الثورة علي وعي المسحوقين!

الجمعه 12 ابريل 2019 - الساعة 03:57 صباحاً

كل اضطهاد جماعي يسفر عن مجتمع مسحوق، يصنع كارثة بهذا المجتمع وعليه، وعلى محيطه، إذا ما ارتبط بأمة يشاركها الهوية وتشاركه الهموم والمصير.

 

لقد شهدت اليمن عبر تاريخها اضطهادًا داخليًا، كبيرًا وطويلًا، لمناطق ومجتمعات بعينها، أسفر عن ظهور مجتمعات مسحوقة، تحولت لديها روح الهزيمة والاستعباد أمام الغزو الداخلي إلى قناعة، وأصبحت طبعًا جُبل عليه أبناؤها، وعجنت قيمهم ونظرتهم للحياة بشعائره، وتهجنت بمفاهيمه.

 

وما دامت معاناة هذه المجتمعات قد صهرت نظرة أبنائها وشكلت أخلاقياتهم واستجاباتهم، فقد كانت لدينا مجتمعات أفرادها مشبعون بالعُقد والمخاوف والأوهام واللامبالاة تجاه وظائفهم الأخلاقية والإنسانية وجزء كبير من بداهاتهم الفطرية كبشر.

 

هذه المجتمعات، ومثلها "الجماعات" الفئوية المسحوقة أيضًا، دفعت بنفسها، وبمن يشاركها ندوب المظلوميات التاريخية، لاستجرار طبائع المهزومين قدرًا وحكمًا، وجعلها تشاؤمها المرضي هذا تستدعي حالًا من المثالية المفرطة، لتلقي على شماعته تنصلها من الإيفاء بواجباتها تجاه ذاتها ومجتمعها، وعلّها بجملة من الأعراض والأمراض غدت ثيمة لحياتها وحركتها.

 

فالجماعات المسحوقة تحتقر ذاتها والآخرين، وتحقد على من يشاركها التجارب، ويختلف عنها بالتأثر، والاستجابات، ويظهر حقدها في الغيرة والحسد، تجاه كل محاولة لخوض التحديات والإصرار على النجاح!

وهي أيضًا بطبيعتها، جماعات نمّامة، تنتصر بإثارة الضغينة والنوايا السيئة والقدح في بعضها، وتستعر الخسة لدى أكثر أفراد هذه الجماعات اعتلالًا بالنقص والعجز، كما أنها جماعات منافقة، ومشوبة بالرياء، وهزيلة الإرادة، ومحدودة الطموح وعديمة الجرأة، ولا ترى أفقًا لإثبات ذاتها إلا فيما تشعر، وبنقصها العميق، أنها تمتلئ بتحقيقه، وغالبًا ما يكون المال، لضمور شجاعتها وجرأتها عن أعمال السياسة والحرب.

 

 

ومع ذلك، فسعيها لتحصل المال ومراكمته مقرون بفقر التفكير وعناء التدبير وشح المعيشة وقلة الخير، وإعمال العزلة والانفكاك هربًا من أية التزامات، للعائلة أو للأقارب، مثلًا، مع اختلاف وتباين سلوك الناس في هذه الجماعات والمجتمعات، كل بحسب نشأته وبيئته وتأثره.

 

لكن الأسوأ في جملة الفقر الروحي والعاطفي والذهني والأخلاقي لمن يعيشون إيمانهم بتوارث الهزيمة، وغيضهم ممن لا يشاركهم هذا الإيمان من بني جلدتهم، هو انفعالهم المدمر لكل فرصة، ومحاولة، لتغيير هذا المسار السلبي والانكفائي؛ ولتطليق هذه الثقافة والطبيعة الحاسرة عن تعفن الروح والعقل، وتقريرها كمعجم أم لتفسير وجود هذا المجتمع وصيرورته.

 

من أجل هذا، فإن كل انقطاع ذهني وسلوكي ومعرفي، عن ثقافة الأجداد المسحوقين، يخبئ فرصة للأحفاد المتطلعين، في صياغة تحولات تليق بأحلامهم النبيلة، وهو ما حدث في ثورة 11 فبراير في اليمن عام 2011.

 

لكن ضلالة التفسير والتفكير لدى الأجداد، ألقت بظلالها مع أول الهزات التي قابلها شباب جَموح يفتقر للخبرة ولوعي بحجم المعركة التي يخوضها، والتي حاول أن يفسرها كهنة المعارضة السياسية في اليمن بأنها معركة مع عصارة ثلث قرن فاسد وهو ما كشفت السنوات اللاحقة زيفه.

 

 

الجهل أسر وقيد، ومن عبث لآخر، حاول الكهان قيادة دفة السفينة، بفهم سائق السيارة، فاتصل الحاضر بالغابر، وأصبح الثلث الفاسد، بعيد المنال، مع ما أفضت إليه دناءة المؤامرة التي قادت اليمن إلى حرب أعادت البلد عمليًا إلى ما قبل القرون الوسطى، وأعادت أكثر مجتمعاته إلى طبائعها المسحوقة المريضة.

 

ثم إذا انتهت الحرب، وتضاءل ضيرها بمرور الأيام، من سيجرؤ على محاولة انعتاق أخرى، وبتراكم أي خبرة ناضجة يمكننا أن نبدأ؟ بتراكم هزائمنا الأخيرة، أم جهلنا الذي غدا مركبًا أعقد من أي وقت مضى؟ أم بثورة على هزائمنا وجهلنا المركب؟

 

للأمل بقية!

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس