1400 عام من الفرقة: قراءة في إرث السلالات الحاكمة وتداعياته على الواقع العربي
الاثنين 30 ديسمبر 2024 - الساعة 08:53 مساءً
د . نادين الماوري
مقالات للكاتب
على مدار 1400 عام، شهدت الأمة الإسلامية فصولاً دامية من الصراعات والتفرقة التي تغذت على النزاعات بين السلالات الحاكمة، مثل بني هاشم وبني أمية وبني العباس. هذا التاريخ المليء بالدماء لم يكن مجرد صراع على الحكم، بل أصبح أداة لهدم الدول وتفكيك المجتمعات، ولا تزال آثاره ممتدة حتى اليوم في أكثر من بلد عربي، حيث تلعب النماذج الحية في اليمن وسوريا ولبنان والعراق دورًا في تسليط الضوء على نتائج هذه الصراعات على واقعنا المعاصر.
اليمن: بين الإمامة والجمهورية
عانت اليمن لعقود طويلة من حكم السلالة الإمامية التي رسخت التفرقة على أساس العرق والمذهب، متذرعة بأحقيتها الإلهية في الحكم. وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962، كافح اليمنيون لتحرير وطنهم من هذا الإرث الثقيل، إلا أن الحوثيين أعادوا البلاد إلى مربع الصراع السلالي، تحت غطاء ديني يخدم مصالح إيران الإقليمية. النتيجة كانت حربًا مستمرة، واقتصادًا منهارًا، وشعبًا يعاني من أكبر كارثة إنسانية في العالم.
سوريا: السلالة العلوية والنظام القمعي
في سوريا، سيطر النظام العلوي بقيادة عائلة الأسد على الحكم منذ أكثر من نصف قرن، مستخدمًا القوة العسكرية والدعم الطائفي لتثبيت سلطته. الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011 كشفت هشاشة هذا النظام أمام المطالب الشعبية، إلا أن التوظيف الطائفي والدعم الإيراني أديا إلى تمزيق النسيج السوري، وتحولت البلاد إلى ساحة حرب بين قوى إقليمية ودولية، وسط تدمير شامل للبنية التحتية ونزوح الملايين.
لبنان: دولة مختطفة بالطائفية
لبنان، الذي كان يومًا رمزًا للتعايش، أصبح رهينة للتوازنات الطائفية التي تخدم مصالح سلالات وأحزاب مدعومة من الخارج. حزب الله، الذي يدعي تمثيل الطائفة الشيعية، نجح في تحويل لبنان إلى قاعدة لمشروع إيران الإقليمي، مما أدى إلى انهيار الدولة ومؤسساتها، وأدخل البلاد في أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة.
العراق: عباءة الطائفية وسرقة الدولة
منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، غرقت العراق في مستنقع الصراعات الطائفية التي غذتها الميليشيات الموالية لإيران تحت غطاء السلالة الهاشمية. هذه القوى لم تسهم فقط في تقويض الدولة، بل استنزفت ثرواتها وأدخلتها في سلسلة لا تنتهي من الأزمات، مما جعل العراق مثالًا حيًا على فشل النظام القائم على المحاصصة الطائفية.
ما الحل؟
إن استمرار هذه السلالات والحركات الطائفية في اختطاف إرادة الشعوب لن يؤدي إلا إلى مزيد من التدمير. الحل يكمن في:
1. ترسيخ مفهوم المواطنة: يجب بناء دول تقوم على أساس المساواة بين جميع المواطنين، بعيدًا عن الطائفية أو العرقية أو السلالية.
2. تعزيز الديمقراطية: الأنظمة الشمولية التي تتذرع بالطائفية لن تصمد أمام مطالب الشعوب إذا توفرت أنظمة ديمقراطية حقيقية.
3. تحجيم التدخلات الخارجية: ينبغي للأمة الإسلامية أن تقطع ارتباطاتها بالقوى الإقليمية التي تستغل هذه النزاعات لتحقيق أجنداتها.
4. إحياء الهوية الوطنية: التركيز على الهوية الجامعة لكل بلد هو الطريق الوحيد لتفكيك إرث هذه السلالات.
الخاتمة
إن الأمة الإسلامية دفعت ثمنًا باهظًا بسبب صراعات السلالات الحاكمة التي زرعت الفرقة والدمار في كل زاوية من زوايا العالم العربي. اليوم، يتعين علينا أن نتعلم من هذا التاريخ الأسود ونبني مستقبلاً قائمًا على العدل والمساواة ووحدة الصف. أما الاستمرار في اجترار هذا الماضي المظلم، فلن يكون إلا مزيدًا من الدمار.
▪︎ اكاديمية ودبلوماسية سابقا