع منسوب الحراك الحزبي والمجتمعي ويضاف إلى ذلك تراكم المظالم لمختلف فئات الشعب.

 

 كان النظام في العام  2006 كأنه استنزف طاقته على البقاء، ومشاهد الانتخابات الرئاسية أوحت بأننا قرب النهاية، لكن عمر النظام امتد لنحو خمس سنوات أخرى بفضل اتساع هامش الحريات الصحفية والإعلامية ومرونة النظام المصطنعة لتلميع صورته أمام الخارج .

 

لم يخطر ببال أحد أن  إنتفاضة شعبية مدنية شبابية  يمكن أن تطيح بنظام عمره اكثر من ثلاثة عقود .

 

ورغم كل الاسباب الموضوعية لقيام ثورة فبراير  إلا أن هناك من يطالب بشيطنة ومحاكمة ثورة (فبراير )، رغم انقضاء فعلها، بذريعة أنها نكسة ومؤامرة!! او كما يسميها مريدي العهد البائد  بأنها إحدى ثورات الربيع العبري!!.

 

 مثل هؤلاء الناس لايدركون أنه لايمكن أن يبقى الناس المقموعين على حالهم إلى الابد ففي نهاية المطاف لابد أن يتوق الناس للحرية والتغير  والحرية تحتاج إلى ثورة.. 

 

والثورة لايمكن أن تكون مؤامرة لايمكن أن تكون نتائجها نكسة حتى لو بدأ أن هناك من تأمر لاختطافها ، أو حرفها عن مسارها وأهدافها..

 

لكن يمكن القول إن  الثورة  ليست مبرأة من الأخطاء فالاحداث الكبرى والفارقة لا تقاس بالمسطرة والقلم ولا تجري في معامل كيمياء تضبط التفاعلات وسلامتها .

 

لقد كانت قيمة (فبراير) في التاريخ أنها عكست الإرادة الجمعية لليمنيين بكل اختلافاتهم وطبائعهم ، فكان لاسبيل ولا مجال لمواجهة بركان غضب هذه الثورة ، لقد كانت عناوين العدالة والحرية والمواطنة عناوين جامعة لكل اليمنيين وكان من الصعب على النظام تحديها .

 

لقد كان صُنّاع مسرح الأحداث اجيال شابة جديدة وبروح متقدة وخيال ثوري مختلف ، أصابت واخطأت لكن روحها تعلقت بفكرة الثورة وحتمية التغير ووجدت صدى لدى قطاعات واسعة نالت المظالم الاجتماعية من أبسط حقوقها .

 

لقد كان طبيعيا أن تأتي  ثورة (فبراير) من خارج الطبقة السياسية المتكلسة والمتخشبة و التي اخُترقت أحزابها وهُمشت منابرها.فلم يكن تدجين السياسة أن النظام في منأى عن عاصفة التغير .

 

مرت ثورة فبراير بمراحل  من العلو والتصاعد فمع كل قطرة دم تسقط يزداد الغضب ويرتفع الغليان ويقترب النظام من النهاية وحفر قبره بيده وبسبب جهله وبسبب البطانة الفاسدة من حوله  ، شكلت جمعة الكرامة تحولا كبيرا في مسار الثورة فبدأت يومها أذرع النظام بالتساقط ،

 

 ومع ارتفاع فاتورة الدم  لشهداء (فبراير) ومع كل قطرة دم تزداد إرادة الثوار ارتفاعا ويكون النظام اقرب للزوال، وعند النقطة الحرجة بدا النظام مكشوفا بلا ظهير سياسي، وبلا ظهير قبلي، في لحظة الغليان ظهر حزب المؤتمر بأنه مؤتمر الرئيس لا مؤتمر الشعب ،لم يكن شعبيا او جماهيريا  ، لم يكن "المؤتمر الشعبي العام " حزبًا حقيقيًا بقدر ما كان تجمّعًا لأصحاب المصالح يلتصق بالسلطة وبشخص الرئيس تحديدا،  كان مزيجًا من بيروقراطية الدولة ونفوذ القبيلة و الأمن.

 

 وفي لحظات التصاعد وارتفاع موجة الغضب والغليان الشعبي ، كان النظام يترنح ويقترب من النهاية  ولم يعد الرهان عليه ممكنا ، في هذه اللحظات  كان طبيعياً في بلد مثل اليمن أن تتدخل أجهزة استخبارات دولية لتوظيف الأحداث الكبرى وفق مصالحها الاستراتيجية، أو على الأقل خفض فاتورة المخاطر على تلك المصالح.

 

اسوأ ما جرى عند الإطاحة بالنظام هو غياب المساءلة السياسية لنظام "على عبد الله صالح " بل و إقرار الحصانة وعدم المساءلة والمحاسبة لعلي عبد الله صالح ومن عمل معه خلال أكثر من ثلاثة عقود ومثلما أصر حزب صالح على هذه النقطة أصرت جماعة الإخوان عليها ايضا ، عندها بدأ واضحا أن الثورة اختطفت مبكرًا وأطل الماضي مجددًا.

 

 

كان خطأ (فبراير)  هو عدم وجود قيادة منظمة للفعل الثوري تضع خطة واضحة ومدروسة للانتقال من عصر إلى آخر، تؤسس لنظام جديد يُعلي من قيمة المواطنة والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية .

 

لكن في ظل غيابةالقيادة المنظمة للفعل الثوري والموجهة لمساره  أمكن اختطافها من "الإخوان المسلمين" فهم الاكثر تنظيما والاكثر مالا ونفوذا  ، وهم آخر من دخلوا الميدان وأول من تأمر على الثورة ، كانت الثورة بالنسبة للشباب قيمة ولاتقدر بثمن ،لكن لصوص الثورة وهم الإخوان ارادوها أن تكون ثمن لا قيمة  فمبدأهم (تسليع ) الاشياء فكما سلعوا الدين فعلوا ذات الشيء في (تسليع)  الثورة لذلك لا غرابة ولا عجب أن  سرقوها وسرقوا معها احلام اليمنيين في التغير والتحول لدولة مدنية، فكما افرغوا الدين سابقا من معناه افرغوا ثورة فبراير من نبل أهدافها وهي العدالة والمواطنة والانسنة  والدولة المدنية الديمقراطية .

 

كان أحد أسباب نفوذ وسيطرة جماعة الإخوان على الساحات هو وفرة  المال المكتسب خلال أكثر من ثلاثة عقود من حالة المماتعة مع نظام صالح كما أن غياب اي دور لأحزاب المعارضة المدنية والتي سوف تنقرض وتموت  وهي تنتظر نضوج الظروف الذاتية والموضوعية ، كل هذه العوامل  هي من  أفضت إلى إجهاض أهداف (فبراير ) واختطاف جوائزها من غير مستحقيها. .

 

لكن أن  يتحول واقع اليمن من السيء إلى الاسوأ، هذا لا تتحمل وزره ثورة (فبراير) ، فالثورة بشعاراتها و عناوينها الواضحة  لا يمكن أن تكون مؤامرة ولايمكن أن تكون نتائجها نكسة ، علينا أن نعي وندرك ذلك ، الثورة لايمكن أن تأتي بالعليمي رئيسا للدولة وبالبركاني صاحب فكرة قلع العداد رئيسا لمجلس النواب وعبد الملك إماما .

 

الثورة لا يمكن أن تلتقي مع جيران السؤ وتتحالف معهم  لتضرب نفسها، الثورة لايمكن أن تُنهي ديكتاتور سياسي لتأتي بديكتاتور الهي .

 

في الختام اقول أكثر مايستفزني ويستفز الكثيرين هو مشاهدة مهرجانات الاحتفال بفبراير في الساحات  من قبل لصوص الثورة وسارقي احلام الشباب وهم قطعا جماعة الإخوان في مأرب وتعز ، حقا إذا لم تستحي فافعل ما شئت .

111111111111111111111

احمد غالب

2019-October-16

نتابع الأصدقاء والأخبار


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس