مشكلة الأميون في عالم الفكر والسياسة

الاثنين 03 يونيو 2019 - الساعة 06:25 صباحاً

كثيراً من الناس لا سيما القراء منهم يشعرون بالسعادة وراحة البال عندما يقرؤون ما يعجبهم أو يعزز قناعهتم المسبقة أو تلك الأفكار التي يندفع بعضهم للقتال عنها كملكيين أكثر من الملك ، ربما لأنها في الواقع تفتح لهم نوافذ للإرتزاق اليومي أو تقربهم من الارباب زلفا ، ومع هذا نجد القليل من القراء يقرؤون بصدر رحب ويستوعبون ما لا يعجبهم أو ما لا يتوافق مع قناعتهم وأفكارهم الشخصية ، والفرق بين هذا وذاك يكمن في تميز هذا الصنف الأخير من القراء أو المتابعين على إنتاج الفكرة واحترامها في نفس الوقت ، بل ومحاورتها بنفس طويل أو حتى الدخول معها في جدل معرفي وعقلي مسؤول من أجل إثبات تهافت تلك الفكرة أو تفنيد ذاك الرأي خدمة للحقيقة بمعزل عن شخصية كاتبها أو القائل بها ، ذلك درساً قاسيا ومفيدا في حقل المعرفة والفكر تعلمه الفيلسوف جان جاك رسو من نظيره في عالم الفكر الفيلسوف فولتير ” حين قال هذا الأخير للأول بمناسبة مصادرت كتابه رسو من قبل السلطات السويسرية ، يومها قال فولتير ” انا لا اتفق معك في كلمة واحده مما قلته ، ولكني سأدافع عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك حتى الموت ”

 

الأميون فكريا ومعرفياً وإن بدو لك حاملين شهادات ومؤهلات ، هم الموُلعون والأكثر قدرة على الوقوف على شخصية الكاتب أو المتكلم في الرأي واستهدافها بقصد أو بدون قصد ، بمقابل أو بدون مقابل لاسيما حين يكون التصحر الفكري هو الأرضية التي يتم الوقوف عليها ، وما أكثر الواقفين في اوساطنا على أرضية التصحر الفكري والجفاف المعرفي والثقافي، لكنهم فوق ذلك لا يجدون حرجاً في ممارسة العبث في القول .

 

إذا كان المنهج النقدي القائم على الإسقاط في تناول الشخصية رداً على أفكارها وأرائها يعد من جهة أولى منهج إعفائي يعفي أصحابه من عنا البحث والتعاطي الإيجابي مع الأفكار والأراء وتفنيدها بالحجة والفكرة المقابلة، ففي ذلك مشقة لا طاقة لأمثال هؤلاء المتصحرون بها ، أو بمعنى آخر فاقد الشئ لا يعطيه لاسيما على مستوى إنتاج الفكرة أو حتى تحليل معطيات الواقع ، فإنه ومن جهة ثانية يكون استخدام هذا المنهج وتحديداً في حقل السياسية قادراً على تحويل أصحابه المولعون إلى متنطعين ورحل يبحثون في حقل السياسية عن الماء والمرعى بل وأشخاص محترفين في سفسفط الوقائع على حساب الحقائق ، وأكثر من ذلك نجدهم يساهمون بشكل كبير في تفخيخ المناخ السياسي وبشكل يجعل مكوناته السياسية تتغذى من الخلافات الشخصية أكثر من كونها خلافات منطقية تستند على الفكرة أو المشروع السياسي .

 

في كل الأحوال يعد استخدام هذا المنهج القائم على الإسقاط الشخصي بمعزل عن الأفكار المطروحة وسيلة سهلة في إثبات ولاءات أمثال هؤلاء المتنطعين وبشكل يجعلهم ملكيين اكثر من الملك ، لأن جل هؤلاء عندما يذهبون في تشريح الشخصية لا يعبرون عن قناعتهم الفكرية بقدر ما يرغبون في إرضاء ساسة أو مكونات سياسية تقف في الضفة الأخرى ، وما يتعرض له الدكتور ياسين سعيد نعمان ، من إسقاط متكرر يتناول شخصيته بدلاً من مواجهة آرائه وأفكاره الا نموجاً لهذه العقلية العاجزة عن مواجهة الأفكار والأراى بالحجة .

 

الوقوف على حدود الشخصية ظاهرة متجذرة في اوساطنا اليمنيين وعلينا أن نتعلم كيف نتجاوزها كحالة مرضية ، اتذكر اني قرأت يوم لكاتب روسي مهتم في الشؤون اليمنية حيث قال ( أنه لاحظ على اليمنيين أنهم حين يتكلمون في السياسة يتكلمون عن أشخاص ) لكن مشكلة الشخصنة مع هؤلاء الأميون فكرياً وثقافيا لاسيما المشتغلين في حقل السياسية لها أبعاد أخرى لا تتعلق بحسن النوايا كما هو حال العوام ، فالشخصنة هنا في غالب أحوالها تعبر عن حالة من المضاربة والمرابحة والاستثمار السياسي على ابواب السلطان وأصحاب الهيمنة والنفوذ القادرون على دفع الحوافز والمكافأت في عالم السياسة .

 

نحن هنا وباختصار شديد لا نطلب من هؤلاء الصمت أو عدم التعبير عن أرائهم ولا نرغب في نفس الوقت في مصادرت حقهم في نقد ما يكتب أو ينشر ، بل ما نريده منهم هو العكس تماماً أن يمارسوا حقهم في الكتابة والنقد الى أبعد مدى ، لكنه النقد الذي يتعاطى مع الأفكار والأراء ومع ما ينشر او يكتب بعيداً عن التناول الشخصي .

111111111111111111111


جميع الحقوق محفوظة لدى موقع الرصيف برس